تطور العلاقة بين (السلطة) والمقاومة!
23 جمادى الثانية 1430
د. أسامة عثمان

 لم يكن مستغربا أن تؤول العلاقة بين السلطة في رام الله والمقاومة إلى ما آلت إليه، وقد تمظهرت في جريمة قلقيلية المنكرة؛ ذلك أن السلطة قد اقتنعت, أو هكذا تُبدي، بوجود رابط بين (نجاحها) بالتزاماتها الأمنية في خارطة الطريق, وبين استحقاقات سياسية تأمل بها من الكيان الصهيوني.

في سبيل ذلك تستهين بمعاداة شعبها، أو الغالبية العظمى منه, وتحوِّل ( حكمها) إلى ما يشبه الحكم العسكري, وتغدو ذراعا متقدما، وذا خصوصية للجهود الدولية, الأمريكية, والصهيونية في استئصال المقاومة، على مستوى الفعل, وعلى مستوى الفكر والنهج.

فهي على المستوى العملي والميداني تُصعِّد من ملاحقتها لرجال المقاومة, بإشراف مباشر وحثيث من الجنرال الأمريكي كيث دايتون, وعلى صعيد الفكر والرأي، تَعهدَ رئيسها بأن يُفعِّل اللجنة الأمريكية (الإسرائيلية) الأمريكية لمنع التحريض في المساجد والمدارس, وغيرهما.

والغريب أن هذه الاستماتة في تنفيذ متطلبات (السلام) وخارطة الطريق تاتي في ظل حكومة هي من أقصى اليمين الصهيوني, تجاهر برفضها الانصياع لمطالب أمريكية بوقف الاستيطان, وترفض مشروع حل الدولتين, وترفض المبادرة العربية, ومؤتمر أنابوليس؛ فهل يأمل المؤمنون بنهج (السلام) مع هؤلاء بأن يرضوا عنهم؟! ولن يرضوا عنهم بنص القرآن, وبطبيعة اليهود, وبالواقع الصارخ؛ فقد صرح ساستهم بأن ما حدث في قلقيلية غير كاف! وهم باستمرار يصفون رئيس السلطة بالضعيف؛ لِيُغْروه بمزيد من العداوة لشعبه, وليسوِّغوا عدم (التقدم) معه في خطوات (جدية) في مشروع الحل, وهو؛ إذ يصدقهم فإنه يزداد ضعفا وعزلة عن شعبه؛ سنده الطبيعي, وورقته الرابحة.

تُلقي السلطة بكل بيضها في سلة أمريكا و(إسرائيل) وتبدي عزمها في القادم من الأيام على المضي في ملاحقة المقاومة, تحت مسميات فرض القانون والنظام! فرض القانون والنظام في سلطةٍ: مدنُها وكل ما تملك محتلة فعليا ويوميا؛ فأي قانون هذا الذي يسوغ التنسيق الأمني والخضوع المباشر لإملاءات خارجية أمريكية؟!

هل تأمل السلطة في أن تنجح الضغوط الأمريكية على كيان يهود في تحصيل الحقوق الفلسطينية؟! ولدى اليهود العديد من المخارج, والوسائل, للتملص من الضغوط, إذا حصلت, من اصطناع أزمات حكومية, أو استثارة المستوطنين الذين بدؤوا يصفون نتنياهو بالخيانة لمجرد أن أوعز بإزالة بؤر أستيطانية عشوائية, وغير قانونية, ويستطيعونه باستمرار التذرع بضعف السلطة, وضرورة قضائها على التحريض, ويستطيعون ذلك , لو اضطروا, بالتفاوض نفسه؛ ليغدو تفاوضا من أجل التفاوض, ولهم في هذا سابقة, عندما ضُغط عليهم أمريكيا للمشاركة في مؤتمر مدريد 1991م صرح شامير رئيس وزرائهم آنذاك بأنه مستعد للتفاوض لعشر سنين, أو عشرين سنة .

ولعل أكثر ما يؤلم في الواقع الفلسطيني كثرة اللجوء إلى المغالطات؛ للتضليل, والتستر بمسميات كاذبة، من قبيل الحفاظ على سيادة القانون؛ فهل للسلطة نفسها سيادة؟ وما هذا القانون الذي يُجرِّم العملَ المقاوم، والبلادُ محتلة؟! ومن المغالطات المتفرعة من تلك الحفاظُ على وحدة السلاح؛ دون التفريق بين سلاح الجريمة والفلتان, من جهة, وسلاح المقاومة المسلط على المحتلين, من جهة أخرى. وهنا يحق السؤال عن سلاح السلطة: لأي الأهداف هو؟ ومن الذرائع التي تبسطها السلطة في ملاحقة المقاومة في الضفة الغربية ادعاؤها وجود نية للسيطرة على السلطة كما تمت السيطرة عليها في غزة، دون الالتفات إلى الفرق الجوهري بينهما، وهو وجود الاحتلال العسكري الصهيوني, وقواته, وجودا مباشرا, ومستمرا.

وبعد؛ فلا تحتاج دعاوي السلطة إلى طول نقاش, وقد انخرطت في مشاريع خطرة, يصعب عليها التنصل منها؛ فما الموقف العربي والإسلامي من هذا التطور الكمي والسلبي في علاقة السلطة بالمقاومة, وشعبها؟

لا بد من جهات عاقلة ومخلصة تنهض بمواقف قوية ومؤثرة، شرعيا, وإعلاميا, وجماهيريا, وسياسيا, وقد بدأت؛ للتأكيد على خطورة أن يصطف طرف من الأطراف؛ بحجج واهية في صف الأعداء الحقيقيين للأمة جميعها.

نعم، لا بد من وقفة من علماء الأمة وقادة الفكر فيها, وإعلامييها, وخطبائها تجلي الحقيقة لأهل فلسطين, وتضع القضية الفلسطينية, وحالتها الراهنة في سياقها الصحيح؛ لأن الواقع تحت الأحداث مباشرة ربما تغيب عنه بعض الحقائق, بالرغم من وضوحها؛ فتسوقه التطورات نحو معالجة التداعيات, ويغفل الأسباب!

كما لا بد من جهد جماعي وموحد الهدف على مستوى العالم الإسلامي والعربي؛ لعزل كل القوى التي تقبل بالانحياز إلى المشاريع العدوانية, وفي فلسطين على وجه الخصوص؛ حتى يمثل هذا ضغطا حقيقيا, وحرجا يَحُدُّ من التمادي في هذا الدور المزمع.

كان الرئيس الأمريكي الأسبق ويلسون قد نادى بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن ذلك لم يكن- كما يحاول البعض الإيهام- بدافع الاقتراب من العدالة, وللرغبة الأمريكية في تخليص الشعوب من الاستعمار, بقدر ما كان لهدف ملء الفراغ الذي يتركه الاستعمار القديم، وأبرز دوله بريطانيا وفرنسا، والحلول محلها, والغريب أن الأمريكان توصلوا آنذاك إلى قناعة أشهروها في وجه حلفائهم  الإنجليز والفرنسيين: أن العرب والمسلمين لا يقبلون بالتبعية للقوى الأجنبية, كما لا يقبلون بإنشاء وطن يهودي في فلسطين, واليوم, وبرغم تجاربها مع العالم الإسلامي, ما زالت أمريكا تتجاهل أهمية الآراء، وتعمل على فرض مشاريعها بالقوة؛ فهل تنجح أمريكا في التحكم والسيطرة- على حد تعبير ديغول-  بثوب المثالية؟!  

الواقع أنه لا شيء ينجح بالإكراه, حتى الدين لا يكون بالإكراه, فلا تتحقق مخططات الدول المستعمرة, وعلى رأسها أمريكا التي تتفرد تقريبا بالقضية الفلسطينية، بالتجاوز على حقوق المسلمين, إلى حد الاستهانة! وبالرغم عنهم!  لا ينجح الإكراه ولو كان مشفوعا بأَنْعَمِ الكلام، وأخبث الأساليب؛ فأين الاحترام الأمريكي المزعوم  للعالم الإسلامي وعدم معاداته مما يجري في فلسطين, وكذا في باكستان, مثلا؟!