لقاء خاشقجي والجلاد وأوباما وبرنياع
20 جمادى الثانية 1430
إبراهيم الأزرق

ترامت الأنباء بمشاركة الصحفي الصهيوني المعروف ناحوم برنياع أحد أكابر محللي صحيفة يديعوت أحرونوت أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً؛ لستة صحفيين مسلمين أحدهم من هذه البلاد .. هو جمال خاشقجي، وذلك في لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمناسبة خطابه للعالم الإسلامي من مقر جامعة القاهرة.

 

وابتداءً لا أجد تفسيراً مقنعاً يدعو الإدارة الأمريكية إلى دعوة ناحوم برنيع بل لست أفهم داعياً لدعوة أمثال اللبناني سركيس ناعوم وفي لبنان جمهرة عريضة عريقة من الصحفيين المنتمين إلى الإسلام، فخطاب أوباما إنما هو للعالم الإسلامي!

 

فهل تراه يرى أن الإسلام الأمريكي ينبغي أن يتسع ليشمل أمثال هؤلاء؟! ماداموا في شرقنا العربي دون صحفيي الفرس! والهند والسند؟
أياً ما كان لو فرضنا قضية يناسب أن يجمع لها أوباما مسلمين وغيرهم، فهل من المناسب أن يشارك صحافيونا مع أمثال ناحوم هذا؟

 

وحتى لا يساء الفهم أقول لو كانت القضية اجتماع مع صحفي يهودي لاينتمي إلى مؤسسة صهيونية تمثل شعباً محتلاً مقربة من يمينه المتشدد لكان الشأن أيسر والنظر في المصلحة ممكناً، لكن قضيتنا الحالية موافقةُ بعضِ صحفيينا على اجتماع مشترك مع صحفي صهيوني شهير بصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الداعمة للدولة العبرية المقربة من حكومتها المتطرفة وذلك في اجتماع لو غاب عنه الإسرائلي لم يؤثر غيابه شيئاً بل لم يدع له من هم أولى منه!

 

لقد كان الأستاذ فهمي هويدي عاقلاً يوم اعتذر، وقد أكسبه اعتذاره أكثر مما أفقدت غيره مشاركتهم! وفي اعتقادي أنه كان أثقب نظراً وأرعى لمصلحته الخاصة عندما اعتذر! وقد خالفه الستة البواقي بحجة أن مشاركاتهم ليست سياسية ولايمكن أن يحجبهم وجود الإسرائيلي عن مقابلة مهمة كهذه! مع أنا لم ندر حتى الساعة ماذا استفاد هؤلاء الستة على كثرة جعجعة مجدي الجلاد وصاحب الوطن التي حاولا أن يسوغا بها حضورهما!

 

لقد زعم الجلاد أنه صحفي مستقل وليس سياسياً وتلقف عنه الكلمة خاشقجي فردد نحوها وليت شعري من ذا الذي اتهمهما بالسياسة؟! لينفوا التهمة! وما دخل السياسة بما هم فيه! إن استجاب أحدهما لسياسة دولته فقد علم أن الجماهير ترفضها ولو رفض الجلاد الحضور بحجة أنه ليس بالسياسي لتفهمنا حجته أما أن يفعل ما يفعله ساسة بلده ثم يقول هو ليس بالسياسي فعجيب! وأما الآخر فخالف سياسة دولته وخالف جمهور شعبها لأنه ليس بالسياسي!! إن إقحام موضوع السياسة ههنا حيدةٌ لا كبير معنى وراءها فيه مَقنعٌ للبيب.. أما إن كانا يريدان أن يفتيا العالم بأن حضور سياسي اجتماعاً مشتركاً مع سياسي إسرائيلي تطبيع وخيانة يمكن أن يلام عليها بحق، لكن اجتماع صحفي بصحفي إسرائيلي يمثل صحيفة داعمة للاحتلال مقربة من يمينه المتشدد لا شيء فيه بحجة اقتضاء المصلحة وفوت الفائدة فهذه هي خطوة التطبيع المموهة المشؤومة!

 

فلاقتصادي أن يقول: لا يضيرني أن  أشارك مجموعة فيهم ممثل شعبي لإسرائيل في مشروع يعود علي بالفائدة الاقتصادية.. لأني لست سياسياً.
ولرياضي أن يقول كذلك: لا بأس في مشاركتي فريقاً إسرائيلياً أو منافساً إسرائيلياً لأجل المصلحة الرياضية... لأني لست سياسيّاً!
ولمختص أمني أن يقول كذلك: إن مشاركتي فريقاً إسرائيلياً لأجل مصلحة أمنية لا بأس فيها.. لأني لست سياسيّاً!... ولغيرهم كذلك أن يدلي بنفس الحجة!!
مساكين هؤلاء الساسة! ذنبهم السياسة!! حرام عليهم الكلأ المباح لسواهم!
إن منطق هؤلاء يقول: افعل كل مصيبة ولا تكن سياسياً فليس على غير السياسي حرج!

 

أما الصحفي فأهم شيء عنده أن تعلو المهنية.. ولك أن تقول أن يعلو هُبَلُ بعضِ أهلِ الصحافة، فالمهنية في مفهومهم قد غدت صنماً تقدم له القرابين ولو على حساب سياسة البلد، بل ولو على حساب الدين والقيم والأخلاق! فلو جاء من تلوثت يداه بدماء نبي من أنبياء الله ليشارك هؤلاء المهنيين في لقاء يهمهم فالمهنية –في مفهومهم- تقتضي الجلوس بجواره والابتسام له ومصافحته والسؤال عن حاله –كما فعلة خاشقجي- وربما نقل وجهة نظره دون تدخل!

 

مسكين ذلك المهني الذي يتقمص شخص العاقل الفهِم المثقف ثم يزعم ما حاصله: أن الصحفي في مصلحة الصحافة مرفوع عنه القلم!
وله أن يدَّعِي ما شاء، لكنْ ليعلم أن القلم غير مرفوع عن القراء حتى يوافقوه بمجرد تلفيقه نحو هذه (التبريرات) السمجة!

 

فكثير من القراء يميز بين العذر الحقيقي والعذر الذي هو أقبح من الذنب... ذلك العذر الذي يُخشى أن يقرر صاحبه بعد مدة عدم الفرق بين السياسة والصحافة والرياضة... بل التعويل في الأمر كله على المصلحة الشخصية، بناء على القاعدة الميكافيلية التي اتبعها أصحابنا هؤلاء باسم المهنية!

ولو اعتذروا جميعاً لما عقد أوباما لقاءاً صحفياً حول خطابه للعالم الإسلامي مع صهيوني ولا حتى نصراني! أو مطربة ومغن! إذ يستوي هؤلاء جميعاً في كونهم لا علاقة لهم بالقضية!!

 

وفضلاً عن ذلك لأوصلوا رسالة أبلغ من التي أوصلها الأستاذ فهمي والتي ملخصها: يا أوباما ليس كل العرب والمسلمين يشرفون بلقائك على أية حال!..  لقد جاء أوباما ليلقي رسالة فأفهمه فهمي رسالة أخرى! فلايسعني –مع اختلافي معه في بعض آرائه- إلاّ أن أسجل له هذا الموقف.

 

وأخيراً أقول قريباً مما قاله الأول: أموت وفي نفسي شيء من تلك الفائدة التي استفادها الجلاد وخاشقجي بلقائهما من لا يشرف كثير من المسلمين بلقائه!