يبدو أن الأزمة التي بدأت بين كل من البحرين وإيران في يناير الماضي وانتهت بإعلان البلدين الاستمرار في الحفاظ على علاقات جوار طيبة، معتبرتين أن الخلاف الدبلوماسي الذي نشب بينهما بسبب التصريحات الإيرانية قد انتهى، قد انتقلت شرارتها إلى العلاقات المغربية الإيرانية التي دخلت حالة من التأزم والتدهور وشد الأعصاب، اتسمت بذات السيناريو من الغموض والتناقض الذي شاب الموقف الإيراني بخصوص أزمة تصريحات مسؤوليه بخصوص البحرين .
فعلى خلفية صدور البيان الإيراني الهجومي في شهر فبراير الذي جاء ردا على رسالة دعم بعثها العاهل المغربي محمد السادس إلى عاهل البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قال فيها إن التصريحات الإيرانية بشأن سيادة البحرين غير حصيفة. وكتب العاهل المغربي في رسالته إن هذه التصريحات تتناقض بشكل صارخ مع مبادئ وقواعد القانون الدولي فضلا عن قيم التعايش السلمي وحسن الجوار التي يحث عليها الدين الإسلامي.
وعلى عادتها، نفت إيران ما نسب إليها وقالت إن التصريحات أسيء فهمها وتفسيرها، وخرج المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي على الملء ليؤكد أنه تصريح سبب سوء فهم، كما كان هناك بعض من سوء التفسير . يعتقد المراقبون أن دعم البحرين كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقات المغربية الإيرانية التي لم تتعافى منذ سقوط الشاه.
جاء الرد المغربي سريعا ، فقد اعتبرت الرباط التصريحات الإيرانية غير مقبولة إثر تضامنها مع البحرين ، لتعلن وزارة الخارجية المغربية أن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران وهو ما اعتبر تحصيل حاصل لما اعترى علاقات البلدين من توتر وتجاذب. وذكرت الوزارة في بيان أن "المغرب استدعى يوم 25 فبراير/شباط الماضي القائم بالأعمال المغربي بالنيابة بسفارتها في طهران للتشاور لمدة أسبوع"، وأنها طلبت توضيحات من السلطات الإيرانية التي "سمحت لنفسها بالتعامل بطريقة متفردة وغير ودية ونشر بيان تضمن تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب إثر تضامنه مع مملكة البحرين، على غرار العديد من الدول، بشأن رفض المساس بسيادة هذا البلد ووحدته الترابية".
وأضاف البيان أنه بعد انقضاء أسبوع لم يستلم المغرب أي تفسير عن هذه التصرفات. وأكد البيان أن "هذا الموقف المرفوض والموجه حصرا ضد المغرب إضافة إلى نشاطات ثابتة للسلطات الإيرانية، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط، تستهدف الإساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي"، وذلك في إشارة إلى اتهامات إعلامية سابقة للبعثة بالتورط في دعم التشيع بالمغرب، وهنا انتقلت حدة الخلاف من الجانب السياسي إلى الجانب العقائدي والأمن الداخلي، ولا ريب أن حالة التشيع في المغرب أمر لا يمكن السكوت عنه، وهو لا يقتصر على المغرب فحسب دون باقي الدول ذات الأقلية الشيعية مثل سوريا .
لم تجد إيران سوى إبداء امتعاضها من قرار الرباط قطع العلاقات الدبلوماسية معها قائلة أن القرار يضر بوحدة العالم الإسلامي "يثير الدهشة، ووصفت اتهامات المغرب لها بالتدخل في شؤونه الداخلية وبنشر المذهب الشيعي على أراضيه بأنها اتهامات كاذبة ولا أساس لها من الصحة. من جانبه قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إن عدم مشاركة المغرب في مؤتمر "دعم فلسطين" بطهران أمر مثير للاستغراب والتساؤل، مضيفا أن "مختلف البرلمانات الإسلامية والعربية أدت دورا فاعلا في هذا المؤتمر الذي تم عقده من أجل دعم غزة، ولهذا فإننا كنا في مثل هذه الظروف نتوقع حضور الوفد البرلماني المغربي".
حملات مراقبة ومصادرة كتب
لم تتأخر الرباط طويلا ، مباشرة بعد قطع علاقاته مع إيران، شرع المغرب في حملة تجفيف لمنابع التشيع بالمملكة، خاصة الكتب التي تتحدث عن الشيعة الموجودة بالمكتبات المغربية. فقد أصدرت وزارة الداخلية المغربية تعليمات بتنظيم حملات مراقبة على مختلف المكتبات العامة ومصادرة الكتب التي لها علاقة بالفكر الشيعي أو بإيران وحزب الله اللبناني، وذلك بعد يوم من اتهام وزير الخارجية المغربي إيران بأنها تختبئ وراء منظمات ثقافية وغير حكومية في محاولتها زرع العقيدة الشيعية في البلاد.
وكشفت الصحف المغربية الصادر في 16 مارس الماضي أنه تم تشكيل لجان على صعيد الولايات والأقاليم لمحاربة جميع مصادر التغلغل الشيعي في المغرب والقيام بحملات مراقبة ومتابعة كل ما هو مرتبط بإيران، على حد قولها. كما أشارت إلى أنه ستتم زيارة كبريات المكتبات في مختلف المدن المغربية بقصد التفتيش والوقوف على حضور الكتاب الشيعي في الساحة الثقافية المغربية.
وانتقد وزير الخارجية المغربي الطيب الفهري ما وصفه بـ"النشاط" الشيعي الإيراني في المغرب، وقال إن هذا النشاط أذكته بشكل ملحوظ البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط. في إشارة إلى اتهامات إعلامية سابقة للبعثة بالتورط في دعم التشيع بالمغرب. وكشف الوزير أن أتباع المذهب الشيعي في المغرب يعدون بالمئات، وأكد أن المغرب لن يسمح بأي أنشطة من هذا القبيل، سواء بأوامر مباشرة أو غير مباشرة، أو من خلال ما يسمى المنظمات غير الحكومية.
الحقيقة أن المغرب ليس الوحيد الذي يشهد نشاطا شيعيا ، فقد اكتشف وجوده أيضا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء وفي بلدان إسلامية أخرى وحتى في أوروبا وأمريكا. وذهب البعض بالقول إن قسما من الجالية المغربية في بلجيكا كان تعرض لممارسات إيرانية من النوع ذاته كما قال خالد الناصري المتحدث باسم الحكومة المغربية .
ويمكن تفسير هذه الإجراءات الظرفية والوقتية التي اتخذت الطابع الأمني على خلفية التوتر الذي تفجرت بين المغرب وإيران وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، وذلك بالرغم من النفي الرسمي لمسألة ربط قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بأنشطة الدعوة الشيعية المنسوبة لإيران، معللين أن الأمور كانت قابلة للتحكم مع الإبقاء على النشاط الدبلوماسي والعلاقات التجارية بين البلدين مع درجة معينة من اليقظة .
وسبق لجهات دينية رسمية في المغرب، وكذا منابر إعلامية أن حذرت مما أسمته الغزو الشيعي للمغرب، لاسيما مع بروز نجم "حزب الله" اللبناني وزعيمه حسن نصر الله. وإذا كان التشيع في المغرب قليل الأهمية من حيث العدد، إذ يتراوح ما بين بضع عشرات و خمسة آلاف كأعلى تقدير، بحسب تقارير غير رسمية، فإن السلطات المغربية ما تزال تعتقل، دون محاكمة، بعض القادة السياسيين من حزب البديل الحضاري، المحظور حاليا، ومراسل قناة المنار على خلفية تفكيك شبكة بليرج في العام الماضي، متهمة إياهم بتأسيس غطاء سياسي للشيعة في المغرب. واصبح المغرب يوليها أهمية كبرى، سيما أن بعض المغاربة لم يخفوا اعتناقهم لمذهب الشيعة "الإثنا عشرية ".
وفي سياق ملف إغلاق المدارس العراقية في المغرب أغلقت وزارة التربية الوطنية بمدينة طنجة مدرسة في ملكية عراقي مقيم بالمغرب، وهي ثاني مدرسة يثم اغلاقها بعد المدرسة العراقية التكميلية بالرباط التي كانت تمارس نشاطها منذ عقود ويتابع بها الدراسة تلاميذ عراقيون ومغاربة. وإغلاق المدرسة العراقية الأولى "التكميلية" على أساس دورها في نشر التشيع وبذريعة أن مناهجها مخالفة لمقتضيات القانون والنظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي بالمملكة المغربية بحسب بيان لوزارة التربية.
تأييد وانتقاد
كان لموقف الحكومة في دفاعها عن الوحدة المذهبية ردود فعل داخلية تراوحت بين مؤيد لموقف وبين منتقد لأسلوبها في ذلك. ومثلا سارعت حركة التوحيد والإصلاح إلى تأييد موقف الحكومة المدافع عن سنية المغرب ووحدته العقدية، وقالت على لسان مولاي عمر بن حماد نائب رئيس الحركة إن الوحدة المذهبية للمغرب شيء ثابت ولا يجوز التفريط فيه. وأضاف أنه من الحزم الدفاع عن الأمن الروحي والسياسي للوطن والمواطنين، لكنه طالب في الوقت نفسه الحكومة بتنوير الناس بحقيقة التشيع وحجمه، مشككا في أرقام متداولة حول عدد المغاربة المتشيعين تذهب إلى أنهم عشرون ألفاً.
أما عمر أحرشان عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان فكان له موقف مغاير، حيث أبدى امتعاضه من تسرع المغرب في قطع العلاقات مع إيران، حيث كان يمكن أن يقتصر على تجميد مؤقت أو ما شابه ذلك دون الوصول إلى قطع العلاقة نهائيا، ويؤكد أنه من الصعب أن يلقى الخطاب الشيعي صداه في المغرب إلا لدى فئات قليلة معدودة على رؤوس الأصابع ولن يكون لها تأثير على تدين المغاربة السني المالكي. وسار في ذات الموقف حزب العدالة والتنمية الذي عبر عنه في بيان له، أعرب فيه عن أسفه للدواعي التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران، داعيا البلدان إلى استئناف العلاقة بينهما في إطار ما يقتضيه ذلك من الأخوة الإسلامية والاحترام المتبادل.
"يعبّر أحمد الريسوني، وهو أحد علماء المغرب البارزين، عن رأي مخالف تماماً، مبدياً عدم استغرابه لظهور التشيع في البلاد، "بعد أن انتشر فيه التنصير والبهائية وحركات الشذوذ الجنسي وكل ما هب ودب من الملل والنحل والعقائد والمفاسد والغرائب والعجائب، وأيضاً بعد علانية الإلحاد والدعوات البواح إلى لادينية الدولة وقوانينها"، على حد قوله.
وتساءل عالم المقاصد المغربي في حديث صحفي كيف يتم السكوت عن كل هذه الموبقات العقدية والسياسية، ثم تقام الضجة حول الشيعة والتشيع، وهو مذهب موجود في العالم الإسلامي منذ قرون عدة؟!.
ويجيب الريسوني عن تساؤله بنفسه بأن هذا ليس له إلا التفسير السياسي والتوظيف السياسي، فإذا كنا نريد تحصين المغرب ووحدته ومقوماتها، فلنفعل ذلك في وجه التشيع وغير التشيع. ولنبدأ بما هو أبعد عن عقيدتنا أي بما هو أسوأ وبما هو أشد انتشاراً وأشد آثاراً. وتساءل الريسوني: ما عدد المتنصرين والملحدين في المغرب؟ وما عدد من لا يصلون ولا يصومون؟ وإذا كان الشيعة يبيحون زواج المتعة، فما عدد الذين يستبيحون الزنا والدعارة والسياحة الجنسية والشذوذ الجنسي؟ وما عدد الذين يستبيحون الخمور ويدافعون عنها؟ وخلص إلى أن حركة التشيع بالمغرب" ليست خطراً في ذاتها، ولا مستقبل لها، ووجودها الآن مرتبط أولاً بهشاشة الحالة الدينية والثقافية والسياسية في المغرب وفي غالبية الدول الإسلامية السنية، كما ترتبط بما تحققه القيادات الشيعية الدينية والسياسية من "انتصارات وإنجازات"، مضيفاً أنه "نوع من الاحتجاج والتمرد ضد فشل القيادات المعتبرة سنية وعجزها على كل الأصعدة الدينية والدنيوية والسياسية الداخلية والخارجية." [حسن الأشرف ـ علماء دين سنّة يقللون من خطر التشيع ـ موقع العربية ـ 18/3/2009]
ما وراء الحملة
غير أن حملة السلطات المغربية لم تستهدف بعض الأفكار الدينية فقط، حيث أكدت وزارة الداخلية تصميمها على مواجهة كل الممارسات والكتابات والكتب التي تهدف إلى المساس بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع المغربي، بقوة وفي إطار القوانين السارية. وبحسب مصدر قريب من الحكومة، فإن بيان الوزارة يستهدف مقالات صحافية متواترة تدعو إلى مزيد من التسامح تجاه المثلية الجنسية التي تعتبرها السلطات متعارضة مع المجتمع المغربي والدين الإسلامي، ودعا الإسلاميون خصوصاً أنصار حزب العدالة والتنمية المعتدل الدولة إلى التحرك بقوة لمواجهة مثل هذه الظواهر. وأشارت صحف إلى توقيف 20 من مثليي الجنس في الآونة الأخيرة في منطقة مكناس . كما رفضت السلطات المغربية منح ترخيص لإنشاء فرع للمنظمة النسوية الفرنسية "لا مومسات ولا خاضعات"، في المغرب . ويأتي كل ذلك في إطار سعي السلطات لإثبات أنها لا تزال الضامن للقيم الدينية والقيم الأخلاقية .
يبدو أن المملكة المغربية لا تريد أن تلغي التشيع ولكنها تريده أن يكون تحت رقابتها وجزء من قواعد لعبتها الأمنية والاستراتيجية، ويمكن فهم ذلك من خلال فلسفة إمارة المؤمنين التي تتبناها المغرب وكما يتم الترويج لها، بحيث إنها إمارة ترعى مختلف أنماط التدين وتقتضي أن تشمل كل المواطنين المغاربة أياً كان دينهم، ثم ثانياً بحكم عدم تنصيص الدستور على مذهبية الدولة في المغرب، وثالثاً بحكم المواثيق الدولية التي تجرم الإكراه الديني.
الدولة تدرك بحكم تجاربها السابقة مع الحركات الدينية والسياسية أن محاولة استئصال تيار ما تنعكس سلباً على موازين القوى، ومن ثَم تحاول الدولة الآن قياس الحجم الحقيقي لا الكمي للتيار الشيعي وتريد منه، من خلال الضغط عليه، ترويضه وتكييف مطالبه مع الحد الأدنى للسقف السياسي مادام لم يقوَ عوده بعد ولم تكبر طموحاته.
تجربة شيعية مغربية
لا يمكن إغفال حقيقة انتشار التشيع في المغرب التي وقودها الأفراد المغاربة في كثير من المدن المغربية، وذلك أمكن اعتبار ذلك أمرا طبيعيا بحكم حركية الأفكار وانتقالها الذي لا يقبل الحصر والتنميط مادمنا نعيش في عالم صغير تتحرك فيه المعلومة بسرعة فائقة عبر وسائط متعددة منفلتة عن قدرة السلطات على تأميمها، غير أن هذه الأفكار لا يمكن وضعها في الرأس جبرا فهي بحاجة إلى جهد تعبوي وبشري وتنظيمي على درجة عالية من الحركة والتجنيد، وقد نجح المد الشيعي في التغلغل في المجتمع السني المالكي نتيجة تفوقه المنقطع النظير في توظيف كامل طاقاته المذهبية وعنفوان الشباب وجسارة الطرح في جذب فئة تعيش ظروفا خاصة جعلها أكثر قابلية من غيرها للتوجه . ويبدو أن البعض تعرف إلى المذهب الشيعي بالمغرب قبل الثورة الإسلامية في إيران بسنوات طويلة، ويصعب تحديد تاريخ موحد لانتقال الأفكار والمذاهب.
لكن يجري التعاطي رسميا مع هذه الحالة باعتبارها حالة سياسية منظمة، وهو ما يخالف الواقع الذي يصفه المراقبون بأنه لا يزال جنينيا سواء في السياق الثقافي والاجتماعي، وهنا لو تركت التشيع دون استيعاب فقد تستثمرها جهات خارجية لحسابات سياسية خاصة.
هذه الدعوى المبطنة بأن يتم حماية التشيع وتقبله رسميا ورعايته جاء على لسان الباحث الشيعي المغربي عصام احميدان الحسني وهو مقرب من العلامة السيد محمد حسين فضل الله، وقد ذكر في الموقع الإلكتروني الخاص به أنه كان مالكي المذهب بالوراثة، كما هو حال معظم الشعب المغربي، ثم انفتح على الحركة الإسلامية في سن مبكرة (14 سنة) وعاش في صفوفها إلى أن تحول إلى المذهب الجعفري. وكان لبعض الكتب الشيعية الدور الأكبر في انتقاله إلى المذهب الجعفري، ويرجع الفضل في ذلك ـ وفق سيرته الذاتية ـ إلى الانفتاح الذي عرفه المغرب على الكتاب الشيعي.
بحسب بعض المراقبين، فقد بدأ انتشار المدّ الشيعي في المغرب قبل قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 ، وقد ساعد نمط التدين في المجتمع المغربي ساعد بشكل غير مباشر في تكييف معطيات التدين الشيعي مع الواقع الاجتماعي للتدين المحلي، خاصة مع انتشار الزوايا والأضرحة والأولياء وثقافة النسب الشريف والانتماء لآل البيت. وهو ما ساعد في استيعاب التشيع من دون حساسية اجتماعية، حتى أن المتشيع في المغرب – بحسب الأخصائي في الحركات الدينية الدكتور محمد الغيلاني - يمكنه أن يعيش وفق طقوسه التعبدية وسط مريدي الزاوية مثلاً، بشكل طبيعي وسلس .
ويتبع المنتمين للمذهب مرجعيات كويتية أو عراقية أو لبنانية أكثر مما يتبعون مراجع إيرانيين، وبهذا فإن التشيع في المغرب ليس واحداً، ولا يتسم بالانسجام والتوافق أو التطابق، لأن مصادر التشيع ليست واحدة وخلفياته متعددة ومتناقضة. بهذا المعنى يعكس تناقضات الساحة الشيعية على المستوى العالمي، وهو مازال رهين تلك التناقضات والتجاذبات.
من أهم نقاط الضعف في الحالة الشيعية بالمغرب هي عدم قدرتها على إنتاج نخبة محلية، وعجزها عن تنظيم نفسها بشكل يجلب لها فوائد استراتيجية في محيط مازال يشكك في خلفياتها ونواياها وهم بذلك لا يساعدون الآخرين على فهمهم. على الرغم من أنهم لا يظهرون ولا يعبرون عن أي طموح سياسي ضمن الشروط الحالية، كما يبدو أنهم لا يتجهون نحو معاداة الاختيارات السياسية لإمارة المؤمنين، فهم يخاطبون الدولة بوصفها كياناً شرعياً له امتداد في التاريخ ومشروعية دينية يتم تكييفهما مع جهة عقدية تنتمي لمشروع الحكم السياسي وفق وجهة نظر شيعية، ولذلك يركزون على التاريخ العلوي وعلى نسبه الشريف وانتمائه لآل البيت
إلا أن التشيع المغربي لازال حالة فردية تلتقي مع ممارسات المغاربة الذين يقدرون آل البيت ويحتفون بالأضرحة، ولكنها لا تحمل حتى الآن مشروعاً مناهضاً للدولة أو للحكم السني في البلاد. رغم انتشار التشيع على امتداد جغرافية المغرب فإن الحديث عن طرق العيش والطقوس مازال أمراً مستبعداً؛ لأنهم لا يعيشون كجماعات ولا يمارسون وجودهم الاجتماعي كطائفة دينية.
علاقات متوتر على الدوام
اتسمت ردود فعل الحكومة المغربية بالانتقائية وذات فعل قصير المدى، وهنا نتساءل هل اتخذت الحكومة ذات الحزم في مواجهة التنصير والشذوذ الجنسي والاجهاض الذي يجد من يدافع عنه ويحميه وإن معالجة هذه الآفات ليست مقتصرة على طرف دون الآخر. وإذا كان الأمر يتعلق بحماية المذهب والعقيدة، فكان الأولى إشراك العلماء في الأمر، فأفضل وسيلة لحماية هذا الجانب هو منح الحرية للعلماء العاملين ذوي المصداقية والذين باستطاعتهم التأثير في الناس، فهؤلاء وحدهم بإمكانهم الوقوف في وجه التكفير والتشيع والتنصير والإلحاد والشذوذ بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن وليس بالإكراه .
أما من الجانب السياسي، نجد أن العلاقات بين المغرب وإيران لم تكن صافية على الدوام في الماضي، فقد قطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما في 1979 اثر الإطاحة بالشاه وتولي آية الله الخميني السلطة. كان نجاح الخميني وفرار الشاه محمد رضا بهلوي إلى المغرب إيذانا بتدهور العلاقات المغربية الإيرانية. ومع أن الحسن الثاني اضطر إلى طرد صديقه الشاه خارج المغرب، إلا أن خشيته من تأثير الثورة الإيرانية على المغاربة ظلت قائمة، خاصة أن قادة إيران الجدد لم يخفوا رغبتهم في تصديرها. وكان الراحل الملك الحسن الثاني اتهم إيران رسميا بوقوفها وراء القلاقل الاجتماعية التي سبقت انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية في المغرب سنة 1984. وألقى الحسن الثاني آنذاك خطابا متلفزة، أشار فيه بأصابع الاتهام إلى إيران. ومما قاله الحسن الثاني حينئذ؛ وهنا تظهر الأموال والأوراق المصقولة والصور الملونة، ويبدأ صاحبنا الخميني يقول: في هذه الأيام المصيرية التي يمر بها العالم الإسلامي حيث يعيش مخاضا صعبا، يجتمع أناس يدعون تمثيل الشعوب الإسلامية ويطلقون على جمعهم هذا مؤتمر القمة الإسلامي والأجدر أن يسمى قمة التآمر الجاهل. وكان الحسن الثاني يقرأ من منشور وزع في بعض المدن المغربية. باعتباره أميرا للمؤمنين، استصدر الحسن الثاني فتوى تكفير الإمام الخميني، ووقف إلى جانب العراق في حربه مع إيران، رغم كره الحسن الثاني للبعثيين وللنظام البعثي؛ وهو ما لم ينسه له الإيرانيون. وتماشى المغرب مع تحولات النظام الدولي جراء حرب الخليج الثانية، فأعاد العلاقات مع إيران في 1991 لكنها لم تتطور إلى درجة العلاقات الطبيعية. وكان الحذر والتوجس هو طابعها. ويرى المراقبون أن إحجام الملك محمد السادس عن استقبال كبار المسئولين الإيرانيين دليلا على العلة التي أصابت جسد العلاقات المغربية الإيرانية في الصميم، ولم تكن الزوبعة البحرينية سوى النقطة التي أفاضت الكأس. وتجاريا نجد أن إيران هي اليوم أفضل الموردين للفوسفات المغربي، وأحد أبرز مزودي المملكة المغربية بالنفط، حيث تبلغ قيمة المبادلات التجارية بين البلدين نحو مليار دولار أمريكي وهذا عامل يكفي ليفكر البلدين مرارا بإعادة العلاقات وتجاوز الخلافات .