هل تجدد صناديق الاقتراع التفويض لحزب العدالة والتنمية
3 ربيع الثاني 1430
عماد خضر

بدأ الناخبون في مختلف أنحاء الجمهورية التركية منذ صبيحة الأحد الموافق 29 مارس 2009 الإفادة إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البلدية، حيث سيدلي ٤۸ مليون و٦ آلاف و٦٥۰ ناخب بأصواتهم، وسيتولى مليون و۲۳۹ ألف شخص مهاما في المراكز الانتخابية، وتتنافس في الانتخابات عشرون حزبا سياسيا.

من الواضح أن الانتخابات البلدية في تركيا ومنذ عقود مضت أخذت تتصف بالأهمية بالموازاة مع الانتخابات النيابية، حيث يجد زعماء الأحزاب أنفسهم مضطرين إلى أن يقوموا بزيارات مكوكية في طول البلاد وعرضها دعماً لمرشحي أحزابهم، وقد ارتفعت الأقلام والتحليلات السياسية في هذه المرحلة وأجمعت على أن ما يضفي أهمية مضاعفة على هذه الانتخابات الحالية أنها تجري في ظل مرحلة  حساسة من تاريخ تركيا الحديث حمل متغيرات غير مسبوقة في الحياة السياسية أبرزها سيطرة حزب إسلامي الجذور، هو حزب العدالة والتنمية على السلطة منذ نهاية العام 2002.
كما أن الانتخابات المحلية عكست أثرا بارزا على الحياة السياسية هذه المرة إذ اتخذت طابع استفتاء على حزب العدالة والتنمية منذ أن نجح في تجنب حظره السنة الماضية بتهمة القيام بأنشطة مناهضة للعلمانية، وأيضا استفتاءً على مشروعه الإصلاحي للتغيير داخل تركيا الذي كان يحمله منذ وصوله إلى الحكم، وهو مشروع يعيد صياغة مكانة تركيا وموقعها في محيطها الإقليمي وفي العالم ، بحيث لا تقتصر علاقات تركيا الجيدة مع بلد من دون آخر ولا مع محور من دون غيره.

ولعل أهم ما استند إليه زعيم الحزب رجب طيب أردوغان ورفاقه لتحقيق تطلعاتهم هو الجماهير الشعبية.  إذ يضع حزب العدالة والتنمية نصب عينيه تجديد التفويض الشعبي ليواصل سياساته الإصلاحية والتنموية من جهة وليحصن نفسه تجاه قوى «الدولة العميقة» المتراجعة، ولا سيما المؤسسة العسكرية وفي لحظة محاكمة غير مسبوقة لجنرالات عسكريين سابقين أمام محاكم مدنية بتهمة التخطيط لانقلابات عسكرية. لذا كانت الانتخابات سواء النيابية منها أو البلدية الملاذ الذي يلجأ إليه الحزب لتحصين موقعه في السلطة من مؤامرات منافسيهم. فهو كحزب في فترته الثانية في الحكم نفذ الكثير من سياساته التي نالت رضا البعض وسخط البعض الآخر، وكما اكتسب أصدقاء اكتسب أعداء.
ويراهن أردوغان شخصيا على هذه الانتخابات في تحسين نتائج الحزب التي سجلها في الانتخابات التشريعية عام 2007 (46,6%). وفي الانتخابات البلدية السابقة عام 2004 نال حزب العدالة والتنمية 41% من الأصوات. فقد تعهد أردوغان بالتنحي عن رئاسة حزبه العدالة والتنمية الحاكم إذا ما حل حزبه في المركز الثاني في انتخابات المجالس البلدية على اعتبار أن الإرادة الشعبية التي ستفرزها صناديق الاقتراع هي مقياس للرضا الشعبي على أداء الحزب في السلطة وذلك في تحد واضح لأحزاب المعارضة حيث طالب أردوغان من باقي زعماء الأحزاب الأخرى زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال والحركة القومية دولت باهشلي أن يقدما على نفس تلك الخطوة إذا كانا على ثقة تامة بالفوز في الانتخابات.
وبالتالي ستكون الانتخابات بمثابة بالونة اختبار للحكم على مزاجية الشارع التركي وتفضيلاته بين العدالة والتنمية وحزب السعادة ذي النزعة الإسلامية، وهل سيلعب الجانب الأيديولوجي دورًا في تحديد قناعات المواطن التركي، أم أن الجانب الخدمي واعتبارات المصلحة ستكون صاحبة الكلمة العليا؟.

تعزيز الحظوظ
لكن الانكماش الاقتصادي الذي وصلت آثاره إلى تركيا يمكن بحسب المراقبين أن يؤثر على أداء الحزب الحكومي. حيث تضرب الأزمة الاقتصادية تركيا فسجل معدل البطالة رقما قياسيا تاريخيا في مارس بلغ 13,6% في صفوف الفئة العاملة من الشعب. ورغم هذه الانعكاسات السلبية للأزمة وغيرها على الوضع الاقتصادي يعول الحزب الحاكم على الخدمات الانتخابية التي أثارت انتقادات معارضيه من أنه يسخّر الدولة وإمكانياتها لخدمة مصالحه الانتخابية.

وبرغم أن الانتخابات البلدية تتحكم في ميول الناخب حيلها الأبعاد الخدمية إلا أن الجوانب السياسية لا يمكن تناسيها، حيث من المتوقع أن تلعب مواقف أردوغان السياسية التي أبداها على الملأ خاصة تلك المتعلقة بمؤازرة القضية الفلسطينية دورا هاما في دعم العدالة والتنمية، وتعزيز حظوظه في المعترك الانتخابي. فقد أشارت استطلاعات إلى أن الحزب استفاد أيضا من مواقف رئيسه رجب طيب أردوغان خلال العدوان على غزة ولا سيما موقفه في منتدى دافوس، ليحصد نقاطا إضافية ويعوّض ما قد يكون خسره من جراء الوضع الاقتصادي. إذ إن الإسلاميين كانوا يكيلون الاتهامات بشكل مستمر لأردوغان فيما يتعلق بمواقفه من قضية الشرق الأوسط على خلفية علاقات تركيا مع "إسرائيل"، ولكن مواقفه الأخيرة زادت من شعبيته سواء بين الإٍسلاميين، أو بين عموم المواطنين.
 واعتبر أردوغان، في مقابلة مع قناة «شو» التركية، إن مستوى العلاقات التركية ـ الأميركية غير مناسب، ودعا إلى تعزيز العلاقات بين البلدين. وأكد استعداد بلاده لاستئناف دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا إذا ما وافقا على إعادة إطلاق مباحثاتهما غير المباشرة. وقال «إننا عازمون على بذل كل ما في وسعنا من اجل السلام في الشرق الأوسط.. جميع المشاكل يجب أن تحل على طاولة المفاوضات».
من جانبه قال الكاتب الصحفي إسماعيل كابان أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يعتبر من دون شك أكثر الأحزاب التركية استعدادا لهذه الانتخابات فقد بدا واضحا من تصريحات المسؤولين في الحزب عدم اهتمامهم باتهامات المعارضة لهم مؤكدا أن حظوظ حزب العدالة والتنمية بالفوز في هذه الانتخابات هي الأوفر. وأضاف انه لا يظهر في الأفق ما يشير إلى أن المعارضة ستكون قادرة على تغيير هذه المعادلة إذ على الرغم من الاتهامات التي وجهتها المعارضة للحزب الحاكم فالنتيجة ستكون لصالح حزب العدالة والتنمية التي تشير كافة استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في تركيا إلى أنه سيتمكن من الفوز في الانتخابات المحلية.

شعبية حزب العدالة: توقعات متفاوتة
غير أنه من الملاحظ أن شعبية حزب العدالة بزعامة أردوغان تزداد ثقلا يوما بعد يوم وذلك من خلال الجولات المكثفة التي أجراها أردوغان في العديد من محافظات تركيا ولقائه مع الجماهير عارضا برنامجه الجديد وصابا جام غضبه على زعماء أحزاب المعارضة وأكاذيبهم خصوصا زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال. وكان حزب العدالة والتنمية اكتسح قبل خمسة أعوام مقاعد بلديات 57 مدينة من أصل 80 بعدما حصل على أكثر من 42 في المائة من الأصوات في نتيجة اعتبرت حينها مصادقة شعبية على سياسة الحزب الحاكم في السلطة.

وفي أنقرة تبدو النتيجة محسومة أيضا لمرشح العدالة والتنمية ورئيس البلدية الحالي الموجود في الرئاسة منذ العام 1994 مليح غوكتشيك الذي تعطيه الاستطلاعات حوالي 50 في المائة يليه مرشح حزب الشعب الجمهوري مراد قرة يالتشين بحوالي العشرين في المائة. وسيحتفظ الحزب الحاكم ببلديات كبرى أخرى مثل قونية وأضنة وغازي عينتاب وبورصة وانتاليا ومرسين. وحتى الآن لا يبدو أن حزب العدالة والتنمية سيكون قادرا على اختراق آخر معاقل العلمانيين في أزمير، حيث تعطي الاستطلاعات حزب الشعب الجمهوري تقدما كبيرا بـ47 % مقابل 34 % لمرشح «العدالة».
ولا شك في أن الأنظار ستكون شاخصة على مدينة ديار بكر التي حقق فيها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية عام 2007 نسبة عالية قاربت الـ41 %. ومع أن الترجيحات تشير إلى فوز مرشح حزب المجتمع الديموقراطي الكردي ورئيس البلدية الحالي عثمان بايديمير بنسبة 47 %  لكنها تعطي أيضا مرشح العدالة والتنمية النائب الحالي عن ديار بكر قطب الدين ارزو، وهو وجه كردي معروف وله نفوذ ونشاط في المدينة، نسبة 44 %. ولا شك أن أردوغان يراهن على كسب المزيد من أصوات الأكراد بسبب خطوات اتخذها على صعيد اللغة الكردية ومنها افتتاح محطة تلفزيونية رسمية باللغة الكردية مطلع العام الحالي ووعده بفتح محطة إذاعية باللغة الكردية في الأسابيع المقبلة.أما على الصعيد العام فقد تفاوتت التوقعات التي أجرتها شركات الاستطلاع. ففي حين تطابقت تقريبا توقعات شركتي «كوندا» و«عادل غير» في الانتخابات النيابية لعام 2007 فقد اختلفت اليوم وبنسبة تصل إلى 10 في المائة بينهما.

"العدالة " والقاعدة الشعبية
ومن المتوقع أن يفوز "العدالة" بالمركز الأول في هذه الانتخابات مع اختلاف في توقع نسبة الفوز، وهناك عوامل عديدة ستساهم في التأثير على النتائج المتوقعة للعدالة، فعلى سبيل المثال يرى محمد قرباش أوغلو، الأستاذ الجامعي، والعضو المؤسس لمبادرة مؤتمر الشرق، أن العديد من الناخبين يفضلون في الانتخابات البلدية اختيار قوائم الحزب الحاكم؛ لأنه لو لم يكن أعضاء المجالس البلدية من نفس الحزب الحاكم لا تلقى بلدياتهم الاهتمام والمخصصات المالية الكافية.
وكذلك تؤيد “العدالة” القاعدة الشعبية التي لا تميل إلى الأفكار الليبرالية، وإنما هي في غالبها محافظة ومتدينة، ولكن لا يمكن وصفها بالقاعدة الإسلامية كما في الدول العربية على سبيل المثال، كما أن الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية تصوت في غالبها للعدالة.
ويرى قرباش أنه من الملفت للنظر في هذا الإطار تأييد جماعة فتح الله جولان الفصيل الأقوى في جماعة النور للعدالة والتنمية ودخولهم لأول مرة حلبة السياسة بشكل كامل؛ إذ إن لهم وزراء داخل حكومة “العدالة”، بينما كانوا يرفضون قبل ذلك التعاون مع أحزاب أربكان الإسلامية. ويفسر أوغلو التحالف بين النوريين و”العدالة” بأنهم ضمن مشروع واحد هو الإسلام المعتدل الذي يمثل “العدالة” جانبه السياسي في حين يمثل النوريون الجانب الاجتماعي.

المحلل السياسي التركي عمر دوران يرى أنه لا توجد معارضة حقيقية للعدالة والتنمية في هذه الانتخابات، لا من اليساريين ولا من الإسلاميين؛ إذ إن الناخب التركي يجد نفسه أمام خيارين، إما أن يصوت للعدالة ويحصل على استقرار نسبي خاصة في مجالي الأمن والاقتصاد، وإما ألا يختار “العدالة”، وبالتالي يتيح الفرصة لحزب الشعب الجمهوري الذي سيكون فوزه خسارة كبيرة للمواطن التركي؛ إذ إن لحزب الشعب تجربة سيئة جدا في البلديات والمجالس المحلية؛ حيث انتشر الفساد بشكل كبير جدا في البلديات التي كان يديرها.

وتأمل الحكومة بعد انتهاء الانتخابات ان تحرز من جديد تقدما على طريق الإصلاحات المطابقة للمعايير الأوروبية ومشروعها "الدستور المدني" ليحل محل الدستور الحالي الذي وضع تحت إشراف العسكريين بعد انقلاب العام 1980. وكان أردوغان أطلق عملية إصلاحه الدستوري خلال حملة الانتخابات التشريعية المبكرة في صيف 2007 التي نظمت بعد معركة حادة مع المعسكر العلماني. وتم التخلي عن المشروع بعد انتقادات شديدة.
وفي العام 2008، أعادت الحكومة إطلاق مشروع مراجعة الدستور لإتاحة رفع الحظر عن الحجاب في الجامعات لكن المحكمة الدستورية أبطلت ذلك باعتباره مخالفا للعلمانية. وهذا النزاع زاد من حدة التوتر بين العلمانيين والحكومة وأدى إلى بدء إجراءات قضائية لحظر حزب العدالة والتنمية لكنها لم تسفر عن نتيجة.