"استعمار دولي" للصومال!
25 ذو الحجه 1429
طلعت رميح

ما نشهده الان فى داخل الصومال وبشانه على المستوى الاقليمى والدولى,هو نمط من التحولات غير التقليدية او غير المسبوقة فى مثل هذا النمط من الصراعات، بفعل اجتماع وتداخل عوامل وقوى متعددة، منها إشكاليات بقاء هذا البلد بلا حكومة مركزية لفنرة طويلة ولظروف الصراع المحتدمة فى الاقليم، ولحالة الضعف العربى والاسلامى مع الانشغال باوضاع متفجرة اخرى تمثل حالة ضغط اكثر حدة من الأوضاع في الصومال، ولظروف الصراع المحتدمة فى الاقليم وجواره بلا قدرة من اى من الاطراف على حسم الوضع لمصلحة سيطرته في الإقليم، وللتبدل والتغير الجاري في العالم حاليا بعد الضعف الحادث فى قوة ونفوذ ودور الولايات المتحدة.

استعمار مختلف
على صعيد الوضع الدولى وعلاقة التغييرات الحادثة فيه بما يجرى بشان الصومال، فنحن امام مسابقة تاريخية , وحالة جديدة ومستحدثة لظواهر الاستعمار. نحن امام " استعمار دولى مشترك " للصومال وفى نمط جديد مختلف عن الشكل الاستعمارى القديم , حين كانت " الدول الاستعمارية " تتصارع على احتلال الدول , مع بعضها البعض , كما هو مختلف عن النمط الاستعمارى الذى اعادت به الولايات المتحدة نمط الاحتلال العسكرى للدول ما بعد عام 2001 , حيث حيث كانت القوة الامريكية هى القوة المهيمنة على قوى الدول الاخرى الى درجة تحول "القوات الاخرى " الى حالة تجميلية و تكميلية مهمتها التغطية على الاحتلال الامريكى لا المشاركة فى عملية الاحتلال.

الان تتكاثر القطع البحرية من مختلف الدول الكبرى -وربما بعضها صغيرا ايضا -داخل حدود المياة البحرية للصومال. حلف الاطلنطى له قوة بحرية عسكرية والاتحاد الاوروبى , اصبحت له قوة بحرية هي الأخرى، وهى الأولى من نوعها فى تاريخ هذا الاتحاد , الذى تتشكل باسمه للمرة الاولى قوة عسكرية بحرية و تتواجد بناء على قرار من دول الاتحاد. وروسيا لها قوة بحرية ارسلت طليعتها الى المنطقة ما بعد استيلاء القراصنة على السفينة الاوكرانية المحملة بالاسلحة , ومن بعدها صارت روسيا تزيد من تواجدها العسكري البحري. والهند ارسلت قوة عسكرية بحرية , لتمد نفوذها البحرى فى المحيط الهندى الى بحر العرب , مطوقة باكستان وواضعة اول قدم لها فى " الشرق الاوسط " –وهى تلك القوة التى اشتبكت عسكريا بالفعل مع بعض القراصنة -وكذا الحال بالنسبة للصين وماليزيا وغيرها.

و الاهم من تواجد وتكاثر تلك السفن , هو ان تقاطرها من دول متعددة من شتى اصقاع الارض , بات دافعا لتفريز صلاحياتها فى السيطرة على المنطقة , و بشكل خاص على الصومال , اذ القرار الذى اصدره مجلس الامن مؤخرا، قد منح تلك القوات صلاحيات القصف داخل حدود الصومال , وهو ما يعنى ان هذا البلد بات واقعا داخل مرمى النيران لكل تلك القوات " الدولية " بعد ان كانت القرارات السابقة من مجلس الامن، قد توقفت بصلاحيات تلك القوة عند حدود التواجد مع اخذ اذن من " الحكومة الحالية " قبل دخول المياة الإقليمية الصومالية.

وهكذا , اصبحت المياة البحرية و الارض الصومالية موزعة بين محتلة بشكل مباشر (اثيوبيا ) و أخرى بشكل غير مباشر، تحت سيطرة القصف النيران من البحر،من قوة مشكلة من عشرات الدول , فى حالة جديدة و فريدة من نوعها , تمثل بداية ظهور نمط جديد من "الاستعمار" الأغلب انه سينتشر فى مناطق اخرى من الدول العربية و الاسلامية فى ظل التطورات الدولية الراهنة , التى ضعفت فيها الولايات المتحدة عن القدرة على الاحتلال.. وحدها.

ووضع داخلي جديد
وعلى الجانب الاخر،او فيما يجرى داخل الصومال، فنحن امام تحولات غير تقليدية أيضا. هناك يشهد الاحتلال الاثيوبى العسكري.. نهايته، كاحتلال تقليدى، لكن دون ان يتحرر الصومال او يستقل بل ودون ان يزول النفوذ الاثيوبى فى داخل الصومال، كما نحن امام تمدد للنفوذ الاريترى فى داخل الصومال، بما يجعل هذا البلد ساحة لممارسة الصراع الاثيوبى الاريترى دمويا بايدى الصوماليين انفسهم، بعدما انشقت الحركة الوطنية الصومالية، وشرعت تدشن اقننالا بينها –فى تكرار مريع لتجارب احتراب المجادين-بعد ان باتت تتقاسم النفوذ والسيطرة العسكرية فى معظم مدن الصومال، وباشرت بالفعل بعضا من الاشتباكات فيما بينها، والقوات الاثيوبية لم تنسحب بعد!.

القوات الاثيوبية التى دخلت تلك البلاد لتحقيق المطامع الاثيوبية "التاريخية"، كدعومة بموقف امريكى امريكى فى مجلس الامن وعلى صعيد القتال من خلال قصف سلاح الطيران بعيد المدى..الخ، انتهت الى الإعلان عن الانسحاب نهاية العام، تحت ضربات المقاومة الصومالية، التى انهكت الجيش الاثيوبى على ارض الصومال الحالية والتاريخية (اقليم الاوجادين المحتل اثيوبيا)، لكن اثيوبيا تخذت فى خطة انسحابها بذات "الخبرة" الامريكية فى الانسحاب من فيتنام مضيفة لها خبرة شارون فى الانسحاب من غزة. استفادت من الخبرة الاولى فى الحصول على فارق ومساحة زمنية بين الاعلان عن الانسحاب ومباشرته فعليا لكى لا تبدو فى وضع المهزوم الذليل، ومن خبرة شارون فى بث الفرقة والانقسام والاقتتال بين فصائل المقاومة، اى بتحويل انسحابها الى نقطة انطلاق لصراع داخلى، وهو ما بات الملمح الراهن لمن يتابع اوضاع الصومال حاليا.

أمريكا.. و القراصنة
هنا يبدو من الضرورى , العودة الى اصل القصة و المشكلة , اى حكاية القرصنة قبل النظر فى تداعياتها وفى ارتباطها بما يجرى على الارض فى الصومال, اذ يبدو لافتا , ان الولايات المتحدة كانت هى البلد الوحيد فى العالم الذى " ضخم " دوما من قدرات القراصنة وشدد دوما على ضرورة مواجهتها من قبل كل دول العالم, وان الاعلام الغربى هو من حول ظاهرة القرصنة الى ظاهرة " لامعة " منذ بدايتها , كما الولايات المتحدة – عبر الاطلسى – هى اول من حضر مبكرا بقوة عسكرية بحرية الى المنطقة , وهو ما ظل لغزا محيرا , خاصة وان القيادة العسكرية الامريكية كانت تعلن ومنذ البداية ضرورة ارسال مختلف الدول لسفن بحرية لمواجهة القرصنة , الذين لم يكن صيتهم قد ذاع و اشتهر، بينما هى وقواتها المحتشدة فى بحر العرب والخليج بل وفى داخل المياه الاقليمية للصومال.

و المتابع لتطورات الموقف الامريكى هذا , ومن بعده الدخول على خط مجلس الامن لاصدار قرارات متعاقبة , متطورة فى نمط صلاحيات القوة العسكرية , يلحظ اننا امام مخطط مرسوم بدقة.

فى البداية , ركزت قرارات مجلس الامن على حق الدول فى ارسال سفنها الى المنطقة لحماية خطوط الملاحة و السفن التجارية , ومن بعد تطور الامر الى حق تلك القوة العسكرية فى دخول المياة الصومالية , بعد الطلب من الحكومة الصومالية , لمواجهة القراصنة داخل المياة الاقليمكية للصومال , وهكذا تواصل الحال , مع مسافة زمنية سمحت بوصول الكثير من السفن البحرية حتى وصلنا الى الطلب من مجلس الامن , السماح للقوة البحرية لاستخدام اسلحتها فى مطاردة القراصنة على الارض الصومالية.

هنا تتضح الصورة اكثر فى ارتباط مع ما يجرى فى تطورات الموقف على الارض الصومالية , اذ التطور والتغيرات التى جرت وحددو صلاحيات القوة العسكرية البحرية، جاءت متواكبة مع ما يجرى على الارض الصومالية.

من يراجع تطور صلاحيات تلك القوة العسكرية , سيجدها مرتبطة بتطورات المعركة الجارية على ارض الصومال , بين المقاومة و القوات الاثيوبية وبحالة مختلف الاطراف المشتبكة على الارض الصومالية.

فمن ناحية , كان ربط دخول القوة العسكرية بالحصول على اذن من الحكومة الصومالية , راجع الى دعم وتقوية دور الحكم العميل فى الصومال , او لنقل كان تاكيدا لاعتبار ذلك الحكم فى صيغته الدولية.

ومن ناحية ثانية , جاء قرار مجلس الامن بالسماح باستخدام القوة العسكرية على الارض , دون اذن الحكومة الصومالية , مرتبطا بانهيار الحكم العميل بعد الخلاف و الصراع بين رئيس الحكم و رئيس الحكومة من جهة و بانهيار قدرة الاحتلال الاثيوبية على الاستمرار فى الوجود الفاعل على الارض الصومالية , واعلان انها ستنسحب من الصومال , دون انتظار تشكيل حكومة جديدة وفق اتفاق جيبوتى , كما هو جاء مرتبطا من ناحية ثالثة , متواكبا مع التقدم الذى تحرزه المقاومة فى مختلف ارجاء الصومال (شباب المجاهدين) التى باتت تسيطر على معظم الاراضى الصومالية , بما فى ذلك اجزاء من العاصمة مقديشو.

الاستدراج.. و النتيجة
هنا يمكن القول بان الولايات المتحدة , قد استدرجت قوات بحرية من مختلف دول العالم او من الدول الكبرى ( حلف الاطلنطى – الاتحاد الاوروبى – روسيا – الهند – الصين.. الخ ) , وهيات لها الصلاحيات للتدخل على الارض الصومالية، من خلال قرارات مجلس الامن. كما يمكن القول ايضا , انه قد لا يكون من الصعب استدراجها للتدخل وممارسة الصراع ضد المقاومة على الارض الصومالية , ذلك ان من دبر وساند وسلح او طور اوضاع القراصنة , قادر – وفق الاعيب المخابرات – دفع الامور للصدام.

لكن اللافت هو ان الولايات المتحدة لم تكتف بذلك , او هى لم تضمن بعد حدوث تلك النتيجة التى تتوخاها , او لنقل ان تطور الاحداث على الارض الصومال من انهيار القوات الاثيوبية و تصاعد قوة المقاومة بات يتطلب تدخلا عاجلا على الارض, هى غير قادرة عليه , ولذلك تحدثت وزيرة الخارجية الامريكية عن ضرورة ارسال قوات حفظ سلام دولية الى الصومال , فيما فهم انه " جس نبض " للاطراف الدولية المختلفة , قبل الشروع فى صياغة مسودة قرار وتقديمه الى مجلس الامن.

و البادى حتى الان ان معظم الدول لا ترحب بالخطوة الامريكية الجديدة وهو فى الاغلب ما سيجعل الولايات المتحدة تتحرك اكثر بشان الصدام بين القوى البحرية والمقاومة. لقد اعلن الامين العام للامم المتحدة عن تحفظه على اقتراح الوزيرة رايس , مشيرا الى ان مثل تلك القوات الدولية تذهب لخفظ السلام , لكن السلام ليس موجودا بعد فى الصومال , كما اعلن المندوب الفرنسى لدى الامم المتحدة عن عدم ارتياحة للاقتراح الامريكى ووصفه بغير المناسب.. وهو ما يطرح تساؤلات حول , ما اذا كانت تلك التخوفات من هذا الاقتراح " المباشر " ستمتد الى اللعبة الامريكية غير المباشرة التى استدرجت فيها القوات الدولية لقصف الاراضى الصومالية , ام لا.وكيف ستواصل الولايات المتحدة لعبتها فى جر القوى البحرية للتدخل على الارض.

خريطة الصراع.. الجديدة
وعلى اى الاحوال , فسواء تمكنت الولايات المتحدة من جذب الموقف الدولى الى تايد اقتراحها بارسال قوات للعمل على ارض الصومال , ام ان الدول اكتفت بمجرد القصف من المياة الاقليمية دون التواجد على الارض , فان مثل تلك الحالة تمثل احتلالا دوليا ظاهرا للسواحل الصومالية او المياة الاقليمية للصومال , كما هى فى وضع " المطرقة " للوضع الداخلى فى هذا البلد , خاصة قوة حلف الاطلنطى و الاتحاد الاوروبى , التى لم تات لمجرد مطاردة القراصنة , وانما جاءت لتحقيق اهداف امريكية و اوروبية فى داخل هذا البلد وعلى حساب مصالح شعبة , وكذا باعتبارها قوة عسكرية باتت تسيطر على مدخل البحر الاحمر وبحر العرب.
واذا كان ذلك ما هو يتحقق حتى الان , فان دور هذه القوة سيتركز بالدرجة الاولى فى متابعة الاحداث الجارية على ارض الصومال ما بعد انهيار القدرة الاثيوبية على الستمرار فى احتلال الصومال , و التحول الى مطرقة خارجية لتغير اتجاهات الاحداث , او عوامل قوة الاطراف الصومالية الداخلية , لتغليب الطرف المرتبط بانفاذ الاستراتيجية الامريكية التى فشلت فى تحقيقها عبر القوات الاثيوبية ومن قبل عبر القوات الامريكية التى سبق ان احتلت الصومال واندحرت.
وهنا يبدو الوضع الجدير بالدراسة، هو نمط الصراع الداخلى الصومالى وخريطة قواه الجديدة، التى هى العامل الحاسم فى تطور الاوضاع الكلية للصومال، سواء لان استقرار الصومال سينهى حالة القرصنة ومعها حجة الوجود الاجنبى فى المياه الاقليمية، او لان تلك الخريطة الراهنة هى التى ستحدد مسارات الاحداث الداخلية، وحالة التدخل الدولى التى تسعى اليها الولايات المتحدة عبر ما يسمى قوات حفظ السلام.

وفى تحديد طبيعة الخريطة الجديدة، يبدو اننا أمام قوتين رئيسيتين اضافة الى قوى اخرى اقل تأثيرا فى اتجاهات الأحداث ونتائجها.

والقوة الاولى :هى قوة شباب المجاهدين، التى يبدو انها تتطور على نفس النمط الذى شهدناه مع بداية الظهور الجماهيرى والسياسى والعسكرى، وهى وفق ما هو بادى حتى الان تمثل الجناح الاشد راديكالية فى المحاكم الإسلامية "السابقة".وهى ايضا –وفق ما هو بادى-تلقى دعما من قبل اريتريا التى تعتبرها صمام امن استراتيجى لها وقوة انهاك فى مواجهة القوات الإثيوبية على ارض الصومال، وعلى اعتبار ان عدم انفاذ المشروع الاثيوبى لجعل الصومال ممرا للصادرات والواردات الإثيوبية عبر البحر، يحقق تعزيزا لقدرات اريتريا ولمكانتها فى الإقليم.

والقوة الثانية فى الصراع الجارى (والجارى التحضير لشقه العسكرى كحرب اهلية شاملة) هى قوة تتكون من تحالف بين طرفين اولهما الشيخ شريف قائد المحاكم الإسلامية السابق، ومعه قدر لا باس به من قيادات المحاكم، وثانيهما، رئيس الوزراء الصومالي الذى اصدر الرئيس الصومالى –الحالى-قرارا باعفاءه من منصبة.وهو تحالف ناتج عن اتفاق جيبوتى واقرب الى اثيوبيا والولايات المتحدة والاغلب انه سيحظى بدعم اوروبى.

اما القوى الهامشية فهى كثيرة ومتعددة، والبارز من بينها هو الرئيس الصومالى الحالى والقوة القبلية التى تدعمه.

ووفقا لخريطة قوى الصراع تلك، وبالنظر الى ما شهدته مدينة بلدوين فى وسط الصومال من اشتباكات عسكرية بين الطرفين الرئيسيين (مجموعة اتفاق جيبوتى-وحركة شباب المجاهدين التى يدعوها الإعلام بجناح اسمره)، فان المؤشرا تدلل على ان الصومال مقبل على مواجهة عسكرية بين الطرفين ستكون هى ما يحدد مصير الصومال ومصير التدخل من البحر او على البر من القوى الأجنبية.

فهل هناك من "عقل" يتدبر فى النتائج المحتملة لتلك المواجهة المحتملة التى لن تخدم الا القوى الخارجية اقليمية كانت او دولية؟وهل من عقل يتدبر فى كل نتائج تجارب الاحتراب التى جرت بين المجاهدين والمقاومين فى مختلف بلاد الامة والعالم؟ وهل تظهر حركة تؤسس للتخلص من تاثيرات القوى الاقليمية داخل الحركة الوطنية الصومالية؟