اللغة والمصطلحات
23 شوال 1429
د. محمد العبدة

 

 

عندما يكون هناك غموض في المصطلحات ، فلا بد أن يؤدي ذلك إلى غموض في الفكر ، فالألفاظ المبهمة التي ينقصها الوضوح تربك الذهن وتشوش الفكر ، ومن البلاغة أن تبين عن قصدك بالصيغة التي تجعل القارئ أو السامع يفهم على قدر ما تريد .

 

لو سألت عن بعض المصطلحات التي تتردد كثيرا في وسائل الإعلام مثل : الوطنية ، الحرية ، حقوق الإنسان ، فسوف تكون الإجابات مختلفة ، بل يتقلص معنى المصطلح أحيانا أو يتمطط بحسب مواقف صاحبه السياسية أو الفكرية ، ولذلك فإن الخطوة الأولى في مسيرة الفكر الإسلامي والنهضة الثقافية هي العناية باللغة وتحديد معنى الألفاظ وتحريرها ، حتى يقوم الحوار أو البحث على أسس علمية .

 

إن مفهوم (الدين) مثلا عند الغرب مغاير كليا لمفهومه عند المسلمين ، فهو في الغرب منحصر في التوجه الروحي للفرد بينه وبين الكنيسة ، وهناك مصطلحات تأسست في الفكر الغربي غير موجودة في الفكر الإسلامي ، مثل ( الثيوقراطية ) أو ( الأصولية ) أو (العالمانية)..

 

يكثر في هذه الأيام الحديث عن الموضوعية أي أن على المرء أن يتحلى بالحياد والتجرد من انتمائه العقدي أو الفكري حين يقوم بدراسة ظاهرة ما ، ولا شك أن الحياد في دراسة الظواهر مطلوب ولكن الموضوعية أصبحت كما يقول الدكتور المسيري : (تعني تلقي المعلومات بشكل سلبي، وكأن المعرفة هي حشد المعلومات دون رؤية العلاقة فيما بينها، فالموضوعية في تصور هؤلاء هي التجرد من الذاكرة والهوية والقيم والعواطف، وهذا مستحيل، فهل يمكن للإنسان أن يرصد سقوط حجر من علٍ مثلما يرصد سقوط طفل؟! وهل يمكن أن ندرس سلوك أسرة لبعض أنواع الحيوانات مثل سلوك أسرة من البشر، وهل مذبحة في فلسطين مثل زلزال وقع في جزيرة غير مأهولة بالسكان؟ "(1) .

 

أخشى أن يكون مصطلح (الوسطية) من هذا القبيل حين يتحول من صفته الايجابية وهي الاعتدال والوسط بين التشدد والتساهل إلى التلفيقية التي ترضي جميع الأهواء والأذواق أو تكون شعارا للتمويه عن الضعف أو لتعزية النفس. " و إن ظلم الكلمات بتغيير دلالتها كظلم الأحياء بتشويه خلقتهم ، كلاهما منكر."(2)

 

----------

 

( 1 ) هل الصهيونية حركة رومانسية، مقال في مجلة الكتب وجهات نظر عدد 67 ص/16

( 2 ) البشير الابراهيمي : الاثار الكاملة 3/18