دأب كثير من فراخ التغريب العرب، على اتهام "الدين" بالمسؤولية عن طوفان العنف وممارسة الدموية الخشنة، زاعمين أن العلمانية تأتي بالسلام لبني آدم لأنها تحصر مسألة الانتماءات الدينية في الدائرة الفردية المغلقة.
وللعلماني الغربي درجة أقل منهم في التجني، فذاك يعني كل المِلَل؛ أما زنادقة العرب فلا يطعنون إلا في الإسلام وحده!
فما نصيب هذا القول من الصحة؟
الملايين.. "احتكار مادي" محض
ليس في التاريخ الحديث –بحسب تحديد الغرب لبدئه في سنة 1492م!!- ضحايا من البشر يبلغ تعدادها الملايين، إلا جرى إزهاق أرواحها على أيدي الماديين – من ملاحدة وعلمانيين-!
وأشد الأمثلة القريبة سطوعًا: الحربان العالميتان الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945).
تقول موسوعة ويكبيديا: كانت الحرب العالمية الثانية أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ،فقد قُدّر إجمالي عدد ضحاياها بأكثر من 60 مليون قتيل مثلوا في ذلك الوقت أكثر من 2.5% من إجمالي تعداد السكان العالمي كما توضح الجداول أدناه الخسائر البشرية التي عانتها لكل دولة من دول العالم على حدة...
وتقول عن سابقتها: كان العدد الكلي للإصابات والقتلى في صفوف العسكريين والمدنيين في الحرب العالمية الأولى أكثر من 37 مليون نسمة. مقسمة إلى 16 مليون حالة وفاة و20 مليون اصابة مما يجعله من أكثر الصراعات دموية بعد الحرب العالمية الثانية في تاريخ البشرية.يتضمن العدد الإجمالي للوفيات حوالي 10 مليون عسكري وحوالي 7 مليون مدني، فقدت قوى الحلفاء حوالي 6 مليون جندي بينما خسرت قوى المحور 4 ملايين جندي. وهلك مليونان على الأقل بسبب الأمراض وهناك 6ملايين في عداد المفقودين.
وهاتان الحربان الفظيعتان فرضهما التناحر بين الدول الغربية القوية على نهب الدول الضعيفة خارج العالم الغربي!
ونختار بعض الشواهد الفاقعة.. بدءًا بالجزائر التي اشتُهرت بأنها بلد المليون شهيد، رغم أن الإحصاءات الرسمية الجزائرية وثَّقت استشهاد مليون ونصف مليون جزائري في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، التي امتدت بين 1954- 1962، وطالما اعتبر هذا الرقم دليلاً على تعامل الاحتلال الفرنسي بمنتهى الوحشية مع الجزائريين، لكن الرقم الحقيقي لعدد الشهداء الجزائيين أكبر من ذلك بكثير استناداً للأرشيف الفرنسي الخاص بفترة الاحتلال، واعترافات مسؤولين وقادة عسكريين فرنسيين سابقين وحصيلة أعمال خبراء بالتاريخ،من جزائريين وفرنسيين.
"الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، وهي رابطة مستقلة، أصدرت في 2016م،تقريراً بمناسبة الذكرى 54 لاستقلال الجزائر أكدت فيه أن العدد الإجمالي لشهداء الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي فاق 9 ملايين مواطن جزائري، ما بين 1830- 1962، سقطوا في الانتفاضات والثورات ضد الاحتلال، لاسيما في المناطق الريفية، على غرار مقاومة المقراني والشيخ الحداد وفاطمة نسومر وغيرها من المقاومات الشعبية، وفي الحملات الدموية التي قام بها الجيش الفرنسي في محاولة لإخضاع الشعب الجزائري وشطب هويته الإسلامية.
وبين 1964 و1975 شنَّت الولايات المتحدة حربًا شاملة ضد فيتنام الشمالية؛ وقد أسفرت الحرب عن مقتل 3 مليون فيتنامي معظمهم من المدنيين، وخلّفت أكثر من 30.000 معوق، و40.000 لاجئ، فضلًا عن المدن العديدة التي دُمِّرت تدميرًا كاملًا (ذاكرة القرن العشرين ص: [100]).
طغاة خمسة أهلكوا 200 مليون
وننتقل في تتبع إبادة الملايين على يد النظم المادية – غير الدينية- من الجرائم العامة، إلى سجل طغاة محددين " حفروا" أسماءهم في أسوأ صفحات التاريخ، بأشلاء ضحاياهم.. والمفارقة أن هؤلاء الطغاة خمسة وقد " نجحوا" في إبادة 200 مليون إنسان!!
نبدأ بأربعة منهم عرضت مجلة لوبوان الفرنسية جانبًا من سجلهم الأسود المريع، بعنوان: الأربعة الدمويون/ كبار الطغاة في العالم.
استهلت المجلة ملفها بسيرة طاغية الصين الشيوعي الهالك ماو تسي تونغ(1893- 1976) الذي قتل 70 مليون منهم 35 مليوناً زمن المجاعة الكبرى (1958 1961) و25 مليوناً في مخيمات العمل وأيام الحرب والقحط والأجور البائسة والزهيدة. أكثر من هذا وفي إحدى خطبه الثورية مخاطباً الجماهير المغلوبة على أمرها:«أحرقوا الكتب وحاصروا الكُتّاب«، حيث أبدى استعداده للتضحية بـ300 مليون صيني من أجل انتصار "الثورة العالمية"!!
وتقول المجلة عن طاغية الاتحاد السوفياتي البائد جوزيف ستالين: أكبر طاغية في التاريخ ليس هتلر ولا هولاكو ولا بول بوت ولا جنكيزخان ولا حتى ماو، كل هؤلاء هواة ازاء جنون ستالين ويوتوبيته القاتلة، فقد تسبب بوفاة أكثر من 50 مليون انسان بين عامي 1927 و1953 فيما يزيد بخمس عشرة مرة على ضحايا هتلر في أوروبا و4 مرات على خسائر روسيا في الحرب العالمية الثانية و40 مرة على خسائرها في الحرب العالمية الأولى.
مجازر ارتكبها ستالين بعد الحرب العالمية الثانية لفترة طويلة وبقيت سرية حتى فضحها خلفه نيكيتا خروتوشوف عام 1956.
تفوق ستالين على أستاذه لينين في البطش والتصفية وترحيل الأعراق، وتطهير روسيا من بعض المثقفين والمعترضين بنفيهم إلى سيبيريا. وارتكب فظاعات إلى حد حدوث نقص حاد في عدد الذكور في روسيا وارتفاع نسبة الأيتام في الشوارع.
عاش ستالين حالة نفسية مرضية، مليئة بالشك والارتياب إلى درجة لم يثق بأي شخص مهجوساً بنظرية المؤامرة. وهذا يعود إلى نرجسية في استفراد السلطة واتخاذ قرارات فردية بإعدام الملايين لمجرد الشك والتخمين. كان شخصية قاسية/ عنيفة وقع في ليلة واحدة في 8 كانون الأول 1938 على قائمة بإعدام ثلاثين ألف رجل. ثم قام بمشاهدة فيلم «الرجال السعداء».
ويقدِّر المؤرخ البريطاني نورمان ديفيدز عدد ضحايا ستالين بـ54 مليوناً وهو ما يؤهله للقب أكبر جزار في التاريخ من دون منازع، ويذكر أن الغرب غض الطرف عن مجازره لكونه أحد الأعمدة الأساسية في التحالف ضد هتلر. وجبروت هذا الرجل معروف في مقولته التي كان يرددها دائماً «موت رجل حادث مأسوي.. موت الملايين مسألة إحصائية»!!
هتلر وبول بوت
لم يكن طاغية ألمانيا أدولف هتلر رجلاً عادياً واحداً من الذين كادوا يغيرون سير التاريخ ويبدلون اتجاهاته ويغيّرون شكل العالم. ولكن هتلر الجندي لم يخلف وراءه سوى أسطورة مأساة دولة انهارت أحلامها التي استلمها على عقيدة في السياسة والاجتماع والعلم والفن والحرب خلّفت وراءها 25 مليوناً: 15 مليون سوفياتي و6 ملايين يهودي في محرقة «الهولوكست»! – ولسنا في معرض مناقشة هذا الرقم الجدلي هنا-.
وأما بول بوت فهو معتوه كمبودي استولى على الحكم في مطلع السبعينيات من القرن الميلادي العشرين، قائد الشيوعيين الماويين الذين أطلق عليهم اسم «الخمير الحمر» انقلب إلى ديكتاتور، بل إلى مجرم على امتداد حكمه فاقتيد الملايين من أبناء الشعب الكمبودي إلى معسكرات الاعتقال حيث تمت إبادتهم. واكتشفت جبال من جماجم الكمبوديين، الذين قتلهم بول بوت ما فاق الأربعة ملايين إنسان خلال الفترة الواقعة بين عام 1975وعام 1978، فجعّل من كمبوديا سجناً كبيراً ومجموعة معسكرات اعتقال، لا بل معسكر اعتقال واسعاً. ولم تكن معسكرات ستالين سوى نموذج بسيط لما عرفته من رعب. بلاد صغيرة لا يتعدى عدد سكانها 8 ملايين نسمة، عرفت طيلة الحرب الباردة حال اضطراب سياسياً من تنازع الروس والأمريكان إلى جانب الصين التي كانت تعتبر كمبوديا ضمن مجالها الاستراتيجي، إلى آثار الحرب الفيتنامية المجاورة.
لوبوان تتجاهل خامسهم؟!
وهو المجرم ليوبولد الثاني ملك بلجيكا المعروف بلقب ب:”السَّفاح” لأنه قتل 15 مليون إفريقي، وقد اشترى الكونغو بطريقةٍ خبيثة بعد أن استغل جهل زعماء القبائل، وأقنعهم بتوقيع عقود بيع أراضي شعوبهم للأبد، في مقابل قطعة واحدة من الملابس في الشهر، على أن يتكفل زعماء القبائل بتوفير العمالة التي يريدها الطاغية في مشاريعه.