اليقظة من "الحلم الأمريكي" بناقوس عجوز أمريكية!
24 ذو الحجه 1439
أمير سعيد

أطلت في مقطع مرئي متداول بكثافة، تعبر عن استيائها من مقال كتبه "واهم" يرفض بقاء رئيس أمريكي في السلطة مجافٍ للمبادئ العليا الأمريكية.

 

وجه استنكارها لم يكن أنها تؤيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل جل رفضها كان لأن ثمة من لم يزل يصدق حتى الآن أن ثمة "مبادئ أمريكية عليا"؛ فتساءلت باستغراب شديد: "ما هي المبادئ الأمريكية؟! سأقول لكم ما هي تلك المبادئ. أقول لأولئك المغفلين الذين يؤمنون بالحلم الأمريكي أنصحكم بتناول أقراص الهلوسة أو تدخين الماريجوانا يومياً من أجل أحلامكم! بدأنا مبادئنا بإبادة 100 مليون أمريكي أصلي من أجل الاستحواذ على الأرض. تلك هي مبادئ أمريكا. نحن الآن نعلم أن حادثة بيرل هاربور كانت مفبركة حتى نتمكن من ولوج الحرب. ونعلم كذلك أن حادث الحادي العشر من سبتمبر كان مؤامرة داخلية من أجل مقاومة لا نهاية لها للإرهاب المزعوم. ندعم الكيان الإسرائيلي الإرهابي الذي يرتكب عياناً مجازر بغزة (...) إننا لسنا أولئك الذين يلوحون براية كبيرة ويقولون أن الكل محبوب وأن الكل سينعم برغد العيش (...) الذين يعيشون برغد هم أصحاب دخل يجاوره 6-7 أصفار، لا أظن أنك واحد منهم ولست واحدة منهم.. عن أي مبادئ تتحدث؟ لقد كنا مستعدين للتضحية بثلاثة آلاف منا من أجل الولوج في الحرب (...) لقد حان الوقت للاستيقاظ".

 

 

صدقاً قالت تلك العجوز، ولعل ما باحت به لا يخرج عن أي قراءة منصفة يمكن أن يفسر بها الوضع الداخلي والخارجي للولايات المتحدة، لكن ما يزيد عما قالته الأمريكية تلك، وما يتعين أن يقتنع به ملايين بل ربما مليارات من البشر أن هكذا دولة لا تستأهل أن تكون قائدة للعالم، وأن عوارها إذ يزداد بياناً وظهوراً يستدعي إفاقة دولية من هذا الوهم الذي عاش فيه العالم لعقود ولم يزل. لا يعني ذلك وهم التفوق وحده، وإنما بالأصل وهم استحقاق الريادة وفرضيتها.

 

 

لقد آن للعالم كله أن يتحرر من الحلم الأمريكي، ليس في صعيد ضيق يمس تطلعات مراهقين وشباب حول العالم يريد أن يشق طريقه إلى "بلاد الحرية"، وإنما أوسع من ذلك بكثير، فالدولة العظمى تلك لا تقف حقيقة على أرض صلبة لا اقتصاداً ولا ثقافة ولا سياسة ولا حتى عسكرية، وهي تعجز شيئاً فشيئاً عن تصدر دول العالم، فقد دب المرض في أوصالها، ولم تعد لديها صحة كافية لتقود وتحكم وتتحكم في مصائر دول وشعوب. بدت بوادر الانتفاض ضد الغطرسة الأمريكية على أكثر من وجه، وسينجح العالم قريباً في التحرر من ربقة هذا التسيد الطاغي والتحكم الإجرامي في العالم دولاً وشعوب، فمرض هذه الدولة لم يعد خافياً إلا على أولئك العبيد الذين لن يدركوا حجم التراجع الأمريكي إلا بعد أن تأكل الأرضة منسأة أمريكا (مع الفارق في التشبيه). وأول مظاهر هذا التراجع هو ما دللت به العجوز الأمريكية، إنه تراجع وانكشاف ما يُسمى بالمبادئ الأمريكية. إنه انهيار قيم زائفة أوهمت العالم أنها تحمل خيراً للبشرية فلم تحصد منها إلا القتاد الجارح، فلم تعد أمريكا مؤهلة أن تقدم حضارة فشأنها لن يختلف كثيراً عن حال المغول الذين ما إن اجتاحوا العالم حتى انهارت أسسهم، لأنها لم تكن لتبني بل لتخرب، وليس لأهل الخراب مصيراً سوى البوار.