مسلمو كوسوفا وتحدي الاعتراف بدولتهم
30 ذو القعدة 1439
د. زياد الشامي

رغم مرور عقد كامل على إعلان كوسوفا استقلالها واعتراف أكثر من 100 دولة في العالم بهذا الاعتراف ما تزال هناك الكثير من التحديات التي تواجه مسلمي كوسوفو ودولتهم الوليدة وفي مقدمة تلك التحديات التعنت الصربي المدعوم من روسيا على وجه الخصوص والصين والهند عموما ورفض الاعتراف باستقللال كوسوفو  .

 

 

لم يكن إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا قبل أكثر من عشر سنوات دون ثمن أو تضحيات جسام فقد قتل الآلاف من الألبان المسلمين على يد القوات الصربية والجبل الأسود في تسعينيات القرن الماضي ناهيك عن عمليات السلب والنهب والتهجير والاغتصاب التي رافقت الحملة العسكرية ضد مسلمي كوسوفو آنذاك .

 

 

كان لا بد من بعض التنازلات على ما يبدو فيما يخص صياغة الدستور و شكل الدولة الجديدة وهويتها التي لن يقبل الغرب وحلف الناتو أن تكون إسلامية بأي حال من الأحوال , فكان مصطلح ما يسمى "العلمانية" هو الخيار الوحيد الذي يمكن أن يجنب البلاد حرب إبادة جماعية وتهجير قسري للأغلبية المسلمة في كوسوفو .

 

 

رغم اعتراف 115 دولة باستقلال كوسوفو ومرور أكثر من عشر سنوات على إعلان نواب البرلمان الكوسوفي استقلال البلاد في الـــ 17 من فبراير/شباط 2008 إلا أن بلغراد مدعومة من موسكو وبعض الدول الأخرى ما زالت تعارض هذا الاعتراف وترفضه وتقف في مواجهته ليصبح التحدي الأبرز أمام مسلمي كوسوفو .

 

 

وزارة الخارجية الروسية أعلنت أمس الجمعة أن موسكو مصرة على موقفها بعدم الاعتراف بدولة كوسوفا , وقالت المتحدثة باسم الوزراة "ماريا زاخاروفا" في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الصربي إيفيتسا داتشيتش بعد لقاء جمعهما في العاصمة بلغراد : "روسيا لديها سياسة خارجية "ثابتة" وهي مصرة على عدم الاعتراف باستقلال كوسوفا".

 

 

المتحدثة باسم الخارجية الروسية زعمت أن الاتفاقات الدولية "لم تعد لها قيمة وأصبحت بمثابة قطعة ورق". معتبرةً أن موضوع كوسوفا مسألة دولية أكثر منه مسألة تتعلق بصربيا .

 

 

وزير الخارجية الصربي إيفيتسا داتشيتش أعرب بدوره عن شكر بلغراد لروسيا لدعمها الشعب الصربي حسب وصفه كما عبر عن رغبة بلاده في زيادة تدعيم العلاقات مع روسيا شريكها الاستراتيجي.

 

وقال داتشيتش بشكل واضح وصريح : إن صربيا ستستمر في العمل من أجل عدم الاعتراف باستقلال كوسوفا .

 

 

ليست هذه هي المرة الأولى التي تقف فيها روسيا  في مواجهة استقلال إقليم أو دولة ذو غالبية من المسلمين , فقد فعلتها من قبل في شبه جزيرة القرم التي احتلتها بالقوة وفرضت عليها شكل الوصاية والهيمنة بالسلاح دون أن يتحرك المجتمع الدولي لتخليص مسلمي القرم من الاحتلال الروسي .

 

 

لا يبدو أن صربيا وروسيا في وارد الاعتراف باستقلال كوسوفو رغم أن حوالي 95% من سكانها من المسلمين , بل الغالب أن تستمر بلغراد في محاولة زعزعة أمن واستقرار كوسوفو وإثارة المشكلات والأزمات فيها والاستمرار بشن الحملات السياسية والاقتصادية ضد الدولة الوليدة ومحاولة إعادتها بالقوة إلى الهيمنة والاحتلال الصربي .

 

 

لم تتخلى الدول الغربية عن ممارسة نفاقها المعهود فيما يخص قضية كوسوفو , فعواصم دول الاتحاد الأوروبي التي اعترفت باستقلال كوسوفو لم تنس التأكيد على ضرورة إقامة  بريشتينا علاقات مع بلغراد بل وتطبيعها رغم ما تكنه الأخيرة لكوسوفو من عداء .

 

 

أمر آخر ظهر فيه جليا نفاق الغرب وازدواجيته المعهودة ففي الوقت الذي حذرت فيه الدول الغربية "بريشتينا" من عزم نواب كوسوفو إلغاء محكمة للقضاة الدوليين المكلفين بمحاكمة جرائم الحرب التي ارتكبها من تطلق عليهم : "قادة سابقون "للتمرد" في كوسوفو"  لم تتبنى تلك الدول نفس الموقف فيما يخص مجرمي الحرب في صربيا المجاورة .

 

 

العداء الصربي المدعوم من روسيا وبعض دول العالم مع النفاق الغربي الأمريكي المعهود في كل قضية يكون المسلمون فيها طرفا في المعادلة....سيكون في مقدمة التحديات التي لا بد لمسلمي كوسوفو والمسؤولين هناك من مواجهتها بروية وحكمة واتزان إن أرادوا لدولتهم الوليدة الاستقرار والازدهار .