حين يستخف ترامب وبوتين بالكرة السورية!
10 ذو القعدة 1439
أمير سعيد

كان مشهداً مغرقاً في التدني والإذلال، حيث يجعل بوتين وترامب من القضية السورية مادة للتندر والفكاهة، وحين تستحيل شهقات الموت وزفرات الألم وأنات المصابين ونحيب الأمهات الملتاعة إلى ضحكات متبادلة بين رئيسي أكبر دولتين قد أعطتا الضوء الأخضر لأكبر مذبحة بشرية في القرن الواحد والعشرين.

 

 

"كرة التسوية في سوريا تبقى في ملعب روسي"، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فرد الرئيس الروسي بوتين بمزحة ثقيلة الدم والشرف أثناء مؤتمر صحفي مع نظيره الأمريكي ترامب في أعقاب محادثاتهما في العاصمة الفنلندية هلسنكي: "فيما يتعلق بكون كرة سوريا في ملعبنا.. فقد قال السيد الرئيس (الأمريكي) بأننا نجحنا في استضافة كأس العالم لكرة القدم. وأريد أن أقدم هذه الكرة للسيد الرئيس، فهي الآن في ملعبه".

 

 

طمر الرئيسان القضية السورية تحت ثرى السخرية والتندر، وبإزاحة الموضوع بالاتجاه المحبب لدى "الجماهير"، كرة القدم، فتجمدت معاناة ملايين الثكلى والمهجرين في صقيع هذه الابتسامات الكريهة. وانطوت صفحتها بعد اعتراف الأمريكيين بأحقية الروس في تدمير سوريا وتشكيلها كما تشاء!

 

 

لم يكن ما آلت إليه القضية السورية مثيراً للدهشة، بقدر ما كان مقززاً ومؤلماً، ودالاً في الوقت عينه على أن هذه الأمة المسلمة قد أمست في حال من الاستضعاف غير المسبوق، وازدادت هواناً عند أعدائها، ولم يعودوا يأبهوا بردات أفعالها وهم في أوج سخريتهم واستهزائهم بها.

 

 

يرمز للقضية السورية بكرة يعترف وزير الخارجية الأمريكية بأن الروس هم المعنيون بركلها، ثم يحيلها بوتين لكرة حقيقية يعيدها لترامب، فيلقيها لزوجته لكي تدفعها لابنها ليركلها هو! هكذا إذن هو حجمنا وقيمتنا لدى الأمريكيين والروس معاً، هكذا وضعنا أنفسها، هذا زرعنا وكذلك نجني زقومه.

 

 

إن الذين استمرؤوا المذلة تحت أقدام الأمريكيين وأذنابهم في المنطقة، وارتضوا بأن يضعوا ثورتهم وانتفاضتهم ضد الحكم الطائفي الاستبدادي، وتوهموا أن طريق الحرية يمر بصنمها الأمريكي والالتزام بقيوده وخطوطه الحمراء والخضراء، وارتهنوا لموزعي التاو وغيره من الأسلحة الأمريكية المسمومة. وأولئك الذين اطمأنوا لوعود الروس وارتعبوا من وعيدهم، وتوقفوا في كل انتصار عن حسمه وإنهاء معاركه إذعاناً لـ"نصائح أصدقاء سوريا" الذين تبين لاحقاً كم من "مشاعر الصداقة" يكنونها لسوريا وأهلها! وفي قلب هؤلاء المنتفعون المرتزقة الذين تصدروا الساحة فأغرقوها عمداً في الهزائم لمصلحة النظام السوري، وامتطتهم القوى الدولة حتى خط النهاية الذي عنده اطمأنت تلك القوى إلى أن معظم أراضي سوريا قد عادت مجدداً إلى حيز الاستعباد والديكتاتورية، وأنه أضحى من الصعب على الفصائل السورية استردادها بعد أن حددت واشنطن حدود "المقاومة" بدقة ورسمت خطوط "الثورة" بحيث تضمن لها الفشل من حيث بدا أنها تقود دولاً لدعمها وإنجاحها، فكانت الخطوط الحمراء التي منعت الفصائل من تجاوزها، وبطأت من وتيرة التحرير حتى تدخل "حزب الله" ثم ميليشيات العراق وأفغانستان وإيران ثم الحرس الثوري وصولاً إلى التدخل الروسي الحاسم الذي لم تمانع واشنطن حصوله ولم تعمل أبداً على عرقلة عمله، بل اعترفت في الأخير أنها قد أتاحت للروس ركلة كرة سوريا!

 

 

كان المقطع المنتشر عن تداول الكرة "السورية في الواقع" بين بوتين وترامب وزوجته مخجل جداً، بقدر ما بانت فيه حقارة الدول الكبرى، بقدر ما أظهر أن عزة هذه الأمة الإسلامية العظيمة لا تتأتى أبداً عبر مداهنتها وخضوعها واتكالها على أعدائها، وأنها من دون مشروعها النهضوي الخاص المستقل العقدي سوف لن تذوق إلا مرارة الحنظل ومشاعر الإذلال والاستخفاف القاتلة.