الدراما "الرمضانية".. ساقطة فنياً!
24 رمضان 1439
منذر الأسعد

للأسف، أجدني مكرهاً على استخدام مصطلح "الدراما الرمضانية" رغم أنه غير صحيح بكل المقاييس! فلو أن مسلماً توفاه الله قبل خمسين سنة مثلاً، بعثه الله من مرقده، وسمع به لما عرف المراد منه.. وربما ظن أن المقصود به: الإنتاج التلفزيوني الدرامي المخصص لمعالجة قضايا الأمة بمنظار شرعي، وهو مخصص للعرض في شهر رمضان المبارك، بما يوائم روحانيته وأجواءه الخاصة التي ليس لها مثيل في سائر شهور العام.

 

بل إننا لو ترجمنا المصطلح المذكور إلى أي لغة أجنبية، واطلع عليه غير المسلمين، لتوهموا أن معناه يطابق الدلالة التي يفهمها المسلم الذي غادر دنيانا الفانية قبل نشوء هذه الظاهرة المحزنة.

 

تلميع تجار المخدرات

ففي رمضان الحالي، رصد الخبراء ستين مسلسلاً تملأ الشاشات العربية! وهذا رقم فلكي لا يقبله عقل.. ويستحيل أن نعثر على نظير له عند الآخرين!

 

والأسوأ أن 99% من هذه المسلسلات لا تمتّ إلى الإسلام بأدنى صلة، لئلا نتحدث عن المحتويات القبيحة التي تتضمنها كثير من تلك المسلسلات، سواء من جهة نشر الشبهات والطعن الماكر في ثوابت شرعية معلومة من الدين بالضرورة؛ ومن جهة إثارة الغرائز والتطبيع مع الفجور والخمور.

 

والأسوأ أن هناك مسلسلات هبطت إلى درك لم تهبط إليه الدراما في مجتمعات لا تبالي بالدين كله من قريب ولا بعيد؛ وخاصة إضفاء "بطولة" زائفة على تجار المخدرات!! أجل.. المخدرات التي تبذل الدول المسلمة جهوداً هائلة لمحاربتها وحماية الشباب من طاعونها الخبيث!

 

وأما تلميع الطغاة الذين يقتلون شعوبهم بمختلف الأسلحة – بما فيها أسلحة الإبادة الشاملة وهي محظورة دولياً- فليس فيه جديد!

 

سقوط مهني

 مجمل ما سبق، معروف للكافة، وتكرر رفضه شعبياً على مدى السنوات الأخيرة؛ حتى باتت إعادته مدعاة للسأم نظراً لإصرار الفضائيات على الإساءة إلى مشاعر المسلمين في شهر يحظى بمكانة خاصة في قلوبهم وعقولهم.

 

لكن المفاجئ حقاً، أن يضاف إلى ذاك السجل المؤسف، إخفاق تلك الدراما بالمعايير المهنية المحضة..

 

استثارت هذه الحال، أصحاب أقلام معروفين، فأعربوا عن غضبهم الشديد من الغثاء المنتشر باسم الفن؛ وذلك من زاوية مهنية صرفة لا تتصل بالمضمون وعلاقته برمضان خاصة أو بالإسلام بعامة!

 

أحد هؤلاء الكُتَّاب نشر مقالاً يحفل بالشواهد، واختار له عنواناً كاشفاً، هو: (دراما رمضان.. خلطة الجهل والتحريض)!

 

ورغم أن الرجل صب جام غضبه على إنتاج بلده في ميدان الدراما الرمضانية، فإن ما يضاعف من الألم، أن إنتاج الدول الأخرى أسوأ مئة مرة من إنتاج بلاده!!

 

قال الكاتب الجاد: "لم يتمكن أي جيل فني من الإساءة إلى فن "الدراما التليفزيونية" في.....، كما تمكن الجيل الراهن من خلال العروض (الكارثية) الموغلة في الانحطاط والتحريض، أعني العروض الدميمة المتمرغة في القبح، التي نراها في دراما هذا الموسم، ولم يتمكن مجموعة من الفنانين والمخرجين والفنيين، من محو لحظات التألق والعز لـ"أدب التمثيلية التليفزيونية" الذي كانت بلادنا تباهي به يوماً، كما تمكن هذا الجيل الفني الضحل "المسيس" حتى العظام، والمدفوع لمباشرة هذا (العكّ) مقطوع الصلة بالفن أو حتى المنطق، بأوامر مباشرة بطريقة مفضوحة تماماً، أثرت على الأطقم الفنية المشاركة في المسلسلات، ودفعت بها _ تحت ضغط الأوامر _ إلى (العجلة والاستسهال) لتمرير "الرسالة المطلوبة" بأي ثمن، وكأنها تخاطب بلهاء ألغوا عقولهم، ووضح لكل ذي عينين، أن الدراما هذه المرة، جاءت جزءا ً عضويا ً من (الإعلام التعبوي)، الذي يكرس ذات الرسالة الإعلامية العامة بصب أطنان من التحريض والاستباحة وإيغار الصدور، دون تحسب للنتائج الخطيرة لهذه الرسائل الفنية _ أو بالأدق "غير الفنية" _ الملغومة!......"

 

ويأسى الرجل على هذا الانحدار الذي يسيء –في رأيه- إلى سبق بلده وريادته في تقديم دراما رصينة ومحترمة قبل عشرات السنين، وهي ريادة يضعها في رأس هرم القوة الناعمة التي كانت تتيح لدولته التأثير العريض في العالم العربي.

 

وهو يضرب الأمثال بأسماء أشهر المبدعين السابقية في مضمار الكتابة الدرامية، ويورد عناوين الأعمال التي أنتجوها وبقيت في الذاكرة الـجَمْعية العربية طويلاً.

 

ثم ينتقي في مقاله الطويل شواهد موثقة عن الإسفاف الذي انحدرت إليه دراما "رمضان" في هذا الموسم، ليختم بحسرة ولوعة قائلاً: "... إنها خلطة الضحالة والتحريض الأسود التي أساءت إلى المواطنة والقيمة والولاءات العربية والإسلامية، وسحبت من رصيدنا كثيراً، حتى أوشك رصيد "القوة الناعمة" على النفاد لآخر قطرة؟! أما آن صوت الحكمة بعد لنعيد ترتيب الأوراق"!

 

ونشر كاتب علماني على حسابه بموقع فيسبوك تدوينة بالمضمون نفسه، فقد قال فيها: "...." الغثاء المجتمعي الذي تعرضه الدراما الرمضانية من خلال إعلام غير مهني يمتلكه رجال الأعمال، يمجد في مجمله العنف والجريمة ويدرب المشاهدين على النقيصتين".