اللمسات الأخيرة لتنفيذ الحكم الأممي بإعدام سوريا
8 رمضان 1439
منذر الأسعد

شيئاً فشيئاً ، تتكشف طبيعة الكارثة التي صنعها العالَم كله في سوريا، على اختلاف المنافع الخاصة والأهداف الذاتية بين الشركاء في اغتيال هذه الدولة وتوزيع أشلائها بينهم .

 

 تقاسم الكعكة
بالرغم من استمرار بعض العمليات العسكرية فوق الأراضي السورية، من مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين؛ يمكن استجلاء الملامح المبدئية للخريطة النهائية لسوريا، بعد الاتفاق على تدميرها وتشريد شعبها، وخاصة الإجماع على أن يختص أهل السنة العرب بدفع ثمن هذه الجريمة غير المسبوقة، بتواطؤ أممي ليس لها مثيل.

 

فحصة نظام بشار المخصصة للأقليات الطائفية –المحلية والمستوردة- تقارب نسبة 48% من إجمالي مساحة البلاد؛ وتمتد من دمشق إلى الساحل، مع إبقاء مناطق الاتصال الجغرافي بالجولان المحتل في يد النظام.

 

وفي الشمال تتوزع الحصص بين النفوذ التركي غرب الفرات، بينما تصر واشنطن على احتكار شرق الفرات من قبل طواويس حزب العمال الكردستاني حيث النفط والغاز والماء، لتكون تلك المنطقة أداة ضغط شرسة على أنقرا .

 

صحيح أن ترمب عازمٌ على سحب قواته –كما يبدو- لكنه استدعى الفرنسيين لأداء المهمة بالنيابة، وهم أشد الأوربيين مناكفة لتركيا!

 

النقطة الوحيدة التي ما زالت غامضة نسبياً، هي منطقة حوران ذات الحساسية الفائقة للكيان الصهيوني.  وربما كان أقرب سيناريو بشأنها ، ما يجري تسريبه من حكم ذاتي برعاية أردنية!

 

..نهاية الدور الإيراني ؟
ما الذي دفع أمريكا فجأة إلى رفض الوجود الإيراني وتوابعه في سوريا، الذي سبق لها أنْ منحتْه الضوء الأخضر منذ انطلاق الاحتجاجات السلمية الشعبية في سوريا، وأوكلت إلى طهران وأدواتها مهمة إنقاذ  نظام الأسد لكنها فشلت رغم تكفل الأمريكان بمنع الثوار من الحصول على أي سلاح مضاد للطيران .. وإيران لم تُفلح في تدمير العراق إلا بغطاء جوي وسياسي أمريكي وكذلك تدمير سوريا إلا بغطاء جوي وسياسي روسي!

 

فاضطرت واشنطن إلى استدعاء روسيا التي قامت بالمهمة على "أكمل " وجه، باتباعها سياسة الأرض المحروقة تنتهي بالتهجير القسري من المناطق المخصصة للأقليات، وذلك برعاية أممية إجرامية.

 

وتكشف تصريحات وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو قبل ساعات عن السر الذي يعلمه الجميع، حيث قال: لم يعد لدى إيران تفويض خارج حدودها!
وجاء الصدى لدى الوكيل الروسي الذي دعا إلى خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا.. وزيادةً في كشف المكشوف أكد مندوب بوتن لابتلاع سوريا، أن هذا يشمل إيران وحزب حسن نصر الله!

 

وعليه،أصبح  الملالي أمام خيارين أحلاهما مُرٌّ: الخضوع للابتزاز الروسي –التزاماً بتوجيهات السيد الأمريكي!!- أو تركهم تحت رحمة ضربات نتنياهو العسكرية العنيفة التي لا تتوقف.

 

وليس لدى واشنطن ولا موسكو ولا نتنياهو أي مانع في استمرار النفوذ الصفوي في سوريا الأسد، ما دام غير عسكري.. فالتشييع رغبة ورهبةً يخدم مخططات هؤلاء جميعاً!

 

ابتزاز أوربا
الاتحاد الأوربي هو الحلقة الأضعف بين القوى الدولية المنخرطة في تفكيك سوريا.. فهو عملاق اقتصادياً وقزم عسكرياً وسياسياً!

 

وواشنطن التي كانت توفر له حماية عسكرية وسياسية، تبدو غير مكترثة بالثمن الذي قد يضطر الأوربيون إلى دفعه، للبلطجي بوتن. وخاصة أن السياسة الأوربية الفاشلة دأبت على تقديم المنفعة المادية المحضة على أي اعتبار مبدئي أو إستراتيجي – يمكن الاستشهاد بموقف الاتحاد الأوربي الراهن من الاتفاق النووي مع إيران كنموذج-.

 

ولذلك، لا يستغرب المراقب الموضوعي أن يعمد بوتن إلى ابتزاز الأوربيين بأسلوبه الفج والرخيص، فقد أبلغ مستشارة ألمانيا أنغيلا  ميركل أن اللاجئين السوريين يمكنهم العودة إلى سوريا إذا دفع الأوربيون المليارات  لإعادة إعمار سوريا  ( يقدرها المحتل الروسي 296  مليار يورو وتعادل 90% من موازنة ألمانيا) .

 

فبوتن يدمر كل ما لم تستطع طهران وبشار وفرق القتل الطائفية المجلوبة، ثم يبتز أوربا بإعمار ما دمره هو وشركاؤه في سوريا الأسدية فقط.

 

ولا يستبعد أن ترضخ القارة العجوز للتهديد الروسي الوقح، ففي ذروة المأساة السورية، استمرت شركات أوربية عديدة في تزويد ترسانة الأسد الكيماوية –حتى بعد حظرها رسمياً سنة 2014 بتوقيعه على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية!!- .. وقد فضح الإعلام الغربي أكثر من واقعة مخزية عن تعاون أجهزة مخابرات أوربية مع أجهزة الإبادة الجماعية الأسدية!! فما الذي يمنع من إعادة إعمار ما دمره بشار وخامنئي وبوتن، وجني الأرباح على حساب دماء شعب تواطأ العالم على ظلمه؟

 

قد يحتاج الأمر قليلاً من الوقت، وبعضاً من الخطوات الشكلية لكي يصبح الديكور ملائماً لمقتضيات الإخراج الدامي!