التفاؤل الواجب في زمن التشاؤم!!
3 رجب 1439
منذر الأسعد

"بناء التفاؤل الذاتي" هو العنوان الذي اختاره شيخنا الفاضل الدكتور ناصر العمر لكتاب صدر حديثاً، في عدد من الصفحات قليل – 102 صفحة – لكنه دسم وغني في مادته، لكن أسلوب الشيخ حفظه الله جعله سَلِساً حتى لتكاد تنتهي من قراءته في جلسة واحدة؛ إلا إذا أخذتك التأملات بعيداً مثلما جرى لي. وما يزيد من يسر قراءة الكتاب، أنه لا يحتوي على أبواب وأبحاث مصنفة بصورة موضوعية جافة.. فالموضوعات متعانقة والسابق منها يؤدي إلى ما بعده من دون محطات أو شعور بالانتقال من مناخ إلى آخر.
 

سبب الذاتية؟
بعد تجربة مع القراءة تتجاوز نصف قرن من الزمان، أصبحتْ عندي حصانة من مقولة: المكتوب يبان من عنوانه..

 

ولذلك استوقفتني كلمة (الذاتي) في عنوان الكتاب، فلم أجزم إزاءها برأي معها ولا ضدها؛ فالشيخ الكريم من النخبة التي يشغلها الهم العام للأمة، ولا بد أن يكون لهذا الاختيار سبب عميق سيتجلى خلال الإبحار في صفحات الكتاب.
 

استهل الشيخ ناصر كتابه بمقدمة موجزة، اتسمت بالصراحة والمكاشفة: فنحن في عصر تداعي الأمم على أمة الإسلام كما تداعى الأَكَلةُ إلى قصعتها (وهذا وارد في نص حديث صححه الألباني وأثبته الشيخ هنا). ويميز المؤلف ردود الفعل على هذا العدوان الأممي السافر بين الذين يرفضونه ويجهدون في صدِّه، وبين أناس من بني جلدتنا رضوا به بل إنهم يرغبون فيه ويدعون إلى القبول به!
 

لكن ضخامة الأحداث وتلاحق الخطوب، أديا إلى ندرة التفاؤل عند كثير من المسلمين؛ والكتاب محاولة مشكورة لدفع التشاؤم غير المقبول شرعاً، وغير الصحيح في التاريخ بعيده وقريبه.
 

فالكتاب تعزيز للبشرى مدعمةً بالأدلة من نصوص الوحيين ومن سِيَر الأنبياء والصالحين ووقفات دقيقة (مع سنن الله الكونية في العسر الذي يصيب، واليسر الذي يرافقه ويَعْقِبُه، وأسباب ذلك).
 

تفاؤل الأنبياء والصالحين
يبدأ الكتاب بتعريف الفأل في اللسان العربي ومقابله: التطير ليدلف مباشرة إلى تفاؤل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قولياً وعملياً، من خلال النهي النبوي عن التشاؤم وتفاؤل المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه بالكلمة الطيبة والاسم الحسن والرؤيا الحسنة وفي الاستسقاء وفي مواقف الشدة والابتلاء.. ثم يبيّن الشيخ جزاه الله خيراً أن نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كان –إلى تفاؤله الدائم- يبث روح التفاؤل وحُسْن الظن بالله في أصحابه.

 

بعد ذلك يعرض الكتاب نماذج من تفاؤل الأنبياء عليهم السلام استناداً إلى آيات قرآنية صريحة: تفاؤل موسى ويعقوب؛ثم يقدم لمحة سريعة عن تفاؤل الصحابة والتابعين.
 

خمس دعامات
لبناء التفاؤل – في الفرد أو الأمة – دعامات خمسٌ بحسب رؤية الشيخ هي:
1-تحرير عقل الإنسان من الأهواء والأوهام.
2-معرفة أن الحياة الدنيا دار ابتلاء.
3-الإيمان بالقضاء والقدر.
4-التقوى.
5- حُسْن الظن بالله تعالى.

 

ثم يأتي الترياق العملي الذي ينصح به الكتاب وهو اتباع وصية يعقوب عليه السلام لبنيه وهو في ذروة الأسى والألم عند مصابه في فقد ابنيه: يوسف وأخيه.. وهي كما جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سورة يوسف:الآية 87].
 

ويعرج الشيخ على ما قد يطرحه بعض الناس من مثبطات تحت وطأة الواقع وضغوط الكروب، فيعالجه بحجة قوية ومنطق سديد، بتذكيرهم ابتداء بأهمية التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وإحياء معاني حديث الجسد الواحد، وأن ظهور الإسلام ليس يقتصر على عهد النبي عليه الصلاة والسلام وخلفائه فحسب، وإنما هو وعدٌ مشروط فعندما نحقق الشروط نجني الثمار الموعودة يقيناً.
وهنا يتضح للقارئ الكريم سبب ورود كلمة " الذاتي" في عنوان الكتاب.. فالذاتي هنا يعني الأمة وألا تعتمد إلا على الله ثم على طاقاتها.. كما يشمل ذلك الفرد الذي يمر بابتلاءات وكروب فالعلاج واحد في الحالين.

 

محاذير ومنزلقات
يختم الشيخ ناصر كتابه الجميل بفقرة مهمة اختار لها عنوان: عقبات في الطريق، وهي ثلاث عقبات، أولاها: التنازل والانهزام، والثانية: الاستعجال والتهور، والأخيرة: اليأس وتوهم استمرار الظلمات الحاضرة وكأنها أبدية لا فكاك منها؛ وهو وهمٌ يبدده الكتاب مِن أَلِفِه إلى يائه.