إيران و"إسرائيل" والهدف المشترك بالغوطة
23 جمادى الثانية 1439
أمير سعيد

إن شئت انظر من هذه الزاوية:
"إن وجود إيران في سوريا لا يهدف إلى خلق جبهة جديدة ضد إسرائيل، ولكن لمحاربة الإرهاب"، نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة أجرتها معه ليس دوسيت، كبيرة المراسلين الدوليين في بي بي سي، في لندن.

 

أو إن شئت فانظر من هذه:
"إن إسرائيل مطالبة بتوجيه الشكر لكل من إيران وحزب الله لدورهما في الحفاظ على نظام بشار الأسد، والذي كان إسقاطه سيفضي إلى تفجر فوضى على غرار ما يحدث في العراق بشكل سيفضي إلى تهديد الأمن القومي لإسرائيل"، المعلق الصهيوني في إذاعة الجيش "الإسرائيلي" جاكي حوكي، في مقال بصحيفة معاريف العبرية (3 مارس 2018).

 

لن تخطئ في كليهما الهدف؛ فالكيانان الإيراني والصهيوني يتحدثان اليوم بلسان واحد، وبغطاء واحد أيضاً: "تخيلي لو لم نكن موجودين هناك، لكنا رأينا تنظيم الدولة الإسلامية في دمشق، وربما في بيروت، وفي أماكن أخرى"، يقول عراقجي، وبنفس اللهجة يقول دان هالوتز، الذي شغل منصب رئيس أركان جيش العدوان الصهيوني خلال حرب العام 2006، في اجتماع عقد في موسكو أن "احتمال وجود عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة يحكم دمشق بدلا من نظام الأسد سيكون أكثر إشكالية من وجهة نظر القدس".

 

كلاهما استخدم المشجب ذاته، القاعدة أو داعش التي انشقت عنها، رغم أن القاصي والداني يدرك أن لا وجود لهذه ولا لتلك بالقرب من دمشق وتحديداً في الغوطة الشرقية إلا في خيالات الدعاية الصهيوصفوية السوداء الموجهة ضد الفصائل السورية، إذ إن جل القوى الضاربة في الغوطة/التي تمثل التهديد الحقيقي لنظام بشار لا تمت للتنظيمين بصلة، حيث عانى نحو 95% من المسلحين قرب دمشق من اعتداءات متكررة وحروب عدوانية من هذين التنظيمين اللذين تتذرع طهران وتل أبيب بوجودهما لتدمير الغوطة أو تأييد تدميرها وتهجير أهلها.

 

كلاهما استخدم المشجب نفسه، واتخذ المنطق المعوج نفسه؛ فإيران التي احتضنت جماعات التكفير والبغي والعمالة ليست هي المؤهلة لتخليص العالم من هذه التنظيمات، كما أن عراقجي يطمس حقيقة دور إيران بهذا التصريح اللافت؛ إذ ما هي مصلحة طهران (الحقيقية) في إبعاد الإرهاب عن حدود ما يُسمى بإسرائيل. لو كان الأمر حقاً كما يقول!

 

و"إسرائيل" التي تشكرها الآن تكذب في تبرير شكرها؛ إذ لا يتعلق الأمر بتنظيمات إرهابية حقيقية تتمركز بالقرب من حدودها المزعومة بقدر ما هو شكر "مستحق" بسبب نجاح الإيرانيين حتى اليوم في تفريغ الزبداني وأخواتها من سكانها وتأمين غرب دمشق من قبل "حزب الله" الذي أنجز مهمته أو كاد وهي المرحلة الأولى من التغيير الديموغرافي الطائفي غرب سوريا، من جانب، ومن الجانب الآخر، المساهمة الإيرانية في التغيير السكاني الطائفي في وسط والأحياء الشرقية للعاصمة وحتى المرحلة التالية بتهجير سكان الغوطة الشرقية ووصل الحزام الطائفي الإيراني حول دمشق، وتأمين الحدود الشمالية الشرقية المزعومة للكيان الصهيوني.

 

إنها خطة بن غوريون القديمة تعمل طهران وتل أبيب معاً على تحقيقها، الأولى بقوتها الغاشمة وعبر حلف العدوان العسكري الروسي الإيراني الميليشوي النظامي، والثانية عبر قواها الدبلوماسية والسياسية الممتدة والنافذة جداً في عواصم العالم ومؤسساته الدولية لتأمين إنجاز فاعل للخطة الإجرامية تلك.

 

"مصلحتنا الاستراتيجية تقتضي بقاء نظام الأسد"، رئيس أركان الجيش الصهيوني الأسبق دان حلوتس.. هذا التصريح وإن كان جديداً فإن معناه ليس كذلك، لكن الجديد هو ما قد سيقوله حلوتس يوماً ما، وهو أن "مصلحتنا ليست فقط في بقاء نظام الأسد، فقد أبقيناه طوال أربعين عاماً ونيف دون حاجة إلى (ثورات) أو اضطرابات، وإنما في بقاء جبهة سورية خالية من المسلمين السنة بوجه عام، وقصرها على النصيرية والدروز والإمامية الإيرانية فقط، وهذا ما عملنا لأجله بالتعاون مع الأشقاء في طهران". حينها سيكون حلوتس قد باح بما وُضعت أوراقه في تل أبيب وطهران وجرى تنفيذه على أرض الأمويين لاحقاً.