20 صفر 1440

السؤال

السلام عليكم وقعت في نقاش حاد مع والدتي بسبب رجل تقدم لخطبتي فرفضت الارتباط به لأخلاقه غير الحميدة ولكون أمي لم تكترث للأمر فقلت لها كلاماً جارحاً لكني أحبها جدا فهل ارتكبت معصية وكيف سأكفر عنها علما أني اعتذرت لها.

أجاب عنها:
د. علي الدقيشي

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أختي الفاضلة – أهلا ومرحبا في موقع المسلم.
أما بخصوص الذي ذكرتيه أجيبك بما يأتي:
أولا: أشكرك على حرصك على بر والدتك وندمك على ما بدر منك، زادك الله إقبالا على الخير.

 

ثانيا: انتبهي لهذه الحقيقة – بارك الله فيك – أن أعظم الناس حقوقا علينا الوالدان لأنهما سبب خروجنا إلى هذه الحياة، ولعنايتهما الكاملة بنا وقيامهما بكل ما نحتاج إليه بكامل الحب والبذل وإيثار حاجتنا على حاجتهما، وراحتنا على راحتهماا ودوام تفكرهما في أمورنا وما يحقق لنا السعادة، وبذلهما كل شيء من وقت ومال وجهد ولو على حساب راحتهما، وهما في غاية الفرح.....
 

لذا كانت العناية الكبيرة من الرب العظيم – عز وجل – بالتنبيه إلى عظم حقوق الوالدين علينا، والأمر بالقيام بها خير قيام والإحسان إليهما والبر بهما على الدوام، والتماس رضاهما وشكرهما على ما قاما به تجاهنا، وذلك بإكرامهما والدعاء لهما، وإكرام من له صلة بهما إكراما لهما.
 

يقول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها..} [الأحقاف: 15].
ويقول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهن على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} [لقمان: 14].

 

ويقول تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 23، 24].
 

ولما سئل الرسول أي الأعمال أفضل: قال بر الوالدين، والإنسان مأمور ببر الوالدين عامة، والأم خاصة مقدمة في البر والإكرام والإحسان لوصية الله بها على لسان رسول الله لما سئل من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك، قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من قال أبوك.
 

وكما سبق في الآيات نجد أن الله تعالى وصى بالوالدين عامة، وحنن الأولاد على أمهم خاصة بتذكيرهم بما لاقته من متاعب وشدائد في حملهم وولادتهم وإرضاعهم وهي محبة لذلك فرحة، وكلها رجاء لهم بأن يكبروا ويسعدوا.
 

ثالثا: ولعظم مقام الوالدين عند الله تعالى جعل رضاه في رضى الوالدين، وسخطه في سخطهما.
فمن أراد أن يعجل برضا الله عليه فليجتهد في إرضاء والديه ولاسيما الأم، يقول صلى الله عليه وسلم: (رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين)

 

رابعاً: لذلك جاء التحذير الشديد والتخويف من معصيتهما أو مخالفتهما أو الإساءة إليهما ولو بأدنى درجات الإساءة ولو بكلمة (أف) فإن عقوق الوالدين والتقصير في حقهما والإساءة إليهما بأي صورة، كبيرة عظيمةٌ من كبائر الذنوب التي تجعل الله يغضب على العبد ويعاقبه في الدنيا قبل الآخرة.
 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي الذنوب أعظم؟ قال عقوق الوالدين)؟، وجاء في الحديث إن مما يعجل الله له العقاب في الدنيا من الذنوب عقوق الوالدين والظلم)
 

خامسا: عليك - بارك الله فيك - بالانتباه إلى التعامل مع الوالدين والتوفيق لبرهما وإكرامهما، وفي نفس الوقت تجنب الوقوع في حرج أو ضيق بسبب أن رأي الوالدين في حالة ما قد لا يكون هو الأصوب فكيف نجمع بين بر الوالدين وبين السلامة من الوقوع في الحرج والضيق بسبب أن رأي الوالدين قد يكون رأياً غير صواب.
 

عليك بما يأتي:
تحقيق هذا المطلب يحتاج إلى حكمة وحسن سياسة واستعانة صادقة بالله وطلب التوفيق منه في الموازنة في تحقيق البر للوالدين، والسلامة من الوقوع في الحرج في نفس الوقت.

 

1 – عليك بالحكمة وحسن السياسة في معاملة الوالدة، والاستعانة الصادقة بالله وطلب التوفيق منه لذلك.
 

2 – راعي الموازنة في تحقيق البر والإكرام لأمك، وبين السلامة من وقوعك في حرج في نفس الوقت في المواقف التي يتعارض فيها رأي الأم مع رأيك.
 

3 – استعيني بهذه الحقيقة على تهدئة نفسك عند تعارض رأيك مع رأي الوالدة في أمر، عليك بالتذكر جيدا بأن الوالدة تحب الخير لك، أكثر من نفسها، وتتمنى أن تكون أفضل منها، وأن تكوني في سعادة.وراحة على حساب راحتها، فيجب عليك تجاه هذا الحب والإخلاص والتفاني أن تعملي لها الشيء الذي ترضاه، إكراما لها وطاعة لله، فحينئذ هنيئا لك. بالبركة والخير والتوفيق والسعادة من الله، أما إن كان رأيها غير مناسب وليس صوابا. لأنها تغفل عن جوانب من الأمر، أو لا تدركها بسبب العمر أو المستوى العلمي فيجب عليك حينئذ أن تستعيني بالحكمة وحسن السياسة والاجتهاد في الوصول إلى رضا الأم بالرأي الآخر بالمحاولات الآتية 1- عن طريق عرض الرأي الآخر عليها، وعرضه كأنها تراه وترتضيه.
 

4 – الاستعانة بالأقارب والمقربين ولا سيما في الأمور المهمة مثل الزواج وإقناعها بالرأي الصواب والاصلح
 

5 – الاستعانة بالمداراة الحكيمة في برها وإكرامها والسلامة من الحرج فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمة الله – من شاب أمه تنهاه عن الصلاة في المسجد، ماذا أفعل يا إمام؟
فقال له: أطع أمك، وصل في المسجد.

 

6 – أما تكفيرك عما بدر منك تجاه الوالدة فعليك بالإكثار من خدمتها وإكرامها، والإهداء إليها، وتلمس رضاها بالقيام على أمرها، وطلب العون والعفو والصفح منها.
 

وأخيرا أكثري من اللجوء إلى الله تعالى – بصدق في طلب التوفيق لك في بر أمك وإكرامها والإحسان إليها فهي باب عظيم لك إلى الجنة.
وأرجوا الله أن يوفقك لبرها وللإحسان أليها وإكرامها وأن يعيد عليك بركتها في الدنيا والآخرة.
والله الموفق.