أنت هنا

المأزق المالي الأمريكي. . أزمة بنوك أم مشكلة نظام؟!!
22 رمضان 1429
العالم كله مشغول بانهيار كبريات البنوك الغربية ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية واحداً تلو آخر!!فها هو بنك (ليمان براذرز) رابع أكبر البنوك الاستثمارية في الولايات المتحدة الأمريكية يقع على الأرض، وتضطر إدارة بوش الصغير إلى التدخل الضخم للحيلولة دون مزيد من التصدعات المتلاحقة التي لحقتْ وتلحق بأكبر اقتصاد في العالم. وهذا التدخل الحكومي الإسعافي هو تدخل طالما حظرت الرأسمالية المتوحشة حصوله، واعتبرته "محرّماً"من أشد المحرمات في ديانتها القارونية القائمة على الكنز واستعباد الكبار للصغار استعباداً مطلقاً لا رجعة فيه. وربما ما زال في الذاكرة الإنسانية واقعة لم يمضِ عليها سوى بضع سنوات، عندما تعرضت اقتصادات النمور السبع الآسيوية إلى مؤامرة يهودية صليبية هائلة لإسقاطها ونسف تجربتها المتمردة نسبياً على الهيمنة الغربية، وحين لجأ رئيس وزراء ماليزيا حينئذٍ-محاضر محمد-إلى بعض الإجراءات لحماية نهضة بلاده من السقوط انهالت عليه شتائم الغرب المقذعة، وقالت فيه ما لم يقله مالكٌ في الخمر.
لكن الغرب المنافق كالعهد به، يكيل دائماً بمكاييله المزدوجة، فما يحق له لا يحق للبرابرة-بحسب عنصرية الرومان التاريخية المستمرة!!-. فما كان حراماً على ماليزيا أصبح اليوم مباحاً إن لم يكن مستحباً لجورج دبليو بوش وعصابة المحافظين الجدد.
أما الوجه الآخر لهذا النفاق المزمن، فيعبر عن نفسه من خلال جوقة الكذابين المزوّرين، الذين يستغلون سطوتهم على وسائل إعلام ضخمة، ويسير في ركابهم حَمَلَةُ المباخر من الأفّاقين الذين يسونهم خبراء اقتصاديين وماليين، وذلك لتزييف حقيقة ما يجري وتصويره على أنه شيء طبيعي أو مجرد وقائع متناثرة وأزمات ثانوية عابرة!!
والحقيقة أن الخرق قد اتسع على الراقع، وما من عاقل يستطيع أن يحجب الشمس بغربال مليء بالثقوب. إنهم يسعون إلى طمس الواقع الساطع، وهو ظهور بوادر نهاية سيطرتهم على البشر ظلماً وعدواناً، أي لحاقهم بإخفاق الشيوعية من قبل، ويومها طبَلوا وزمّروا لما أطلقوا عليه"نهاية التاريخ"توهماً منهم بأن ساعة انتصارهم الأبدي المفترى قد حانت!!
بيد أن نشوة القوم لم تدم طويلاً، ومن يعلم بواطن الأمور، يدرك أن المسألة باتت مسألة وقت ليس غير. إنهم يعكفون على كتم حقيقة تقررها أرقامهم ذاتها، وهي أن حجم الاقتصاد العالمي-الفعلي-لا يتجاوز48ترليون دولار، لكنه ورقياً يربو على 144ترليون!!ولذلك يصح على هذه الحال الخطيرة جداً قول الشاعر:
                             تعجبين من سَقَمِي          صِحّتي هي العَجَبُ
إنها ليست قضية رهون عقارية هامشية، بل هي أزمة بنيوية، تضرب بجذورها في أعماق شجرة الجور والنهب غير المحدود لأكثر أمم الأرض، وتسخير ثرواتها ومواردها لخدمة عصابة النهب الدولي المنظم، والتي تعطي شعوبها شيئاً من فتات المائدة، حرصاً على منعهم من الثورة على العصابة المجرمة، وإشراكاً لهم في تغطية استنفاد خيرات الشعوب الأخرى، إن لم يكن بآليات التلاعب بالسوق، فمن خلال الغزو العسكري، الذي يستلزم جنوداً ومرتزقة!!
قد يطول الاحتضار الرأسمالي القائم على السلب والنهب والإذلال بضع سنين، مثلما استغرق انهيار شقيقتها الشيوعية عدداً من السنين، قبل أن تهوي في قعر مظلم مودعة باللعنات من ملايين ضحاياها الذين استعبدتهم باسم العدالة الاجتماعية وتحقيق اشتراكية مزعومة لم تكن في حقيقتها سوى قناع زائف لهيمنة حفنة من قادة الحزب الواحد المستبد، وأجهزة التعذيب الجماعي والإبادة الشاملة!!
لكن سنة الله عز وجل ماضية إلى يوم الدين، فهو سبحانه يداول الأيام بين الناس. وإذا كانت السيادة لم تستقر في أيدي أهل الحق والخير إلى ما لانهاية، فكيف يظن الحمقى والمغفلون أن دولة الباطل والظلم سوف تدوم إلى قيام الساعة؟!وصدق الله القائل: ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).