
من يطلع على الصحف الفرنسية، يعتقد أن الجزائر هي التي احتلت فرنسا طوال 130 سنة، لأن ما يبدو جليا أن فرنسا ترفض رفضا قاطعا الاعتذار للجزائر على كل ما اقترفته ضد شعبها طوال أجيال كثيرة، فمائة و ثلاثين سنة ليست مجرد سنوات، بل هي مجموعة من الأعمار و من الأجيال، و هي جملة من الحقب التي تولدت داخل الاستعمار و بسببه، و هي الجهالة التي حاول ونجح الاحتلال غرسها في نفوس الجزائريين، و هي التغريب المقصود، و هي التنصير المستمر إلى يومنا هذا، و هي التبجح بأن الاستعمار كان إيجابياً على الجزائريين بحيث أخرجهم من الأمية إلى الثقافة الواسعة!كما قال أحد البرلمانيين الفرنسيين بكل وقاحة دون أن يعد أحد كلامه " إهانة للجزائريين".. هو كل الانتقاص المقصود إثارته ضد أمة بعينها، حوّلها المستعمر إلى أمة مغتربة، و غريبة عن هويتها الأصلية.. مع هذا، تبدو الجزائر هي المدعوة إلى الاعتذار لفرنسا على ما فعله الثوار ضد المحتلين، و لأن الثوار نجحوا بفضل من الله على طرد المستعمر من البلاد على مدى ملايين من الشهداء ( من 1830 إلى 1962)، و هي خيانة غير مغتفرة ليس بالنسبة للفرنسيين أنفسهم، بل حتى بالنسبة لأذنابهم الذين تـُركوا داخل الجزائر، و أخذوا ما أخذوه من الأماكن و الخيرات التي بموجبها صاروا ما صاروا عليه، و بموجبها تحول الشعب إلى " زبالة" في نظرهم!لهذا قد تطالب فرنسا من الجزائر بالاعتذار الرسمي لأن ثوارها الشرفاء طردوها من البلاد، مع أن المعمرين السابقين رفعوا قضية رسمية للمطالبة بأموالهم التي تركوها في الجزائر ( أي الأراضي و البيوت ) و يبدو أنهم ربحوها بسرعة دون أن يضطروا إلى تجديد الدعوى أو إعادتها، فهم يطالبون بحقهم في هذه الأرض، مثلما يطالب الأقدام السوداء ( وهي التسمية التي يطلقها الجميع على اليهود) بحقهم في الجزائر التي غادروها مع المحتل يوم استقلت البلاد، بمعنى أن كل تلك القضايا التي يرفعها المحتل السابق على الجزائريين تصل "تعويضاتها" إلى الملايير من الدولارات، فماذا تبقى للجزائر أن تطالب به إذن، و قد باشر الفرنسيون برفع قضايا تعويضات من الجزائريين؟ ما يبدو جليا أن فرنسا لن تعتذر، لأنها صارت تتكلم عن الإرهاب بعبارة " ما فعله الإرهابيون في الجزائر أكبر مما فعلته فرنسا طوال مئة و ثلاثين سنة" و هي السخرية التي كتبتها إحدى الصحف الشهيرة لتضحك على الجزائريين بعبارة " اطلبوا من الإرهابيين الاعتذار أولا" وكأن الإرهاب جاء من المريخ، و كأنه ليس نتاج مخلفات الاحتلال الذي تسببت فيه فرنسا المساهمة بشكل كبير في تجويع الجزائريين و تفقيرهم و تهميشهم بمعية أبنائها المقيمين بيننا و من أبناء جلدتنا، كأن الإرهاب ليس نتيجة العنف الآخر الذي خلفته الكولونيالية بكل ما تعني الكلمة من تجهيل الجزائريين و فرض عليهم نظام التغريب باسم الدمقرطة التي تعرت عورتها و صارت الجزء الأهم من القتل العمدي، فبين تفجير إرهابي يطال الأبرياء و احتلال يطال الشعوب خيط رفيع اسمه: الجريمة ضد الإنسان.