أكراد العراق واللعب بالنار
26 شعبان 1429

إن الدول والأقاليم لا يمكن أن تبنى بالتهديدات الفارغة التي لا تستند على قواعد متينة من اقتصاد وقوة عسكرية ومادية تضمن لهذه الدولة أو الإقليم الاستمرار في معترك السياسة الدولية اليوم.
ومنذ أن أعلن إقليم كردستان العراق شبه استقلاله عن العراق عام 1992 ،وهو يقتات على المساعدات الأمريكية وغيرها التي كانت تهدف إلى ضرب الحكومة المركزية في بغداد وإضعافها.
والإقليم ـ وبالرغم من أن قيادات الأكراد في العراق يصرحون دائما أنه هو جزء من العراق ـ إلا أن للإقليم علما و شعارا ونشيدا ورئيسا وبرلمانا وجيشا خاصا به.
ونحن لا نريد أن نتحدث عن مشروعية تشكيل الإقليم، وعن الجهات التي فوضته بالانفصال.
بل نود أن نبين أن الأكراد كانوا يتمتعون ومنذ عام 1970 بالحكم الذاتي حيث أعلنت الحكومة العراقية السابقة من طرف واحد منح الحكم الذاتي للأكراد في العراق ،وعلى الرغم من ذلك فقد اعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مصطفى البارزاني آنذاك بنود اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد لعام 1970 لا تلبي المطالب القومية للشعب الكردي في العراق.
إلى أن وقعت أحداث الكويت ،عام 1990، وما تلاها من تداعيات جعلت الساسة الكرد يقررون شبه استقلالهم عن العراق عام 1992، وظلت الأوضاع على هذه الحال إلى أن وقع العدوان الأمريكي الأطلسي واحتلال العراق عام 2003.
وبعد الاحتلال حاول الساسة الكرد ، استغلال الأوضاع المتردية المستمرة في البلاد، لصالحهم،وكأنها فرصتهم التاريخية ، وكانوا وما زالوا البوق الأول للفيدرالية وتقسيم العراقي ،وكانوا طوال الفترة الماضية يتظاهرون بالحنكة السياسية ووحدة العراق ،لأنهم كانوا ـ ومازالوا ـ يمنون أنفسهم بالاستيلاء على كركوك ومناطق من ديالى والموصل وغيرها طبقاً للقانون الذي اقره الاحتلال . وفي 22 من شهر تموز الماضي عام 2008؛ أقر مجلس النواب العراقي قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي الذي يتضمن مادة تتأجل بمقتضاها انتخابات مدينة كركوك إلى أجل غير مسمى بموافقة 127نائبا من أصل 140 حضروا الجلسة، فكان القشة التي قصمت ظهر البعير.
مما أثار حفيظة الأكراد ضد القرار ، في نوع جديد من الإرهاب هدد مسؤول إداري كردي رفيع في محافظة كركوك أمس بقطع إمدادات النفط عن سائر أرجاء العراق في حال استمرار تدخل مجلس النواب في العملية الانتخابية في المحافظة الغنية بالنفط.
وانسحب من الجلسة نواب التحالف الكردستاني، وهي الكتلة الثانية في البرلمان وله 53 من إجمالي مقاعده البالغة 275 مقعدا، محتجين على قرار رئيس مجلس النواب محمود المشهداني بجعل التصويت "سريا" على المادة 24من القانون، والخاصة بالوضع في كركوك.
وقرر مجلس رئاسة الجمهورية ـ بقيادة الرئيس العراقي الكردي جلال الطالباني ـ بعد يوم واحد نقض قانون انتخابات مجالس المحافظات.
وبعده بأيام دعا مجلس محافظة كركوك إلى ضم كركوك إلى إقليم كردستان .
هذه القرارت المتوالية يريد منها الساسة الكرد الضغط على حكومة المالكي المتهاوية لتحقيق جملة من المكاسب على حساب عموم الشعب العراقي ،ومنها ضم مدينة كركوك إلى الإقليم ، وهذه الرغبة الأنانية من جانب الساسة الكرد ، لا تخدم وحدة العراق ، بل ستكون الشرارة التي تقود البلاد ـ لا قدر الله ـ إلى ما لا يحمد عقباه .
وعلى ارض الواقع فإن الحلم الكردي ـ في الانفصال ـ هو خيال لا يمكن تحقيقه وذلك للأسباب الآتية:ـ
1- عدم وجود المقومات الاقتصادية الكافية الذاتية في الإقليم التي تسمح بالانفصال،إلا في حالة ضم مدينة كركوك إليه .
2- رفض دول الجوار العراقي التي يتواجد فيها مواطنون من القومية الكردية ومنها سورية وتركيا وإيران، لان هذه الخطوة حيث ستكون سببا لمشاكل داخلية في هذه الدول.
3- إن دول الجوار المتضررة من هذا الإقليم ستضغط اقتصاديا على حكومة الإقليم وكذلك حال حكومة المركز في بغداد.
4- إن ضم كركوك سيفتح المجال واسعا للتدخل التركي في القضية مما لا يخدم بالنتيجة امن واستقلال الإقليم والمنطقة.
5- الرفض الشعبي المتواصل في الشارع العراقي للتهديدات الكردية سيكون سببا في لجم هذه الإرادة غير المنطقية.
6ـ الخلافات الداخلية في الإقليم بين الحزبين الحاكمين حيث سبق وان انقسمت حكومة و برلمان الإقليم إلى جزئين في عام 1994 بعد نشوب خلافات داخلية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في الحكومة والبرلمان وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني و الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني حيث شكل الاتحاد الوطني الكردستاني حكومة و برلمانا خاصا به واتخذت من محافظة السليمانية عاصمة لها ،و شكل الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى حكومة وبرلمانا خاصا به واتخذت من محافظة اربيل عاصمة لها، وعقدت في محافظة اربيل في 20 يناير 2006 اجتماعا للحكومتين لتشكيل حكومة موحدة وتم تكليف نيجيرفان بارزاني بتشكيل الحكومة الموحدة.
وفي ضوء ما تقدم فان الورقة التي يهدد بها الساسة الكرد هي ورقة محترقة أصلاً ،وليس لها وجود مؤثر على ارض الواقع؛ وعليه فان من مصلحتهم أن لا يفتحوا أبواباً جديدة من أبواب المشاكل المتفاقمة في الإقليم حيث تشير منظمات المجتمع المدني إلى ازدياد أعداد الفقراء في الإقليم وكذلك أعداد المتسولين بالإضافة إلى الكثير من المشاكل الأسرية والتي هي ليست موضوع المقال .
إن شعب الكرد المسلم هو جزء لا يتجزأ من العراق على الرغم من خصوصيته القومية،إلا أن ما يجمعنا هو أكثر مما يفرقنا ،فديننا واحد وبلدنا واحد وحبنا لبعضنا البعض متبادل ،وعليه فان الساسة الغرباء عن الشعب الكردي لا يمثلون إرادة الشرفاء من الكرد الذين وان أرادوا حكما ذاتيا إلا أنهم لا يرضون بالانفصال عن العراق؛وهذا هو هدفنا جميعا .