أفكار عملية للعناية بالعلماء
6 شعبان 1429
من نافلة القول أن عناية العلماء بأنفسهم، وتوثيق الصلة بخالقهم، يجعل لهم دوراً ومكانة وأثراً عند الناس (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) (البقرة: من الآية282)، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم:96)، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر: من الآية28).
ومن نافلة القول كذلك أن أي إضعاف للعلماء مسبوق بضعف العلماء أنفسهم، فالإضعاف خارجي، والضعف عامل داخلي (وبينهما تلازم لا يخفى).
ومن العدل القول إن العلماء جزءٌ من سياق الأمة وواقعها.. فالضعف العام للأمة طال العلماء بالضعف.. وهذا إن فسر فلا يبرر الضعف.
ويقال في مقابل ذلك وإذا قويت الأمة في جانب فلا بد أن يكون للعلماء سهمهم في القوة.. وعلى سبيل المثال، فحين تكون ثورة أو نشاط المعلومات، والاتصالات، والفضائيات فلا بد أن يكون لأهل العلم سهمهم في هذه الميادين بما يصلح ويوجه ويضبط المسار، ويستثمر التقنية.
وحين يكون الحديث عن أفكار علمية للعناية بالعلماء فلا بد أن يسير ذلك في اتجاهين: 1- فردي. 2- وجماعي.
يعنى الأول بإصلاح العالِم لنفسه، وسد ثغراته – ما أمكن – ومجاهدة الهوى والشيطان والصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى والشعور بالمسؤولية، وباختصار تركيز العالم وطالب العلم لنفسه على جانبين: أ- العبادي. ب- العلمي، وهذه العناية الفردية مطلب بل ضرورة للإصلاح والعناية الجماعية فهي المهيئة والمعينة والدافعة للإصلاح الجماعي (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:9-10).
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو أنهم عظموه في النفوس لعظما
ولا نطيل في هذا الجانب فكلٌّ أدرى بنفسه وتقصيره، لكنا محتاجون إلى نَفْسٍ (لوّامة) لا تزال بصاحبها تلومه وتحفّزه حتى توقفه على مراق العز، ويصير من أصحاب (المجاهدة).
أما الاتجاه الجماعي للعناية بالعلماء.. فهو من الضرورة بمكان تدعو إليه وتؤكده نصوص الشرع (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: من الآية2)، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104).
وتؤكد الحاجة إليه كذلك ظروف الزمان القائم على تعاون الأفراد والمؤسسات وحاجة المشاريع الكبرى إلى جهود جماعية، هذا فوق ما في مجابهة الباطل بآلياته ووسائله المختلفة – من داعٍ إلى تضافر الجهود، والمشورة، والتعاون ونحن في زمن المؤسسات، وفي عصر العولمة – ومما يزري أن يكون أهل العلم والفضل أقل الناس استثماراً لهذه الطاقات من غيرهم.
إننا محتاجون إلى تفكير جماعي وجهود مشتركة حتى تصهر التجارب، وتُعمق المشاريع، وتتكامل الجهود، ويذهب رجز الشيطان، ويُطرد الإحباط، وتزول دواعي الإبلاس واليأس والقنوط.
وهذه مساهمة وقادحة زناد، وباعثة على التفكير لمقترحات ومشاريع عملية – تسير في اتجاه تعزيز مكانة العلماء والدعاة، ومن ذلك:
1- أهمية اللقاءات والمشاورات بين أهل العلم – ليس في النوازل فحسب – بل وفي أحوال الرخاء – فاللقاء عزيز والمشورة لا تأتي إلا بخير، ويمكن تفعيل هذه الملتقيات بأكثر من وسيلة، وتوسيع دوائرها.
2- ولا بد من تواصل في المعلومات عبر (أمانة) تُقترح، أو موقع (إلكتروني) يكون ميداناً لكل جديد، مزوداً بالمعلومات، راصداً للواقع بخيره وشرّه.
3- التفكير برابطة لأهل العلم والدعوة، تُقرب وجهات النظر، وتعطي تصوراً وموقفاً متقارباً – على الأقل – في النوازل والطوارئ، وهذه الرابطة تستدعيها روابط أخرى قامت – ليس أهل العلم أقل حاجة إليها – ويؤكدها استهدافهم، ويساهم في قبولها (الانفتاح) المشهود، والذي استفاد منه الآخرون أكثر من غيرهم.
4- التأكيد على الاتصال بالمسؤولين وكبار العلماء ومواصلتهم بالنصح والمشورة، وبيان حجم الخطر على الجميع، ورسم طرق للعلاج، على أن يكون لذلك لجنة أو لجان تُعد المعلومات وتكتب التقارير، وتتواصل مع المسؤولين والعلماء وأصحاب الشأن في البلد.
5- تحرير (وثائق) مهمة يُعنى بها العلماء ويكتبها القادرون منهم، وتكون باسم مجموعة منهم تتناوب وتتناول بين الفينة والأخرى أموراً تدعو الحاجة لبيانها، ومن الجميل أن تعنى بأمور الناس الدينية والمدنية، فتلك – فوق ما فيها من النصح والإعذار – فهي رصيد لأهل العلم، حين يسبقون في العناية بالشأن العام والخاص للناس.
6- التفكير الجاد بإنشاء قناة أو أكثر أو مواقع إلكترونية يدعمها أهل العلم والدعوة، ويُدعى القادرون لدعمها، وتكون وسيلة لنشر العلم النافع، وتقرير مكانة العلماء، وتطرح نماذج من دورهم في المجتمع – في الماضي والحاضر – وتُعرف بأسلوب أو آخر بالمناوئين لهم.. هذا فضلاً عما في هذه القناة من مشاريع وبرامج أخرى تسير في اتجاه الخير، وتكون داعمة لأهل الخير، ولبيان سبيل المفسدين مع التأكيد على أسلوب الطرح الراقي، والإعداد الجيد، والموازنة والمداراة المشروعة.
7- التأكيد على توحيد صف أهل العلم قدر الإمكان، واقتراح لجان أو أشخاص للإصلاح فيما يطرأ من خلاف وتقريب وجهات النظر – حتى لا يشغل العلماء والدعاة بأنفسهم – في وقت هم مستهدفون من أعداء لا يفرقون بين سوادهم، بل يستهدفونهم جميعاً.
8- تشكيل لجان مناصحة لبعض من يشطح بفكره أو فتواه – من أهل العلم والدعوة – من باب الإعذار أولاً، وحتى لا يتخذ من هذه الشطحات مجالاً للتعذر واتهام أهل العلم عموماً من قبل المتربصين والشانئين، ثانياً، وحتى لا تكون سبباً في مزيد انحراف المجتمع وفتنته ثالثاً (فزلة العالِم يزل بها عالَم).
9- لا بد لأهل العلم من تجاوز الحذر الزائد، والتخوّف عن كل تحرك، والقعود بهاجس (خوف الفتنة)، فتلك إذا زادت عن الحد المشروع باتت من (تخويف الشيطان) وتخذيله، وإذا كان أهل الريب والفساد قد بلغت بهم الجرأة مبلغها، وهم ضد توجه المجتمع، وضد سياسات البلد، فلا ينبغي لأهل الحق أن يقعدوا وهم أهل الخير ودعاة الإصلاح، فتأخرهم يجرئ غيرهم، ولو تنادو الخيّرون لملتقى باسم (بلادنا واختراق السياسات) أو (بلاد الحرمين بين الأصالة والاختراق) لحصل من ذلك خير عظيم حيث تبرز سياسات الدولة في (التعليم) و(الإعلام) وأنظمة (الحكم) وما يتعلق بـ(المرأة) ونحو ذلك من سياسات معلنة للدولة.. ثم يحاكم الواقع إليها، ومَن اخترقها؟ وما هي الخطوات التي تعمل في (الخفاء) لإعادة صياغتها؟ كل ذلك يكشف عن التجاوزات، ويوقف هؤلاء العابثين.. لأن الناس – وفي مقدمتهم العلماء – واعون لخططهم، ومدركون لاختراقهم.
10- يحتاج أهل العلم إلى إحياء فقه السياسة الشرعية، والمناورة المشروعة مع الجهات الرسمية، والمكاشفة الواعية مع المسؤولين، فالمصالح مشتركة، ولا بد من استثمار ذلك في تحقيق المصالح ودرء المفاسد، ولو كان ثمة تنازلات – يدعو إليها فقه الأولويات وتحقيق خير الخيرين، ودرء شر الشرين.
11- ومن المهم عناية العلماء بالمؤسسات والهيئات الشرعية، ودعمها، ومراجعة أخطائها، وإعادة تقويمها بما يخدم المصلحة ويحميها من ألسنة وأقلام أهل الريب، فتلك مؤسسات محسوبة على أهل الخير، وهي شجى في حلوق مَن في قلوبهم مرض، والتداعي لاستصلاحها ونصرة رجاله يساههم في تثبيتها ويعمم رسالتها ويعمق مناشطها، ويثبت رجالاتها.
12- ومن الخير والطموح التفكير بمؤسسات أو هيئات جديدة تنشر الخير، وتحارب الفساد، وتتيح فرصاً لتعددية الخير وانتشار الأخيار، ولو كانت بمسميات غير تقليدية، فالمهم عملها ومخرجاتها وليس المهم مسمياتها، فقد تحمل مسمى تربوي أو اجتماعي أو نحوها.
13- ولا بد أن يعنى العلماء وطلابهم بلغة الحوار، وقواعد المناظرة وأدب الخلاف، وآثار الاختلاف فتلك ونحوها (مصطلحات ومفردات) مهمة تعين على تقارب أهل العلم من جانب، وتعينهم على محاورة المخالفين وإقناعهم بالحجة وأدب المحاورة وسياسة المناظرة من جانب آخر.
14- استثمار المنابر الإعلامية لتعزيز مكانة العلماء ومن المقدور عليه في ذلك الوسائل التالية:
أ- حث الخطباء على الحديث عن هذا الموضوع وتسجيل الخطب المناسبة لتوزيعها، وإن أمكن تعميم من الوزارة فحسن.
ب- طباعة كتيب أو مطوية عن العلماء ومكانتهم ومحبتهم وحاجة الناس إليهم وأثرهم في المجتمع ونشره.
ت- تسجيل مادة علمية (غير الخطبة) في هذا الاتجاه وتوزيعها.
ث- ملف (مجلة البيان) عن العلماء ومكانتهم ووسائل تعزيزها.
15- تذكير المعلمين في المدارس – والأخيار منهم كثرة – بالحديث عن العلماء ومكانتهم في المجتمع، كلما سنحت الفرصة، وعبر مفردات المنهج الدراسي.
والسعي المستمر إلى مزيد تضمين ذلك في المناهج الدراسية لديمومته وتعميمه.
16- العناية بالتخصص – لا سيما في زمن التخصص – أمرٌ مهم، ومن المناسب أن يُعرف عن عدد من العلماء وطلبة العلم التخصص في قضايا وعلوم وفتاوى معينة ويُعرف عن آخرين تخصص وقضايا وفتاوى أخرى.. وهكذا.. فذلك يعمق نظرة العالم للموضوع من جانب ويخفف من حدة الاختلاف والتضارب في الفتاوى من جانب آخر.
وأخيراً – وليس آخراً – فإن وعي أهل العلم بأهداف هذه الهجمة.. وأنها تتجاوز العلماء إلى الميراث الذي يحملونه، والقيم التي يؤكدون عليها – كل ذلك يحفز على مزيد العناية بهذا الأمر، والله من وراء القصد، والزبد يذهب جفاءً ويمكث في الأرض ما ينفع الناس، لكن لا بد من اليقين والصبر والثبات والمجاهدة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).