أنت هنا

موريتانيا.. إلى الحظيرة الديكتاتورية العربية
5 شعبان 1429

 

لا حظَّ للشعوب العربية في عيشة كريمة يحترم فيها العسكر أو غيرهم إرادتها وحقوقها وكرامتها ما دامت غير تواقة للحرية ولا تسعى إليها.

ولا جدوى من تعلقها بحبال الإصلاح السلطوي إذا لم تخط في طريق إصلاح ذاتها وتمسكها بحقوقها العادلة وانسجامها مع دينها ما يجعل تلك العساكر والدساكر تعرف سبيلها إلى إذلالها والتحكم فيها وسومها ألوان الضيم والمعاناة.

لا عجب أن تتقهقر المكتسبات وتتراجع الإصلاحات ما ظلت شعوبنا تهتم بالغير أكثر من اهتمامها بإصلاح دواخلها وتهذيب نفوسها وإقامة العدالة في حياتها ومعايشها على تنوعها؛ فالقرآن الكريم قد بين: "أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟! قل هو من عند أنفسكم"، والمصائب في عالمينا الإسلامي والعربي لا تتوقف، وكل يوم نسمع ما يؤكد هذه الذاتية المسببة لهذا الارتكاس ولا تبدي كثير من الشعوب المسلمة ما يجعلها تمسك بيدها خارطة الطريق.

بالأمس انقلاب في موريتانيا، معلوم للجميع كيف يتلاعب الغرب وأتباعه وطوابيره حتى الخامسة بقيم شعبه، وكيف يهزؤون بإرادته، وكيف يرسمون لسياسة تلك القطعة الغالية من بلداننا الإسلامية سيناريوهات التدجين الحائلة دون رجوع هذا الشعب لقيمه وأصالته الإسلامية والعربية على النحو المرتجى والمأمول.

عادت موريتانيا إلى حظيرة دول العرب الديكتاتورية المتسلطة والفاسدة، ولم تجاوز قيد أنملة حدود المرسوم في دواليب "الاستعمار" ولم تتمكن من تجاوز الخطوط الحمراء التي كان من ضمنها ألا يكون هذا البلد عنواناً للمقاطعة بعد أن كان عنواناً للتطبيع مع الكيان الصهيوني إبان حكم الرئيس معاوية ولد سيدي الطايع الذي أطيح به في أغسطس من العام 2005، لتنتهي ثلاثة أعوام من الأحلام بغد أفضل لموريتانيا بعد أن قال الشعب كلمته في اختيار حكامه.

وفي الحقيقة لم تكن هذه بالفعل إلا أحلاماً ساقتها تمنيات بأن يعرض العسكر أنفسهم للخطر من أجل عيون الشعب الموريتاني، ولم يكن إقامة نظام ديمقراطي هناك إلا وهماً سيطر على الناس والمراقبين على حد سواء؛ فمع أول توقعات لنتائج الانتخابات الرئاسية كان مفهوماً بشكل تلقائي أن سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله رئيس البلاد لم يكن إلا قشرة تغطي ثمرة السلطة، التي كانت بلا ريب في يد الجنرال محمد ولد عبد العزيز قائد الحرس الرئاسي، والجنرال محمد ولد الشيخ محمد احمد الغزواني قائد أركان الجيش، اللذين أطاحا بالرئيسين السابق والأسبق في انقلابي 2005 و2008، وكان معروفاً أن نجاح الشيخ عبدالله في الانتخابات الرئاسية لم تكن إلا عارية مضمونة للجنرالات لابد من استرداد استحقاقاتها في الوقت المناسب، وهو ما يبدو أن الرئيس الوحيد الذي لم يكن يدركه وعزلهما فأطاحاه.

لا أحد يدرك على وجه اليقين إن كان الرئيس قد أطيح ورئيس وزرائه لأسباب تتعلق بتقاربه مع المعارضة ومنها الإسلامية ورغبته في التضييق على قوى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما رفضه الغرب، أم لا. وإن كان الظن في ذلك أقرب للتصديق من التكذيب، إلا أن النهاية التي جرى بها إطاحة الرئيس ورئيس الوزراء كانت موغلة في الرجعية والتخلف السياسي، وكانت تؤشر على أن الغرب ما زال يعتبر الحكام العرب دمى، والمنقلبين عليهم كذلك أيضاً.

ولا ضير أن ينظر الغرب لنا كذلك؛ فذاك شأنه، لكن الأهم أن تكون شعوبنا مصَادرة الحقوق سليبة الإرادة في دولنا العربية، وهذا ليس مرده مفهوم المؤامرة على الدوام، وإنما كوننا لم نعد إلا حقلاً لتجارب الغزاة ومسرحاً لتمثيلياتهم وميداناً لفروسيتهم ومحلاً للعجز والاستسلام.. وتلك التي قال عنها ربنا "قل هو من عند أنفسكم".