أنت هنا

رئيس يشجع المخدرات!!
26 رجب 1429

قبل شهر تقريباً أجلب الغرب بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ وحشد طاقاته السياسية والمالية والإعلامية-بعد العسكرية- ،وذلك في مؤتمر استضافته العاصمة الفرنسية، في مسعى محموم على تخوم اليأس، لعله يستنقذ ما تبقى من "ماء وجهه" المراق في جبال أفغانستان الفقيرة،وبواديها المقفرة،على أيدي مقاتلين شبه عزل،ليس لديهم سوى دراجات نارية متهالكة وعدد ضئيل من السيارات البائسة التي يغنمونها من جنود حلف شمال الأطلسي وأذيالهم المحليين!!وهناك قررت الحكومات الغربية تخصيص 20 مليار دولار أمريكي لمحاربة مقاتلي طالبان ومكافحة المخدرات!!؟؟

وسعياً من الغرب لمداراة خيباته المتوالية في حرب غير متكافئة بحسب موازين القوى المادية(من حيث المال والسلاح حجماً ونوعاً ومن حيث التقنيات المتقدمة والدول المتواطئة أو الصامتة رغباً أو رهباً)، فقد حاول الإعلام الغربي الضخم وضع البندين الشائكين في أقصى نقطة معتمة تجنباً للشماتة.فالحصاد على جبهة ما يسميه الأمريكيون إرهاباً جاء بنتائج عكسية،سواء في أفغانستان ذاتها أم في بلدان أخرى قريبة وبعيدة،حتى إن المقاتلين الأفغان قاموا بعمليات جريئة جداً في عقر دار الحكومة الهزيلة التي نصّبها "العم سام" في كابل،في حين كان جنوب البلاد وشرقها هما المجال الحيوي لطالبان على مدى السنوات السابقة.

ولا تختلف الحال على الجبهة الأخرى: مواجهة تجارة المخدرات، فقد سقطت أكذوبة الإعلام الغربي غير النزيه عن تفشي هذا الطاعون في فترة حكم طالبان،إذ إن تقارير الأمم المتحدة-وهي خصم معلن لطالبان من قبل ومن بعد-لم تستطع تزييف حقيقة ساطعة كالشمس في ظهيرة يوم صائف،وهي أن العكس هو الصحيح، فطالبان لم تكن تغض النظر عن مخالفات شرعية لا يمكن مقارنتها بشرور المخدرات وحجم أذيتها والحزم في الموقف الشرعي منها وهو تحريمها تحريماً قطعياً ومغلظاً.

ولعل تقرير المنظمة الدولية لعام 2004م يكفي للتمثيل، ولاسيما أنه استفز الولايات المتحدة الأمريكية وأخرج مسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع عن الحد الأدنى من الدبلوماسية لكي يوجهوا هجاء بذيئاً للأمم المتحدة والوكالات التابعة لها وحتى كبار موظفيها!!

غير أن الفضيحة الأحدث في هذا الميدان سوف تجعل بوش الصغير يحنّ إلى تقرير2004م،

فيراه نوعا من "النعيم"بالقياس إلى الروائح التي تزكم الأنوف من الوضع الراهن،حيث لم تعد قدرات التضليل الإعلامي الهائلة كافية لتحجيم العفن المتصاعد؛ فالذي أطلق الاتهامات الرهيبة الأخيرة أمريكي الجنسية،والأدهى من ذلك أنه ليس مواطناً أمريكياً عادياً دفعه الفضول أو معارضة سياسات المحافظين الجدد إلى أن يقول ما قال، بل إن الرجل ليس صحفياً من الصحافيين النادرين المتمسكين بالموضوعية وشرف الكلمة فعلاً..لا،فالرجل-توماس شويس- موظف رفيع المستوى في  الخارجية الأمريكية،إذ كان مسؤولاً عن مكافحة المخدرات!!

والأقسى من كل ما سلف أن  اتهامات شويس المبنية على معلومات موثقة واطلاع مباشر لم تقف عند مستوى الوزراء أو رجال الصف الثاني في الحكومة العميلة في كابل،بل إنه تجاوز الخطوط الحمر التقليدية فسدد الطعنة إلى رأس السلطة الذيلية:كرزاي شخصياً،الذي يؤكد شويس أنه يعرقل الحرب على  المخدرات ويوفر الحماية لكبار المجرمين من تجار هذه السموم الفتاكة!!ومضى الرجل الجريء فاتهم حكومة بلاده نفسها وقيادات حلف الناتو بعرقلة الجهود الرامية لمكافحة المخدرات في أفغانستان!!

وقد عزز من صدقية اتهامات شويس المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز،تزامنها مع تصريحات رئيسة مكتب الأمم المتحدة لشؤون مكافحة المخدرات والجريمة،وإن كانت هذه المسؤولة قد جبنت عن تسمية الأشخاص على غرار توماس شويس،لكنها في كل حال أكدت صحة ما قاله!! وهكذا تسقط الأقنعة المستعارة عن الغرب المنافق، وتتجلى حقيقة الديمقراطية التي يزعم أنه يريد نشرها بين الشعوب، وتتأكد حقيقة الغرب التي لا تتبدل بتبدل الزمان والأشخاص،وبخاصة لمن اطلع على حرب الأفيون في أي موسوعة معرفية حتى لو كانت غربية!!