أنت هنا

لبنان في جيب دمشق مجدداً..
11 رجب 1429
خلافاً لكل التوقعات التي راجت منذ سنوات طويلة-وتحديداً منذ عام 2005م-، خرج النظام السوري من "عزلته"الدولية، حتى شهدنا اليوم الرئيس الفرنسي ساركوزي ينهي مع سوريا قطيعة مزمنة ليحتفي ببشار الأسد حفاوة مبالغاً فيها، ويقرر زيارة دمشق بعد شهرين!! وهذا الانتقال المفاجئ من خصومة حادة إلى حب جارف، ليس مألوفاً في العلاقات بين الدول ذات الأوزان المتكافئة، فكيف يكون الأمر بين دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن وإحدى مستعمراتها السابقة؟
سيقول السفهاء من الناس:إنها براعة سحرية يملكها نظام الأسد الابن!! في حين تكشف القراءة المتأنية لتركيبة هذا النظام وعلاقاته الخفية بالقوى الغربية التي تخصص في شتمها علانية، تكشف أسرار بقائه بل وإظهاره بمظهر "المنتصر" بالرغم من سخونة الاتهامات التي كالتها له إدارة بوش الابن عقب غزوها العراق وإزالة نظام صدام حسين.
وليس سرّاً أن تل أبيب شارون هبّتْ لنجدته عندما تبنى بعض المحافظين الجدد فكرة التخلص منه، وبخاصة بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في 14 / 2 / 2005م،  واتهام سوريا بالجريمة، وهو ما اضطرها إلى سحب جنودها من لبنان.فاليهود يحبذون استمرار نظام ضعيف ومعزول شعبياً، ولا سيما أنهم اختبروا وفاءه معهم حيث ظلت جبهة الجولان المحتل برداً وسلاماً على الكيان الغاصب، فهم لا يبالون بشعارات الممانعة التي يتشدق بها بعثيو الشام.ولعل خير برهان عملي قريب على الازدواجية ذات العمق الباطني للنظام السوري، يتمثل في حرب صيف 2006م بين الصهاينة وحزب اللات، إذ سكت الأسد خلال المعارك ولم يقدم لأذياله سوى الدعم اللفظي الإعلامي، ولم ينتهز فرصة ذهبية لتحرير أرضه المحتلة، بل الأدهى من ذلك كله أن رجل أعمال أمريكياً من أصل سوري(نصيري!! )، كان يفاوض اليهود في فلسطين المحتلة في فترة تدمير اليهود للبنية التحتية في لبنان!!
فلما وضعت الحرب أوزارها ظهر نظام دمشق كأنه أبو ما سماه وحزب اللات"نصراً إلهياً"،  ثم راح يوزع الشتائم على اللبنانيين والعرب الذين لا يتحالفون مع الولي الفقيه في قم.
ولا ينسى العقلاء أن الأسد الأب –المتصدر لراية العروبة!! -دعم إيران الفارسية في حربها ضد العراق العربي على مدى ثماني سنوات، ثم حارب عراق صدام صراحة تحت الراية الأمريكية!!
وها هو الابن-الذي يقال في الأمثال:إنه سر أبيه-يجهر ببعض الخفايا ، فيعقد مفاوضات غير مباشرة مع أولمرت، لكي يستعيد رضاء عمه الأكبر"العم سام" كاملاً، ولكي يضرب على وتر الضعف الرئيسي لفرنسا ساركوزي أي الارتماء في حضن اليهودية العالمية، وقد تحقق الأمر وكأنه ضربٌ من الشعوذة أو كأنه بين دول نامية تتقلب فيها العلاقات بحسب مزاج الحاكمين في ساعات!! فاضطر قصر الإليزيه إلى ابتلاع مهانة التلاعب الذي مارسه نظام الأسد الابن عليه قبل شهور معدودة، عندما توسط الفرنسيون لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، فجعلهم السوريون أضحوكة أمام الملأ!!
وفي خلفية المشهد المضحك المبكي، علاقة مريبة مديدة ترجع إلى حقبة الاستعمار الفرنسي لسوريا، حيث آزر الفرنسيون الطائفة النصيرية التي تواطأت أكثريتها مع الغاصب الأجنبي، وحرص الاستعمار إلى محو اللقب التاريخي لهذه الطائفة وأحلوا محله مصطلح"العلويين"الذي ساد وعمّ.
ولعل القارئ الكريم ما زال يتذكر صورة بشار الأسد الذي لم يكن له أي منصب في عهد والده، وهو يدخل قصر الإليزيه فيستقبله الرئيس السابق جاك شيراك رسمياً في خرق للبروتوكول غير مسبوق، وذلك لدعم مساعي الأب لتوريث الجمهورية لولده بشار!!
والمتوقع أن يُعطى النظام السوري قريباً حق التحكم في مصير لبنان لتشييد حلف الأقليات ليضم النصارى والدروز والرافضة بقيادة اليهود ضد المسلمين السنة، ولذلك فهو لن يحتاج إلى إلغاء الانتخابات النيابية التقليدية في لبنان –خلافاً لتوقعات البعض-ما دام أزلامه سيمسكون بخيوطها تماماً، ولن يعود إلى هناك عسكرياً لانتفاء الحاجة وتبدل الظروف.