أنت هنا

فضيحة "الحرة"..
9 رجب 1429

أن تعمل قناة فضائية تابعة لدولة احتلال على التمهيد لهذا الاحتلال قبل مجيئه أو الترويج له بعد غزوه؛ فهذا أمر متفهم ومنطقي ولا عجب في أن تفعله دولة غازية متطورة، فالذي تقوم به حينئذ لا يجاوز خلق الأولين من المحتلين على مر العصور وإن اختلفت الأدوات وتنوعت الآليات.

ونابيلون بونابرت حين قرأ موالوه بيانه الشهير للمصريين أيام احتلالهم مصر قبل ثلاثة أعوام من انتهاء القرن الثامن عشر الميلادي يدعوهم فيه إلى تأييد جيوش الفرنجة المحتلة لبلادهم، وحيث جلب معه مطبعته وتركها بعد ذلك في البلاد لم يكن هو أيضاً بدعاً من القادة الغزاة في العالم؛ فطبيعة الأشياء تقتضى أن يكون ثمة غطاء لهذا الاحتلال يسعى لأن يديم هذا الاحتلال ويستبقي حالة التخدير التي تقوم بها آلته الإعلامية سواء أكانت في صعيد المعارك أم في معترك الحياة وصراع لقمة العيش وفوارق الثقافة بين قوى الاحتلال والدولة المحتلة.. كل هذا ـ كما تقدم ـ متفهم ومنطقي، ولا إشكال في قراءته، غير أن الغريب هو أن تعمد هذه الدولة المحتلة إلى التهيئة الإعلامية والثقافية لجحافل الغزاة من دولة أخرى، أو تمنح شركائها أكثر مما تمنحه لنفسها من كعكة التضليل الإعلامي، ثم تدعي في النهاية أنها تعاديهم.

هذه كانت أكبر فضائح قناة "الحرة" الفضائية التابعة رسمياً للولايات المتحدة الأمريكية، والممولة من الحكومة الأمريكية والتي زودتها بأكثر من 375 مليون دولار خلال الأربعة أعوام الماضية لتجميل وجه الولايات المتحدة الأمريكية الكالح في البلدان العربية؛ فإذا هي تنفقها لمصلحة إيران في النهاية!!

فالتفاصيل التي نشرتها واشنطن بوست في صفحتها الأولى قبل أيام كانت جد مخجلة لكل من يتصور صراعاً حقيقياً بين الولايات المتحدة وإيران، والحقائق التي تكشفت مذهلة في هذا الصدد؛ فالمدير السابق للقناة موفق حرب الطائفي كان يعمل في منظمة "أمل" الشيعية اللبنانية كأحد أتباع زعيمها، رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، ومن فرضهم على القناة كانوا كذلك مثله طائفيين، وعند سبر أغوار الخلاف الذي أدى في النهاية إلى استقالة مدير مكتب الحرة في بغداد سعد موحان الربيعي يتبين أيضاً أن لهذه الاستقالة التي جرت قبل أسابيع أسباباً طائفية، وما أماط هو اللثام عنه في مقابلة لإحدى المواقع الإخبارية من تهميش لإعلاميين يعملون في القناة من أمثال علي عبد الأمير اعجام ومحمد علي الحيدري وهاشم علي مندي وناصر طه وكاظم مرشد سلوم وغيرهم يشي بذلك.

طائفيون نعم يشغلون جل المناصب في القناة زرعهم موفق حرب من قبل، وأدوا دورهم المنوط بهم لدعم إيران وخططها التوسعية في العراق ولبنان وحتى البحرين، ودفعت الحكومة الأمريكية رواتبهم بسخاء، وحين فاحت رائحة الفشل الإعلامي للقناة، أطاح الممولون لها بموفق حرب، وأحلوا الأمريكي لاري ريجسترز بدلاً منه في العام 2006، ثم لم يلبث هذا الإعلامي القادم من  CNNأن أجبر على تقديم استقالته عام 2007 بعد نشر صحيفة وول ستريت تقريرًا جاء فيه أن قناة الحرة نشرت خطاب حسن نصر الله كاملاً من دون تحرير، وهو للطرافة ما فعله سلفه موفق حرب من قبل في العام 2006!!

وبعد الفضيحة التالية لم تجد الإدارة في الحرة بديلاً لريجسترز إلا دانييل ناصيف اللبناني، لكن يا للغرابة؛ فلقد كان ناصيف الذي كان يشغل منصباً إدارياً في راديو سوا لا علاقة له بالإعلام بشكل مباشر، ولا يتوافر على خبرة صحفية تؤهله لمنصب كهذا، كان يعمل بالأساس مديراً للعلاقات العامة للجنرال عون!!

إنها نُقلة من "أمل" إلى "التيار الحر" ضمن حدود "المعارضة" اللبنانية التي تزعق ليل نهار بأن الولايات المتحدة تقف حجر عثرة ضد "مشروعها المقاوم" في لبنان، وتزعم على الدوام أن هذه الدولة العظمى تساند "الموالاة" بقوة، وإن لم تجعلها هذه القوة تحرك ساكناً حين كانت بيروت تحت احتلال "حزب الله"..

هي حلقة إذن تكشف ضمن سلسلة طويلة، وقنوات متشعبة، حجم التعاون المستور بين الولايات المتحدة وإيران، إلى حد يجعل من الصعب تفهم وجود صراع بين دولة تمول قناة لتفيد "أعدائها" بها!!