انقلاب تركيا .. هل هو رسالة للعدالة لتقبل بحل الحزب ؟
2 رجب 1429
جمال عرفة
هل يمكن أن يصدق أحد أن الجيش التركي والمؤسسة الأمنية التركية حريصة على عدم إيذاء التجربة الإسلامية التي يقودها حزب العدالة والتنمية ، ولذلك اعتقلت أجهزة الأمن الموالية للتيار العلماني ، جنرالات سابقين وعلمانيين بحجة السعي لتدبير انقلاب عسكري في تركيا ضد رئيس الوزراء وأردوغان، وفي وقت يحاكم وأردوغان وحزبه أمام المحكمة الدستورية التي هي الفرع الثاني لجناحي العلمانية التركية الأتاتوركية بغرض حل الحزب ومنع 72 من قادته من ممارسة العمل السياسي ؟!
ولماذا إعلان القبض علي شبكة الانقلابيين العسكريين هذه في نفس يوم فتح المحكمة الدستورية التحقيق في البلاغ الذي قدمه المدعي العام والذي يطالب فيه بحل حزب العدالة وعزل قادته سياسيا ؟ ثم الأغرب : كيف يدبر عسكريون لانقلاب عسكري ضد رئيس الوزراء والحكومة ويقول قادة الجيش الفعليون أنهم لا يعلمون شيئا عن هذا الانقلاب أو عن اعتقال مدبريه ؟  
بعبارة أخرى : هل ثمة رسالة سياسية ما يسعي تحالف العلمانيون الأتراك ( الجيش – القضاء – الأحزاب الاتاتوركية) لإبلاغها لقادة حزب العدالة من خلال هذا الانقلاب – ربما الوهمي – تقول لهم أن الأفضل لهم هو الاستقالة وقبول حل الحزب وعدم تصعيد المعارضة ضده وضد المحكمة الدستورية والانصراف بهدوء وقبول الهزيمة أمام التيار العلماني ، لأن البديل الأخر هو سعي العلمانيين المتطرفين لمحاربة قادة العدالة وتدبير أعمال العنف والانقلاب ضدهم بما يضرب بتركيا ككل !!
هذا السيناريو لا يمكن استبعاده علي الإطلاق ، بل وواضح أنه مقصود به توجيه رسالة للعدالة وأنصار التحول الإسلامي الهادئ أنه : ما لم ينسحبوا في هدوء ويقبلوا بالانقلاب الدستوري – عبر حكم المحكمة الدستورية المرتقب بحل الحزب – فلن يكون أمامهم سوي خيار العنف والحسم العسكري والانقلاب !.
والأغرب أن الرسالة الانقلابية هنا تسعى لتحميل العدالة (الحزب الشرعي) مسئولية أي توتر أو عنف أو تدهور لأحوال تركيا مستقبلا لو رفض هذا الخيار السلمي وأبتعد عن السلطة وقبل مسألة عزل الحزب في هدوء وتجميد نشاطه ، أو سعي للتصعيد ضد المحكمة الدستورية أو العلمانيين بإنشاء حزب جديد أو بوضع تغييرات دستورية جديدة تقلص دور المحاكم التركية في حل الأحزاب .
الوطنيون الجدد
ومع أن قضية الانقلاب التي أعلن عنها قديمة وقيل أن التحقيقات المستمرة المتعلقة بالقضية المعروفة بـ "الوطنيون الجدد" أو "جماعة ارجينيكون" كانت وراء شن قوات الشرطة التركية حملت اعتقالات شملت ضباط سابقون في الجيش ورئيس غرفة تجارة أنقرة وكاتب صحفي معروف في صحيفة جمهورييات ، فلا ينفي هذا أن هناك محاولة من قبل العلمانيين عموما - تصاعدت مؤخرا - للتهديد بسلاح التطرف العلماني اليميني الاتاتوركي الداعي للعنف وضرب الاستقرار في كل تركيا في حالة استمر التغيير نحو مزيد من القيود علي التعاليم الأتاتوركية الديكتاتورية .
فحملة الاعتقالات الأخيرة التي جاءت على خلفية الانقلاب العسكري قيل إنها "في إطار التحقيقات المستمرة في قضية تعرف بالوطنيين الجدد"، وهم معروفون في تركيا على أنهم يشكلون ما يسمي "أركان الدولة الخفية" ، وهي حمله بدأت العام الماضي من خلال اعتقال ضابط في الجيش سابقا وجدت الشرطة في مزرعة يمتلكها في استانبول ، أسلحة ومتفجرات ، قالت أنها ستستخدم لزعزعة أمن تركيا ولإحراج حزب العدالة والتنمية والسعي للقيام بانقلاب .
وشهدت تركيا أربعة انقلابات عسكرية خلال الأعوام الخمسين الماضية، ويقول محللون سياسيون إن هناك قوميين متشددين في قوات الأمن التركية والجهاز الإداري للدولة يشكلون جماعة تسمى "أرجينيكون" وهم مستعدون لمخالفة القانون من أجل برنامج عملهم الخاص بما في ذلك تدبير الانقلابات.
واعتقل أكثر من 40 شخصًا بينهم ضباط سابقون بالجيش ومحامون وصحفيون خلال العام الفائت للاشتباه في صلتهم بأرجينيكون ونفى الجيش الذي انتقد الحكومة مرارا أي صلة بالجماعة.
ولكن اللافت للانتباه هو أن حملة الاعتقالات جاءت قبل ساعات قليله من بدء المحكمة الدستورية النظر في القضية المرفوعة ضد حزب العدالة والتنمية لإغلاقه ، كما أن المؤسسة العسكرية نفت علمها مسبقا بحملة الاعتقالات ، ونفي نائب قائد الأركان وقائد القوات البريه " الكر باشبوغ " ما تناقلته وسائل الإعلام من إعطاء الجيش الضوء الأخضر أو دخوله في مساومات فيما يتعلق بهذه القضية .
حيث قيل إعلاميا تكهنات بان رئيس الوزراء " رجب طيب اردوغان" قد حصل على الضوء الأخضر لاعتقال ضابطي الجيش خلال لقاء جمعه "بباشبوغ "الأربعاء الماضي لا سيما وان احد المعتقلين يحمل رتبة عقيد سابق، وهو ما نفاه قائد القوات البريه بشده قائلا " أن ما تناقل من أنباء أو ما تناولته بعض التحاليل الصحفية حول حدوث مساومات بين الجيش والحكومة جرى خلال هذا اللقاء مجرد نسج من الخيال وليس له أية صلة بالواقع ولم يتم التطرق إلى هذا الموضوع نهائيا خلال اللقاء المذكور " .
وهذا النفي من قبل قادة الجيش ، والحرص علي إعلانه ، وكذا إعلان رئيس الوزراء وأردوغان أنه لم يبلغ بأي شئ عن الاعتقالات والانقلاب .. ينفي سيناريو عفوية هذا الانقلاب ويؤكد – في رأي محللين – نظرية أنه مدبر وبعلم قادة الجيش مع العلمانيين في الجيش والأجهزة الأخرى وليس بعلم حزب العدالة الذي ثبت أنه لا يعلم عنه قادة العدالة شيئا .
كما أن الهدوء الذي دعا له اليوم الأربعاء الجنرال الكر باشبوج قائد القوات البرية ،وهو ثاني أقوى جنرالات الجيش التركي ، بعد اعتقال اثنين من كبار الجنرالات وقوله أن "تركيا تمر بأيام عصيب وعلينا جميعا التصرف بحكمة وحذر أكبر ومسؤولية اكبر" ، يؤكد نفس النظرية عن تنسيق مسبق للجيش مع أصحاب محاولة الانقلاب الوهمية هذه ، بدليل أنه قال هذا في أعقاب تقارير تحدثت عن استفادة حزب العدالة من محاولة الانقلاب لأنها أظهرتها "ضحية" وشهيدة الديمقراطية وليست عدو الشعب التركي وتقاليد أتاتورك كما يقول العلمانيون !
إذ استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ما أعلن عن المحاولة الانقلابية وحول الدفة لصالح حزبه بإعلان أنه : "ليس حزب العدالة والتنمية هو ما لا يمكنهم تحمله.. ما لا يمكنهم تحمله (يقصد العلمانيون) هو الديمقراطية.. الإرادة الوطنية.. مشاعر الناس وأفكارهم" ، وأعقب هذه التصريحات حملة تعاطف قوية مع العدالة ضد المحكمة الدستورية .
أيضا ما أزعج العسكريين ودفعهم لإطلاق التصريحات التي تسعي لإعادة الدفة ضد حزب العدالة ، هو كشف استطلاع للرأي - نشرت نتائجه صحيفة "ميليت" التركية أمس- أن غالبية الأتراك يعارضون حظر الحزب الحاكم، الذي ما زال يمثل خيار الناخبين الأول .
وكشف الاستطلاع أن 53.3% من المستطلعة آراؤهم ضد حظر الحزب، وأن 37.7% يرون أن حظره سيثير فوضى اقتصادية وسياسية.
تري هل هو انقلاب عسكري وهمي استهدف إقناع قادة "العدالة" بالانسحاب طواعية وسلما من المعركة ضد العلمانيين والقبول بحل الحزب سلما بدلا من تدخل الجيش أو اندلاع الفوضي من قبل هؤلاء الوطنيون أو القوميون المتعصبون وتحول تركيا لساحة فوضي تفقد فيه ما حققته من تقدم .
نعم سعي العلمانيون في تركيا لتصوير الأمر علي أنه حملة اعتقالات حكومية قامت بها وزارة الداخلية - المفترض أنها تابعة لحزب العدالة – واتهموا حزب العدالة بالانتقام من العلمانيين ردا علي خطط حل الحزب ومنع قادته من مزاولة العمل السياسي ، ولكن الصحيح هو أن أغلب المؤسسات الأمنية شبه مستقلة وتتبع نفس النهج العلماني ومن المستبعد أن تكون قد تحركت بطلب من حزب العدالة أو رئيس الوزراء وهو ما أكده أردوغان في بداية الأمر قائلا أنه لا يعرف ما حدث ، ما يؤكد فكرة أنه انقلاب مزعوم مدبر بغرض نقل رسالة لحزب العدالة والتيار الاسلامي أن يتنازل طواعية .. وإلا !؟