أنت هنا

بدعة تركية جديدة: انقلابان متكاملان برأس واحد وغاية واحدة
1 رجب 1429

ما يجري في تركيا في هذه الأيام من مؤامرات لإسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية،يضطر الثكلى إلى الضحك،لكنه-كما قال أبو الطيب المتنبي يوماً-ضَحِكٌ كالبكاء!!

فقد هتك الله عز وجل ستر أحفاد أتاتورك المتسلطين على رقاب 70مليون مسلم هناك،فتبين أنهم يخططون لإزاحة حكومة رجب طيب أردوغان بكل السبل المتاحة،والسبل المتاحة أمام التغريبيين في تركيا اليوم ضيقة جدّاً،إذ تنحصر في نطاق الانقلابات والتآمر الخارج على أبسط مقومات الدولة الحديثة،التي يزعم الأتاتوركيون-زوراً وبهتاناً-أنهم شيدوا صرحها وأنهم الساهرون الأمناء على استمراريتها.فلقد جرّب أولئك المهزومون المأزومون الانتخابات النيابية المبكرة فكانت وبالاً على أحلام يقظتهم،وعاد أردوغان وصحبه إلى سدة الحكم بتفويض شعبي أوسع من ذي قبل،ولذلك فلم يعد أمام هؤلاء الذين نبذهم شعبهم سوى الوسائل الملتوية والأساليب القذرة.

وكان الجنرالات الأتراك الذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على الشعب التركي كله،يمارسون  هوايتهم الأثيرة(الانقلاب العسكري الفعلي أو التلويح المتوتر به)،كلما ظهر الشبح الإسلامي في وجوههم:انقلاب عام 1960 ضد عدنان مندريس،وانقلاب 1980 كخطوة وقائية لمنع الإسلاميين من مجرد المشاركة الحقيقية في السلطة،ورفع قبضتهم في وجه نجم الدين أربكان قبل عشر سنوات فاضطر الرجل إلى الرحيل بصمت!!فالمشهد في الوقت الحاضر يختلف عن تلك الفترات جذريّاً،من حيث الأشخاص والأفكار والنهج السياسي والمعطيات المحلية والإقليمية والدولية،بالرغم من الدعم الغربي المطلق لعسكر تركيا وبطشهم بالمسلمين قبل أن تقع أحداث11سبتمبر-الشماعة المفضلة غريباً-بعقود مديدة من الزمن.

وهذا التحوّل يعد إنجازاً بالمعايير الشكلية،وقد أسهم في تحقيقه نضج الجيل الجديد من الساسة المتشبثين بهوية أمتهم وبراعتهم في إحراج العسكر والغرب المنافق معاً،ومن العوامل الإيجابية كذلك ارتفاع مستوى الوعي لدى شرائح اجتماعية كانت مغيبة عن المشاركة أو ذات مواقف سلبية بتأثير غسل الدماغ المستمر لها عبر السنين من خلال الاحتكار الإعلامي والتعليمي،كما ساعدت في بلوغ هذا التحدي للانقلابات السافرة ثورة الاتصالات والتدفق الهائل في المعلومات....

وقد يبدو أن ثمة تعارضاً بين هذا التطور الملحوظ وبين وصفنا له بأنه تطور في الشكل دون المحتوى،وهو تعارضٌ متوهم لا يبدده سوى قراءة المسلك البديلة التي لجأ إليه العسكريون الآن للتخلص من النمر الإسلامي المخيف،وأبرزها التلاعب بالدستور والقضاء في مسارين متوازيين متكاملين،لكي يظهر الانقلاب بثياب "ديموقراطية"زائفة،ولإخفاء مخالب الجنرالات الحاقدين.وفي الوقت ذاته استعان الأتاتوركيون البائسون بجنرالات متقاعدين للغاية ذاتها،فإذا نجحت مؤامرتهم تتحقق للعسكريتاريا الفعلية سيطرة مباشرة طالما تاقت نفوسهم العليلة إليها،وإذا تم اكتشاف المخطط الإجرامي يستطيعون التملص منه،وهو الأمر الذي تأكد فور افتضاح مشروع انقلاب المتقاعدين قبل يومين!!

من هنا تنبع الخطورة الكبرى التي ترتبت على الدروب المخاتلة التي اعتمدها العسكر الأتراك بعد أن ثبت لهم مدى الصعوبة في العودة إلى الانقلابات الصريحة المفضوحة.بل ربما يجد الأتاتوركيون أنفسهم مضطرين إلى اللجوء لآخر الطب عندهم"الانقلاب"إذا أفلست كل مشاريعهم الانقلابية الموازية-غير المباشرة-كالتلاعب بصلاحيات المحمكة الدستورية التي يجري توظيفها سياسياً بصفة شبه منتظمة لهذه الغاية التخريبية الفظيعة،والتي سوف تنسف الإنجازات الفريدة التي تحققت للشعب التركي سياسياً واقتصادياً على أيدي هذا الطاقم النزيه الذي أدار دفة الحكم بمهارة يشهد بها الغربيون مكرهين.

فهلا يصحو المخدوعون بالعلمنة من المسلمين السذج  ليعوا حجم الكارثة التي جلبها أتاتورك على بلد الخلافة الإسلامية منذ ثمانية عقود؟أما قادة هذا الفكر الضال فليس هنالك أمل في يقظتهم ذات يوم لأنهم ممن أضله الله على علم،إلا إذا تحولت قلوبهم نحو الحق فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء-كما أخبر الصادق المعصوم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم-.