أنت هنا

إقالة بلخادم.. مزيد من الفرنسة والأمركة
21 جمادى الثانية 1429

دائماً ما تثبت الأيام أن اليد الأمريكية خصوصاً والغربية عموماً أكبر تأثيراً في الشؤون الداخلية للدول العربية مما يتصور، وتطيش كثيراً حسابات من يراهنون على العبور الحثيث والتدريجي نحو "الأسلمة" والعروبة والوطنية في سياسات الدول التي أعلنت استقلالها منذ عقود وما زال لـ"مستعمريها" السابقين الكلمة الفاصلة في شؤونها الداخلية الرئيسية.
وبرغم كون العديد من التفسيرات قد تطرح للتعبير عن هذه المفاجأة التي جرت في الساحة السياسية الجزائرية والتي تمثلت في إقالة رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم، إلا أن المتابع لشؤون التغييرات الوزارية في معظم البلدان العربية لا يلاحظ أن عموم تلكم التبديلات يتأثر أساساً بأسباب تتعلق بمدى كفاءة هذه الوزارة أو تلك في إدارة شؤون الدولة، وفي مدى تمكنها من تحقيق المستهدف من خطط التنموية والمعيشية، وبجدوى قراراتها وإجراءاتها في تلبية آمال مواطنيها، بل بحسابات هي أبعد ـ عادة ـ عن هذه السالفة، وتتعلق في معظمها بتوازنات القوى المحلية المؤثرة وتماهي وزراء أو رؤساء وزراء الحكومات مع الخطط التغريبية الجارية على قدم وساق في معظم الدول العربية.
وحيث يمكن أن يقال إن بلخادم قد أقيل لأنه لم يحقق المستهدف من برنامجه الوزاري؛ فإن من الإنصاف أن يقال إن رئيس الحكومة المحسوب على التيارين الوطني والقومي والقريب من بعض فصائل العمل الإسلامي في الجزائر ـ لاسيما حركة حمس ـ وصاحب التاريخ المعروف بنضاله في اتجاه التعريب والنأي بالجزائر عن الفرنسة والأمركة قد دفع منصبه ثمناً لبعض مواقفه التي لا ترضي حزب فرنسا الجزائري والمتمثل في بعض جنرالات "النفط" و"السكر" الذين قاتلوا شعبهم في صفوف الجيش الفرنسي المحتل حتى أوائل الستينات؛ فيما يحتفظ خليفته أحمد أويحيى الليبرالي ـ ظاهراً ـ ومهندس التزوير في انتخابات 2006، والذي "لا يتصور نفسه أبداً في صف المعارضة" ـ على حد قوله من قبل ـ بعلاقات متميزة مع التيار الاستئصالي المناهض لدور جزائري عربي وإسلامي على المستويين المحلي والإقليمي.
وحيث يقال أيضاً، أن أويحى قد أعيد إلى منصبه الذي أقيل منه لضمان ولاء حزبه للرئيس فيما يحضر نفسه لولاية جديدة ـ غير دستورية ـ ينظم له بلخادم وأويحيى خرزها عبر تعديل دستوري مألوف في الدول العربية الجمهورية، بعد ضمان ولاء جبهة التحرير الوطني التي يرأسها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة شرفياً؛ فلا يمكن في مقابل ذلك أو قدّام ذلك بالأحرى أن يشار إلى مسألة خلافة "الرجل المريض"/بوتفليقة والتي لا يمكن لحزب فرنسا أن يسلمها غضة إلى بلخادم الذي يعارض بقوة سيطرة فرنسا من جديد على الجزائر عبر مشروع ساركوزي الذي لم يفتأ رئيس الحكومة المقال يناوئه حتى أيامه الأخيرة في الوزارة حيث سبقت إقالته بيوم واحد فقط كلمته أمام الوفد الفرنسي، المكون من الوزير الأول فرانسوا فيون وستة وزراء من حكومته والذي كان يزور الجزائر ويحمل ـ دون أن يدري شؤم الإقالة ـ ، والتي قال فيها بجرأة: "إن المبادلات المتعددة الأشكال بين الجزائر وفرنسا، قد تفقد معناها إذا ما جردت من بعدها الإنساني".
بلخادم الذي يعارض المشروع الفرنسي ونظيره الأمريكي أيضاً والذي يتنوع ما بين عقود النفط والسلاح، وحتى بناء القواعد العسكرية لم يكن بعيداً عن إقالة من منصب لم يشغله سوى عامين ونيف كعادة كل وزير أو رئيس حكومة يثبت عناده أو يخفق في أداء دوره المرسوم، حين بدا حريصاً بموازاة ذلك على تعزيز دوره الحزبي الداخلي والبرلماني والحكومي، وهو ما لا يرضي حكام البلاد الأصليين، الذين لا يريدون أن يصحوا يوماً من نومهم على خبر وفاة بوتفليقة وصعود بلخادم محله، ومن ثم ابتعاد نفوذهم سنتيمتراً آخر.
وقبلُ، هل نسمع غداً همساً في دوائر الجزائر السياسية والإعلامية يشي بأن بوتفليقة لم يكن له أن يمضي في عهدة ثالثة ما لم يضمن الجنرالات أويحى خلفاً له، وإلا فالدستور جاهز للتطبيق؟! .. ربما.