أوباما في البيت الأبيض .. هل هو خيار جيد للمسلمين ؟
19 جمادى الثانية 1429
جمال عرفة

لأنه أول أمريكي أسود ومن أصول أفريقية، وله جذور إسلامية تمتد لأبيه وزوج أمه ، وصل للمرحلة الأخيرة من انتخابات رئاسة أمريكا ، وقد يصبح هو رئيس أمريكا المقبل ، فمن الطبيعي والمنطقي أن نسأل في العالم العربي والإسلامي : هل أوباما في البيت الأبيض سيكون خيارا جيدا للدول العربية والمسلمين ؟ أم أنه حتى لو افترضنا عدالته وحياديته مقارنة برؤساء أمريكا السابقين ، لن يقدر على فعل شيء باعتباره مجرد ترس في آلة كبيرة ومصالح استراتيجية أمريكية معادية بطبعها للعالم العربي والإسلامي ؟
لن نتحدث عما يقوله اليمينيون المتطرفون المسيحيون في أمريكا عنه بأنه مسلم يخفي عقيدته ، أو أنه مسيحي يخفي إسلامه أو أنه تأثير في تربيته بأبيه المسلم الأفريقي الكيني ثم بزوج أمه الإندونيسي المسلم أيضا ، ولكن سنتحدث أيضا عن الرسالة التي يحملها كنصير للضعفاء في مواجهة مؤسسات المركب الصناعي العسكري الأمريكي وجماعات الضغط الاقتصادية ، وحديثه عن دور جديد لأمريكا في العالم وحملة رسالة تغيير في السياسية الأمريكية ، والتي هي كانت السبب في وصوله لعتبة البيت الأبيض الأولى كمرشح نهائي على هيلاري زوجة كلينتون رغم الحشد الضخم لها من قبل جماعات اللوبي الصهيوني والمتطرفين المسيحيين في أمريكا .
ظاهرة أوباما تبدو فريدة في أنه نجح في الاعتماد على أنصاره من ضعفاء الشعب الأمريكي وليس اللوبيات الضخمة ، ومول حملته الانتخابية من قبل ملايين الأمريكيين البسطاء عبر تبرعات صغيرة، بعكس منافسيه الذين اعتمدوا على تبرعات بملايين الدولارات من جهات كبيرة كلوبي الصناعات الضخمة وتجار السلاح واللوبي الصهيوني .
وتبدو أيضا فريدة في أنه حمل شعار التغيير على طريقة الثورة البرتقالية الليبرالية وأنه يبدو قاطرة التغيير في السياسة الأمريكية ، ودعوته لتغيير "الديكتاتوريات" في منطقة الشرق الأوسط – المنطقة العربية - ، ما دفع بعض شباب الإنترنت العرب موقع "فيس بوك" الاجتماعي الأمريكي الشهير للمطالبة بدعم باراك أوباما تارة لأنه مسلم ، وتارة بدعوى أنه قد يكون عنصر تغيير في البلاد العربية وضغط على حكامها الديكتاتوريين !!.
إذ أن أبرز حملات دعم أوباما عربيا على "فيس بوك" دشنها شباب ليبراليون يدعون للتغيير ويؤمنون بالضغط الخارجي لتغيير الأوضاع العربية الغير ديمقراطية عبر حملة إليكترونية من مصر لدعم المرشح الديمقراطي "أوباما" للوصول لرئاسة أمريكا تحت اسم "الحملة العربية لدعم أوباما .. ضرورة والتزام أخلاقي" – ضمت 179 عضوا - مبررين دعمه عربيا بـ "التأثير المباشر لأمريكا في استمرارا أنظمة تحكمنا وسقوط أنظمة أخرى " وتبني أوباما مبادئ إنسانية عامة تدعو للديمقراطية !؟.
ولا ينفي هذا أن هناك أطراف عربية وإسلامية أخري تستبشر بباراك أوباما وتعتقد أنه ربما تكون جذوره الإسلامية أكثر تسامحا مع الإسلام بدلا من حملة العداء الحالية لكل ما هو إسلامي في أمريكا ، ويدللون على هذا بتصريحات نقلت عنه في مؤتمراته الصحفية يدافع فيها عن هجوم أنصاره عليه واتهامه بإخفاء إسلامه، قال فيها كلاما معقولا عن الإسلام عموما ، بل لقد ظهرت مجموعتين على موقع فيس بوك أيضا يدعمان أوباما عربيا وإسلاميا لمجرد أن جذوره إسلامية ، حتى أن هذه المجموعات أصرت على أنه مسلم !.
وهما مجموعتي : "مؤيدي باراك أوباما" و" باراك أوباما مرحبا بك في رئاسة الولايات المتحدة" ، وتستند المجموعة الأولي في تأييدها لأوباما إلي ما تقول أن "باراك أوباما قد يصبح أول رئيس أمريكى اسود ومسلم" ، وانه أسمه الكامل هو "باراك حسين أوباما".
فيما تقول المجموعة الثانية أن اسمه الأصلي المسلم هو "بركه حسين" وليس "باراك أوباما" ، وتنقل مقال من جريدة "أخبار اليوم" المصرية بقلم مها عبد الفتاح مراسلة الصحيفة السابقة في أمريكا تقول فيه أن "كل من تابع المعركة الانتخابية الجارية في أمريكا لاحظ ما حدث مؤخراً من أسلوب التهجم العنصري على المرشح الأسود باراك أوباما أو "بركة حسين أوباما" أي على الشطر المسلم من جهة أبيه وأقاربه الذين يعيشون جميعا في كينيا ومنهم جدته التي تدعو الله أن يوفق حفيده ويكون رئيساً لأمريكا " .
هل هو مفيد للعرب والمسلمين ؟
وبعيداً عن العواطف العربية والدينية ، نعود للسؤال هل أوباما يمكن أن يكون مفيداً للمسلمين والعرب ؟
واقع الأمر بداية أنه ليس مسلما – باعترافه – وإلا لما سمح له بالفوز أصلاً ، وأنه انقطع عن الإسلام وعن عائلته المسلمة في أفريقيا ثم أندونيسيا وهو طفل وتحول لأمريكي مسيحي معمداني يصلي في الكنائس ، وله تصريحات كثيرة عن أهمية دور الدين في الحياة السياسية .
نعم قد يكون الأمر خطيرا لو طبق هذه المقولة وأقحم الدين (المسيحي) في السياسة كما يفعل سلفه الحالي بوش ومن قبله ريجان ، خصوصا أن العالم العربي والإسلامي كان أبرز الخاسرين من وراء هذه السياسة الدينية الأمريكية ، ولكن هناك جوانب أخرى تبدو إيجابية لو تتبعنا تصريحاته بشأن الدين .
فوفقا لتصريحاته التي نقلتها "مها عبد الفتاح" مراسلة الأخبار السابقة في أمريكا في مقالها ، كان رد فعل باراك أوباما على التركيز على اسمه (حسين) من قبل خصومه - في خطاب ألقاه خلال حملته الانتخابية - أنه قال متسائلا : "ما الخطأ من اسمه الذي يستمد من التبرك الإلهي ومن الحسن الرباني؟ لست أرى مشكله في هذه الأسماء.. .. نعم أبى كان مسلماً، ورغم أنني كنت صغيرا لا أعي به إلا أن ديانة أبى وعائلته مثار اهتمامي وازداد الاهتمام عندما تزوجت أمي باندونيسي مسلم، وكنت مازالت طفلا وعشنا في بيته باندونيسيا والتحقت بالتعليم في مدرسه بين تلاميذ مسلمين وجدت أهليهم يمارسون الصلاة يومياً، ورأيت الأمهات متشحات بالحجاب وعرفت أجواء شهر رمضان وأتذكر احتفاليات العيد" .
ويتحدث عن زوج أمه فيقول إنه لم يكن مواظبا على الصلاة وإنما كان يتردد على المسجد في المناسبات الدينية "وفى بيتنا يومئذ كان يوجد العديد من نسخ القران بلغات شتى وكتابات عن محمد نبي الإسلام وأحاديثه وكنت أسمعه يردد من حين لآخر أقوالاً في الإسلام منها القول بأن (المؤمن هو من يريد لأخيه مثل ما يريد لنفسه) و(القهر أسوأ من القتل ) و(جميع البشر سواسية لا يفرقون عن بعضهم إلا بأفعالهم " .
ويحكى "باراك" أو "بركه" كيف انتقل مع أمه وجديه إلى ولاية هاواى التي شب فيها وهنا يقول (ما عاد الإسلام يشغل تفكيره في تلك المرحلة فالأم غرست في القيم الإنسانية وحدها ولم يكن هذا البيت منشغلا بمسالة تعليم الأديان .. عندما التحقت بجامعه هارفارد وعاودت التعارف على المسلمين لوجود جموع كبيرة منهم في الكليتين اللتين التحق بهما تباعا وصادق بعضا منهم ، وهنا يقرر أن "خلفيه الطفولة في اندونيسيا أدت إلى سهوله التعارف بينهم والتعلم منهم أيضا" .
ويقول أوباما : "أكلت في بيوتهم (المسلمين) ولعبت مع أولادهم (في اندونيسيا) وأوجدت صداقات بينهم " ومن تجربتي أدركت الطيبة التي يتحلى بها معظم من عرفت من المسلمين وقيمهم التي جاءوا بها إلى أمريكا" ، ويضيف : "ولسوف أتى بهذا كله إلى مكتب الرئيس الأمريكي إذا ما انتخبت وأتعامل مع المسلمين من موضع الألفة والاحترام وهو أمس ما نحن بحاجه إليه في هذا التوقيت من تاريخ أمتنا " .
وهذه التصريحات التي قيلت علنا ربما تنبي عن تغير في عقلية الرئيس الأمريكي المقبل أو على الأقل تفهم لمشاعر المسلمين – ومنهم أهله وعائلته – ومن ثم عدم إتباع أساليب عدوانية ضد الإسلام وإعطائه على الأقل مكانته المحترمة في أمريكا والكف عن الوسائل العدائية ضد الإسلام .
أوباما والقدس ويهودية "إسرائيل"
وهنا قد يقول قائل : ولكن هذا الرجل أعلن تصريحات عدائية للعرب والمسلمين في مؤتمر المنظمة الصهيونية (إيباك) لحد أنه قال إن القدس من حق الدولة الصهيونية ككل ، وأكد على "يهودية" الدول العبرية ، بل وأعلن التزامه بحمايتها ، وقال نفس ما يقوله الرئيس بوش وأي مسؤول أمريكي متطرف منحاز للصهيونية !؟
وهذا صحيح تماما واعتبره كثيرون نقطة سوداء وموقف يحتاج لمراجعة من قبل مؤيديه العرب على شبكة الإنترنت والداعون للوقوف خلفه ، ولكن يجب ألا ننسى أن هذه التصريحات جاءت في سياق مناسبة يهودية وفي منتدى صهيوني وطبيعي أن يسعى – كأي مرشح أمريكي – لخطف ود الطائفة اليهودية في أمريكي واللوبي الصهيوني بهذه التصريحات ، بدليل أنه تراجع نسبيا بعد ذلك بيوم واحد عندما احتجت منظمات عربية ، وقال إن مستقبل القدس يتحدد بالتفاوض بين العرب والصهاينة ولم يقل أنها عاصمة للدولة الصهيونية ، ما يشير إلى أن تصريحاته أمام "إيباك" كانت للاستهلاك الانتخابي .

خلاصة القول إن المعطيات – وليس ما سيجري على الأرض لاحقا – تشير إلى أن أوباما لو فاز ووصل للبيت البيض قد يكون مختلفا عن سابقيه سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع الإسلام أو مع العالم العربي .. لن يكون مسلما ومحاميا عن المسلمين، ولكن ربما يمكن ضمان قدر من الحيادية في مواقفه ، أما على المستوى العربي فسيكون أشد شراسة من الرئيس بوش فيما يخص الهجوم على الدول العربية والإسلامية التي وصفها هو بأنها ديكتاتورية ، ولو حدث هذا فسوف يكون كارثة للأنظمة ، ولكنه ربما يكون مكسبا للشعوب التي تعاني من هذه الديكتاتورية وتعاني البطش من حكامها لمجرد أنها تنادي بالشريعة وحكم القران !