أنت هنا

هزيمة الصليبية الجديدة في أفغانستان..
13 جمادى الثانية 1429

كم هي مثيرة للسخرية مشاهدة الأداة الأمريكية في أفغانستان(حميد كرزاي)وهو يهدد بملاحقة طالبان في داخل الأراضي الباكستانية!!
والرجل كاريكاتير كامل بحكم المفارقة المطلقة بين حدود سلطته الفعلية وتسميته الشكلية"رئيس جمهورية"،حتى إن هذه المفارقة تستدعي صُوَراً شبيهة نسبياً مع أنها أقل سوءاً وقد وصفها الشاعر العربي بقوله هازئاً:
ألقاب أُسْدٍ على أنقاض مملكةٍ كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأَسَدِ
وكذلك بقول آخر:
خليفةٌ في قفصٍ بين وصيفٍ وبُغا
يقول ما قال له كما تقول الببّغا
فالقياس مع الفارق،لأن أصحاب تلك الألقاب لم يكونوا خاضعين لسلطة احتلال أجنبية،وإنما كان البون شاسعاً بين مناصبهم الرسمية الرنانة وسلطاتهم الحقيقية المحدودة.
أما كرزاي فهو لا يستطيع أن يختار الأشخاص المكلفين بحراسته شخصياً،وهو أعجز من تسيير دورية أمنية خارج نطاق الخطط الأمريكية،التي تمسك بخناق النظام الهزلي الذي أقامته منذ غزوها أفغانستان قبل سبع سنوات عجاف.ومن هنا تتجلى المفارقة المضحكة المبكية بين واقع كرزاي ونهديداته العنترية لبلد في حجم باكستان ذات الجيش الثالث في قارة آسيا برمتها!!
بل إن مأساة هذا الحاكم الشكلي لكابل –وهي ملهاته في الوقت نفسه!!-تكمن في إخفاق الغزاة الصليبيين بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة حشد من دول حلف شمال الأطلسي(ناتو)،في السيطرة العملية على مجمل الأراضي الأفغانية.فلا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا فيه أنباء سقوط هذه المدينة أو تلك المنطقة في أيدي مقاتلي طالبان،حتى إن الحركة تمكنت مؤخراً من تحرير مئات السجناء والمعتقلين والمحتَجَزين الأفغان من داخل أحد أشد السجون حراسة وإجراءات أمنية غليظة!!
فإذا كان العجز عن الانتصار سمة الذي يملك القوة والقرار والمال والإعلام ويسخّر حشوداً من العاملين في استخبارات عشرات الدول،التي سارت وراء واشنطن رغبة أو رهبة تحت الراية الزائفة عن محاربة ما تسميه الإرهاب،فكيف يكون الظل المحلي الذي يقتصر دوره على الواجهة الأفغانية المستأجرة،والتي سيتم الاستغناء عنها فور انتهاء الحاجة الوقتية لخدماتها؟
إن الأرجح أن كرزاي لجأ إلى تصدير همومه إلى خارج الحدود هرباً من فشل سادته أنفسهم،الذين آلت كل جهودهم المحمومة وغير المسبوقة إلى فشل مطبق،يعبر عنه لجوء عدد من البلدان المشاركة في الغزو لطمس الهوية الصليبية له إلى سحب جنودها،بتأثير ضغوط الرأي العام فيها على حكوماتها،أو إدراكاً متأخراً منها لحقيقة الأهداف الأمريكية في معاداة الإسلام ومحاربة المسلمين،في حين لا ترى هذه الدول أي مصلحة لها في استعداء مليار ونصف مليار من البشر،ليس بينها وبين أحد منهم حرب ؟
إن كرزاي وأشباهه في التاريخ الإنساني قديماً وحديثاً،لن يحصلوا إلا على لعنات شعوبهم،وازدراء السادة الذين استأجرهم لكي يكونوا شهود زور وأدوات قمع محلية للغزاة الأجانب.وللتمثيل فحسب،ينبغي التذكير بأبي رغال وابن العلقمي في التاريخ العربي والإسلامي القديم،والماريشال بيتان-الواجهة للغزو النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية- في التاريخ الغربي الحديث.
أما الغرب الحقود فيبدو أنه يتعلم دائماً من تاريخه ويستفيد من عظات تجاربه،وهذا ملحوظ تماماً في علاقات الدول الغربية بعضها ببعض حيث تحولت من الحروب المدمرة إلى التعاون والاتحاد،كما نلمسه في علاقات الغرب بالأمم الأخرى كافة،باستثناء حالة واحدة مستعصية هي علاقاتهم معنا نحن المسلمين وموقفهم من ديننا!!ومن شك في ذلك فلينظر إلى المستجدات في الساحة الدولية منذ نصف قرن على الأقل،وليسأل نفسه:هل يوجد اليوم أرض يحتلها غاصب غريب ما عدا الأراضي الإسلامية؟فهل هي مصادفة؟
نحن لا نرجم بالغيب عندما نجزم بأن مآل هذه الحملات الصليبية لن يختلف عن مصير سابقاتها المتكررة،والدور على العقلاء في الغرب إذا استطاعوا أن يُبْلغوا صوتهم إلى مواطنيهم الذين يختارون ساسة من هذه المساطر المهووسة الموتورة!!