العالم بين أرقام التسلح وكوارث الجوع
12 جمادى الثانية 1429
د. ياسر سعد

أعلن معهد بحوث السلام الدولي في ستوكهولم مؤخرا أن إجمالي الإنفاق العسكري في العالم العام الماضي بلغ 1.339 تريليون دولار أو ما يعادل 202 دولار للفرد بزيادة بلغت 45% عن عام 1998. وتصدرت الولايات المتحدة القائمة عالميا بـ 45 في المائة من الإنفاق العسكري العالمي أو 547 مليار دولار عام 2007. ثم جاء في الترتيب بعدها كل من بريطانيا والصين وفرنسا واليابان ¬ بنسبة تتراوح بين 4 و5 في المائة بينما احتلت ألمانيا المرتبة السادسة تلتها روسيا. وشهدت منطقة شرق أوروبا أكبر زيادة في الإنفاق العسكري خلال فترة السنوات العشر الأخيرة بنسبة 162%, مع التذكير بأن انتهاء حقبة الحرب الباردة يستوجب العكس تماما.
وفي الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا وشرق آسيا، زاد الإنفاق العسكري بنسبة تجاوزت 50% منذ عام 1998. وسجلت مبيعات شركات العالم المائة الكبرى¬ زيادة بلغت 5% لتصل إلي 315 مليار دولار. والشركات المائة منها 41 شركة مقرها في الولايات المتحدة وتستأثر بـ %63 في المائة من مبيعات الأسلحة بحسب المعهد. ومنها 34 شركة أوروبية نصيبها بلغ %29. وتصدرت الولايات المتحدة وروسيا قائمة أكبر مصدري السلاح في العالم في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2007 حيث بلغ نصيبيهما على التوالي 31 و 25% ، بينما احتلت ألمانيا في تلك الفترة المركز الثالث على مستوى الدول المصدرة للأسلحة في العالم، بحصة من السوق العالمية تبلغ 10%.
قراءة في أرقام الإنفاق العسكري العالمي وحجم الصفقات التسلح تشير إلى خلل عالمي كبير وإلى توجه العالم اليوم إلى العسكرة. الولايات المتحدة يصل إنفاقها إلى حوالي نصف الإنفاق العسكري العالمي كما وتتصدر قائمة الدول المصدرة للسلاح العالمي بنسبة الثلث من مجمل أسواق السلاح الدولية. الإنفاق الأمريكي يعكس طموحا بالهيمنة العالمية بقوة السلاح وسطوته, ومكانة الولايات المتحدة في تصدير السلاح تشير إلى أن مصلحتها الاقتصادية تتوافق واندلاع مزيد من الصراعات والحروب العالمية. إنفاق دول العالم خصوصا الدول النامية على السلاح يؤثر بشكل مباشر على نمو مجتمعاتها وتطورها العلمي والصناعي بشكل سلبي.
في الصورة الأخرى من العالم اليوم وحسب تقرير منظمة الفاو في 2004 والمعنون "حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم", تشير التقديرات والتي استندت إلى بيانات الفترة 2000 - 2002، إلى أن 852 مليون شخص في المعمورة يعانون من ظاهرة الجوع المزمن, وهي ما قبل فترة غلاء الغذاء التي اجتاحت العالم مؤخرا. وحسب جان زيغلر المقرر الخاص للأمم المتحدة من أجل الحق في الغذاء فحتى قبل ارتفاع الأسعار كان يموت طفل تحت عشر سنوات كل خمس ثوان.
في دراسة أعدها مركز زايد للتنسيق والمتابعة عام 2002 تتناول "الأمن الغذائي وآفة الفقر", جاء فيها أن ظاهرة الفقر ظاهرة عالمية تنتشر في مختلف بقاع الدنيا وإن بنسب متفاوتة. وحسب الدراسة فأن أكثر من نسبة 16% من الأميركيين دون الثامنة عشرة، أي ما يزيد على 12 مليون طفل كانوا فقراء في عام 1999.
كما وقفت الدراسة عند الجهود المبذولة من طرف المجتمع الدولي للقضاء على الفقر ومحاربة الجوع والعراقيل أمامها، والتي يمثل المال أهمها؛ إذ تشكو مشاريع الأمم المتحدة المختصة من شح المصادر المالية. ونسبت الدراسة لمدير البنك الدولي أن أكثر من مليار و200 مليون نسمة يعيشون على أقل من دولار يومياً لكل فرد، فيما يعيش على أقل من دولارين يوميا مليار و800 مليون آخرين ، وهي نسب مخيفة، وتبين أن آفة الجوع ما تزال تقض مضاجع البشرية. وأوضحت الدراسة أنه وحسب إحصاء ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة، فإن ما يتطلبه توفير مياه الشرب النقية والتأمين الصحي لفقراء العالم لا يتجاوز 10 مليار دولار سنوياً، ويعادل هذا المبلغ ما تصرفه الدول الأوروبية على شراء الحلويات المثلجة كل سنة, وهو أقل من 1% من الإنفاق العسكري العالمي. بل أكثر من ذلك فإن ميزانية الأمم المتحدة برمتها لم تتجاوز 683 مليون دولار بينما بلغت مصروفات الولايات المتحدة في بعض السنوات على القطط والكلاب أكثر من 3 مليارات سنويا. وحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن ما يكفي الحاجات الأساسية لسكان العالم من طعام وشراب وعناية صحية يمكن تلبيتها كلها بما لا يتجاوز 4% من مجمل الثروة التي يمتلكها 225 من أصحاب الثروات الكبرى في العالم.
مقارنة سريعة للأرقام أعلاه, تكشف أزمة القيم التي تستبد في عالم اليوم والذي تتبوأ قيادته الولايات المتحدة والتي نصبت نفسها قاضيا وحكما في الساحة الدولية في مسائل حقوق الإنسان وحريته وهي التي تقترف جرائم ضد الإنسانية في السر والعلن.