أنت هنا

فضيحة"أم الديموقراطيات"..
12 جمادى الثانية 1429

يتباهى الإنجليز كثيراً بوثيقة"ماجنا كارتا"باعتبارها أساس نظامهم السياسي،ولا سيما لأنها أقرت قبل800عام-وتحديداً في عام 1215م-بمنع احتجاز أي مواطن من دون عرضه على محكمة مختصة تتأكد من قانونية اعتقاله!!
وتبعاً لذلك تفاخر فيلسوفهم الشهير جون لوك زاعماً أن بريطانيا"أهدتْ الحرية إلى العالم"،بالرغم من تناقضها مع الواقع التاريخي عندما كانت بلاده تؤلف امبراطورية استعمارية وُصِفَتْ بأنها لا تغرب عنها الشمس!!لكن الأمر الأكيد أن بريطانيا رائدة الغرب المعاصر في الفصل بين السلطات وفي حماية حقوق الفرد إزاء تسلط السلطة التنفيذية،إذا تنبهنا إلى أن المعني بالفرد هنا هو المواطن فحسب!!
وسبحان مغيّر الأحوال،فقد تقلصت الامبراطورية إلى الجزر البريطانية،وتدفق أبناء المستعمرات عليها،حتى باتوا جزءاً واضحاً من تكوينها الاجتماعي والسياسي،وهنا أصبح لزاماً أن يتحول التمييز بين العرق الأبيض النصراني والآخرين المختلفين من فرق بين الدولة وممارستها في مستعمراتها إلى تمييز خفي بين المكونات الجديدة للمجتمع البريطاني نفسه.
وأخذت المسافة بين الشعارات والتطبيق تكبر وتتضخم إلى أن بلغت ذروتها في السنوات السبع العجاف الماضية التي بدأت مع الحرب الصليبية ضد الإسلام والمسلمين بقيادة الرئيس الأمريكي الموتور جورج دبليو بوش،والتبعية البريطانية المطلقة التي انتهجها رئيس الحكومة السابق توني بلير،ولم تتقلص في عهد خَلَفِه الحالي جورج براون،خلافاً للتوقعات.
فقد سار براون على طريق سلفه الخائب،بالرغم من الانتكاسات التي لقيها حزبهما الحاكم(حزب العمال)،في الانتخابات البلدية الأخيرة وفي انتخابات فرعية برلمانية،وهي انتكاسات غير مسبوقة،إذ خسر الحزب مقاعد كانت من نصيبه تقليدياً!!
وبدلاً من مراجعة النفس،ومواجهة الذات،لجأ براون إلى الاتجاه يميناً وركب موجة الحقد على الإسلام،باعتبارها التجارة الأكثر رواجاً في الغرب كله،بما في ذلك بريطانيا الأقل تديناً بالمقاييس النصرانية السائدة هناك،وبخاصة منذ الثورات السياسية والعلمية ضد تسلط الكنيسة في القرون الوسطى.
لقد سنّ بلير سنّةً سيئة عندما مرّر قانون ما يسمى مكافحة الإرهاب،الموجّه أصلاً إلى المسلمين في بريطانيا سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين أم لاجئين،حيث يمكن اعتقالهم لمجرد الشبهة وبلا تدخل قضائي مدة90يوماً!!أما براون فقد تجاوز حماقة بلير بسعيه المحموم إلى تمرير قانون جديد قبل أيام،يمنح أجهزة الأمن احتجاز من تريد مدة42يوماً بلا توجيه اتهام مطلقاً،أي:من دون وجود شبهة من أي نوع!!
وأكمل براون سقطته الفاضحة بشراء الأصوات من نواب من خارج حزبه،عندما تبين له أن ما بين 35و45 نائباً من نواب حزب العمال يعارضون القانون الجائر!!بل إن خليفة بلير تجاهل حتى اعتراضات جريئة أبداها بعض ضباط الشرطة الكبار،ضد القانون لانعكاساته السلبية في رأيهم على علاقة أجهزة الأمن بعموم المسلمين في بريطانيا!!والمألوف أن يتشبث رجال الأمن بتوسيع صلاحياتهم لكي يتخففوا من أعباء البرهنة على الاتهامات التي يوجهونها إلى المشتبه فيهم،بخلاف ميل القادة السياسيين إلى تغليب التسوية والحرص على صورتهم أمام جمهورهم،لكن براون تجاوز هذه الأعراف الراسخة جذرياً!!والغاية الوضيعة انتخابية محضة،فماذا سيفعل إذا عاقبه الناخبون قريباً،بعكس مخططه الاستفزازي الذي يعرّي الماجناكارتا مرة أخرى،ويجعل من بريطانيا إحدى جمهوريات البطش في العالم الثالث؟
وهذا ليس ببعيد،تأسيساً على التذمر المتزايد من سياسات حزب العمال داخلياً وخارجياً،بالإضافة إلى أن دغدغة ضغائن غلاة العنصريين اليمينيين لن تجلب لبراون أصوات هؤلاء الذين سوف يفضلون أحزابهم المؤسسة على أهداف عنصرية صريحة،سواء في الحزب القومي اليميني أم في حزب المحافظين المعروف بمواقفه اليمينية المعلنة.