أنت هنا

متخلفو العلمانية التركية: التنمية في مقابل "قطعة قماش"!!
5 جمادى الثانية 1429

دائماً ما ينعتون المسلمين بالتخلف، ويضعون الحجاب في مقابل التنمية والحرية والرفاهية والتعليم؛ فالحجاب عائق عن التقدم والازدهار، والمرأة متخلفة ما تمسكت بالحجاب الشرعي، في منطقهم السقيم.
هكذا العلمانيون مردوا على التلبيس والتهويم الفكري؛ فمجتهم الشعوب وكرهت منطقهم وطريقتهم، وإن ظل بين قومنا من لن يزل يلتحف بهذه الأسمال الباليات من الأفكار الرجعية المتخلفة، حتى إذا رأوا الشمس بازغة في كبد السماء نفخوا بأفواههم وبكل ما أوتوا من قوة رجاء أن يسددوا ضرباتهم العنيفة إلى الحياء والاستقامة.
وفي تركيا المسلمة كان المأزق.. حكومة ذات جذور إسلامية تناضل من أجل وضع تركيا على الطريق الصحيح؛ فعبرت بها الأزمة الاقتصادية، وتحولت في سنوات قليلة من دولة تحمل إصر أكثر من مائة مليار دولار ديوناً مستحقة عليها بفضل الحكومات المتخلفة التي وضعت نزع الحجاب أعلى سقوف طموحاتها التنموية؛ فتراجعت بها ومعها قيمة تركيا وانتكس دورها الإقليمي والدولي، وارتهن قرارها بأيدي الدائنين، ولفظتها أوروبا، وكرهها جيرانها، إلى دولة رائدة في المنطقة، تعاظم دورها الإقليمي والدولي، وعادت لتكون نمراً اقتصادياً واحتلت المركز الثاني عشر عالمياً من حيث قوة الاقتصاد ونموه المتسارع، وأصبحت رقماً في المنطقة لا يمكن تجاوزه، وتصالحت مع الجيران، وحققت معادلة داخلية رائدة.. وأهم من ذلك نجحت في التصالح مع شعبها عندما سعت لإعلاء قيمه الأصيلة التي أعادت إلى الأذهان العصر العثماني العزيز.
حكومة كهذه، وسياسة كتلك، لم تغفر عند أصحاب العفن العلماني أمام جرأتها النسبية في مسألة الحجاب؛ فما طاب لتلك القوى أن ترى خير النساء زوجة الرئيس عبد الله غول تدخل القصر الجمهوري، والفتيات تعدن إلى ارتداء الحجاب في الجامعات بعد قرار تعسفي بغيض بحظره منذ أواخر الثمانينات عندما بدأ الناس يعودون إلى ماضيهم الأثير، ويحنون إلى دين الله الحنيف؛ فكانت طامة العلمانيين، وكان قرار المحكمة الدستورية رفض إلغاء الحظر المفروض على الحجاب في الجامعات والذي صدر يوم الخميس الماضي، ومن ثم بدء التحضير لإدخال تركيا في دوامة الفوضى بعد إرهاصات مساعٍ حثيثة وإجراءات لقرارات كتبت بالقلم الرصاص تمهيداً لإعلانها على الملأ ـ ربما ـ حظر حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحظر العمل السياسي عن الرئيس عبدالله غُل ورئيس الوزراء رجب طيب إردوغان بشتى الوسائل ومهما كانت التكلفة، حيث طار صواب العلمانيين عندما رأوا هذه الإنجازات تتحقق والاستقلال يبدو جلياً في الأفق لهذه الدولة العريقة؛ فتجمعت المساعي الخبيثة عند نقطة البدء التي شرع بها المدعي العام عبد الرحمن يلتشين قايا برفع قضية لحظر الحزب الحاكم، وهو ما ينسف آمال عشرات الملايين، هم مؤيدو هذا الحزب الذي حصد 47% من الأصوات في انتخابات برلمانية عامة لم يمر عليها عام.
عبد الرحمن هذا الذي يعرّف العلمانية بأنها "هي التي تحرر الانسان من عبوديته للخالق من أجل أن يكون فرداً حراً له دور في المجتمع"، يدرك ـ كما يدرك غيره ـ أن حظر حزب يمتلك أكثر من نصف أعضاء البرلمان، ويجعلهم من دون حزب في البرلمان في حال حكمت المحكمة الدستورية العليا بحظر الحزب الحاكم ومنع أهم القياديين فيه من الانتماء مستقبلاً لأي حزب سياسي، سيفضي إلى فوضى سياسية واقتصادية عارمة، وسيعود بتركيا إلى الوراء إلى حين أزمتها الاقتصادية الخانقة والانسداد السياسي.. كل ذلك لا يعني صناديد العلمانية أمام الحجاب الذي ظلوا يحقرونه لعقود قائلين بأنه "ليس أكثر من قطعة قماش تحجب المعرفة والعقل"؛ فإذا هم محجوبو العقل والمنطق والوطنية والقومية، وإذا الوجه القميء مكشوف كالح الطلعة ينبي عن حجم الأزمة، ويكشف بدوره عن أن العلمانية في بلاد الإسلامية إنما هي مسخ لنظيرتها الغربية التي تمنح الدين بعض اعتباره ـبخلاف تلك العربية ـ، ولا تعدو أن تكون مرادفاً للعداء المتجذر ضد الإسلام ذاته بأركانه وشعائره وأحكامه.