
الرئيس مشرف كان يمنح شعبه طوال سني حكمه السابقة سياسات اقتصادية مدمرة جعلت بلاده تستورد القمح وتبدأ من الشهر الأول من العام الحالي بل من الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر عام 2007م بتقنين استخدام الكهرباء وقطع التيار ساعة كاملة كل ساعتين يوميا والوضع سيستمر في شهور الصيف القائظ و لا يبدو أن "منحة" الرئيس مشرف هذه ستجد حلا لها قبل أعوام ثلاثة خصوصا وان رئيس وزرائه السابق شوكت عزيز قام في أواخر العام الماضي بتصدير كميات من القمح بأسعار زهيدة وعاد واستوردها – ( أي أنها ربما تكون كميات القمح ذاتها التي تسافر جيئة وذهابا ) بأسعار مرتفعة جعلته يتمكن – بقدرة قادر – من التفكير في إقامة شركة دولية في الإمارات بعد أن "هرب" من بلاده إلى لندن في أعقب انتهاء مدة حكمه. هذا غيض من فيض من المنح التي حصل عليها الشعب الباكستاني من سياسات مشرف القائمة على الإصلاح الاقتصادي الذي رفع معدلات التضخم الرسمية إلى ما يزيد عن 15 بالمئة وجعل أسعار الغذاء ومواده تتضاعف عدة مرات لا تقل عن ثلاثة في غضون ثلاثة شهور مضت. هذه المنح مستمرة باسم سياسة القضاء على الفقر في باكستان والتي انتهجها مشرف منذ أن تولى السلطة وجاء بسياسة منح السلطة ووضعها بأيدي أقل الطبقات الدنيا مستوى في باكستان. هذه السياسة أدت ضمن ما أدت إليه إلى ترك 70 مليونا هم نصف سكان باكستان تحت خط الفقر وحملوا فوق رؤوسهم يافطة – هم لم يحملوها بل مشرف علقها على رؤوسهم بسبب طاعته العمياء للإملاءات الأمريكية – والمكتوب عليها مسمى "أشخاص فقدوا الأمن الغذائي إلى غير رجعة لهذا الأمن". مشرف يمنح.. وهو لا يمنح شعبه فقط .. بل يمنح الأمريكان يدا طليقة حرة لكي يضربوا أي قرية يرون ضرورة ضربها متى شاؤوا ذلك ويصرح في الوقت ذاته بأنه لن يسمح لأي قوة كانت بالتعدي على سيادة باكستان. آخر الأمور التي تفتقت عنها ذهنية المخططات والمصالح الخادمة لمصالح الولايات المتحدة هي محاولة اجتذاب سكان القبائل المتخامة مناطقهم للحدود مع أفغانستان من خلال ضخ أموال التنمية وأدوات التعليم ذات مسميات الحداثة البراقة لتغيير طبيعة حياتهم ودفعهم قسرا في نهاية المطاف للمطالبة بالسماح ببيع الخمور أو نشر دور الزنا أو ما شابه من صور هذه الحداثة التي يقاتل سكان هذه المناطق لمنعها من الوصول إلى "مخابئهم". طبعا الولايات المتحدة هي من تضخ هذه الأموال وأداة التنفيذ هي نظام الرئيس مشرف الذي يستخدم "المنح" كوسيلة لتخريب "بيته" بيده ويفقده موارده ويدمر مصانعه وهو بلد نووي يستطيع إنتاج الطاقة اللازمة لو أن مشرف لم يكبل علمائه النوويين ويربط أيديهم خلف ظهورهم طاعة منه لما يصله من إملاءات.. وهذه إملاءات لا تتوقف، خصوصا إذا ما عرفنا أن ريتشارد باوتشر مستشار كوندي رايس لشؤون المنطقة يقضى جل وقته بعيدا عن مكتبه في واشنطون مرتحلا إلى باكستان وأفغانستان. الحكومة الحالية حاولت توجيه الأنظار إلى أنها ستتبع آراء الشعب وتوقف العملية العسكرية في مناطق قبائل باكستان وأنها ستدخل في محادثات سلام مع المسلحين المتمردين في محاولات ترويضهم وضمهم إلى بقية أفراد القطيع الذين استمرؤوا المهانة ورفع أسعار غذائهم بدون أن ينبسوا ببنت شفه. ولكن هناك شقين للحكم.. واحد برئاسة مشرف المسلح بسلطة قضائية جاء بها بنفسه وبجيش رئيسه تابع له وبقوانين دستورية تلف حبل المشنقة على رقبة من يحاول مخالفته لدى تطبيقه للإملاءات.. مرة أخرى تطل الإملاءات برأسها المقدس من وجه نظر مشرف ذلك أنها تعتبر الوسيلة الوحيدة الناجعة لجعله يتمتع بالبقاء في السلطة ... بدونها سيجد نفسه بدون ظهر ينفعه وسيعود إدراجه إلى غرفة ضيقة يقضى فيها ما تبقى من عمره هذا إن تركه خصومه ينام وشأنه بدون بان يحاكموه على نتائج "المنح" التي لا تعد ولا تحصى والتي منحها بكل كرم لشعبه.. والشق الآخر للحكم له أيضا شقان الأول والأقوى هو زرداري زوج بينظير بوتو والذي وضع يده على قدرات تجعله هو الاخر قادرا على توجيه دفة السياسة الباكستانية وتحول من خلال عمليات التلميع – لا التجميل – إلى ملاك همه راحة الشعب وتناسى كثيرون تسمية رجل العشرة بالمائة التي كان ينعت بها بالسابق.. زرداري صرح عبر قناة جيو الإخبارية النشطة باكستانيا بأنه على الرغم من معارضته لوجود عسكري بالسلطة ورغم علامات الاستفهام الكثيرة التي تحيط بسياسات مشرف إلا أنه لا يستطيع أن يطيح به أو أن يطالبه بالاستقالة من منصبه لسبب وجيه ومحدد – كما قال – وهو أنه يحظى بالدعم من الرئيس بوش. وكان الرئيس مشرف يعتقد بأن ما يمنحه لحزب الشعب من خدمات مثل قرار المصالحة الوطنية الذي استفاد منه قادة الحزب مثل كل من بينظير وزرداري من خلال إلغاء جرائم الفساد الكثيرة المرفوعة ضدهما أمام المحاكم المحلية والأجنبية، يعتقد بأن بذلك سوف يجعله مقبولاً لديهم، وكان محقا في ذلك. ولهذا فإن حزب الشعب وقف موقفاً متساهلاً مع مشرف عندما تمت عملية إعادة انتخابه من البرلمان السابق. لقد حرص حزب الشعب حرصاً شديداً على معارضة المطالبة بالاستقالة الجماعية للمعارضة من البرلمان السابق احتجاجاً على إعادة انتخاب مشرف. كما أن حزب الشعب عمل كذلك على إقناع نواب حزب الرابطة (ن) بعدم الإستقالة. وهذا يعني بالضرورة أن هناك اتفاقا بين مشرف وزرداري على تقديم الخدمة تلو الأخرى للولايات المتحدة وقبول إملاءاتها وهي لا يهمها من يكون المتلقي لهذه الإملاءات بقدر ما يهما تنفيذها بحذافيرها. . واتفاقا بينهما على مقاومة تلك القوى المعارضة لهذه الإملاءات مهما تضائل حجم هذه المقاومة. كانت جميع سياسات الرئيس مشرف خلال مدة حكمه السابقة متماشية مع توجهات حزب الشعب باستثناء ما يتعلق بموقفه من البزة العسكرية، ولكن وللعديد من الأسباب فإن الجنرال مشرف فضل أن يقيم نظامه السابق بالتعاون مع حزب الرابطة (ق). وحافظ حزب الشعب على اتصالات مباشرة مع مشرف في الفترات السابقة من خلال مساعديه مثل طارق عزيز سكرتير مجلس الأمن القومي. كما أن قائد الجيش الجنرال أشفاق كياني الذي كان حينها رئيساً للاستخبارات العسكرية (ISI) قد قام هو الآخر بعقد محادثات مع حزب الشعب نيابة عن الرئيس مشرف. جون نيجروبونتي سفير واشنطون السابق في الهوندوراس والمكسيك والفلبين ووكيل وزيرة الخارجية حاليا اكتشف أن هناك نوع من "القطيعة" على حد اعتقاده بين العسكر في واشنطون ونظرائهم في إسلام أباد ولهذا فإن قوات باكستان وقوات الولايات المتحدة المتمركزة في باكستان غير قادرة على مواجهة القاعدة ومقاتلي طالبان ولهذا كله فإن ذهنه تفتق عن خطة يهدف من خلالها إلى إقامة وحدات عسكرية باكستانية مدربة تدريباأمريكيا وعلى أيدي ضباط أمريكان لكي تقوم هي بما لا يمكنها أن تقوم به قوات بلاده من ملاحقة للمسلحين المعارضين للوجود الأمريكي بالمنطقة. هذه القوات هي قوات مشتقة من الجيش الباكستاني ولكن مهامها ليست الدفاع عن باكستان أو شعبها ولكن قتل الباكستانيين وملاحقتهم بالأراضي الباكستانية خدمة لمصالح الولايات المتحدة. عمليات تدريب هذه القوات هي التي شككت طالبان الباكستانية في مدى صحة ما ذهبت إليه الحكومة الباكستانية من رغبة في التوصل إلى "سلام" مع القبائل المؤيدة لحركة طالبان في حزام القبائل الباكستانية المتاخم للحدود الباكستانية مع أفغانستان. وهذه واحدة من "المنح" الأخرى التي يقدمها الرئيس مشرف لشعبه خدمة لبقائه متربعا على السلطة ومهميناً عليها وكأن باكستان ليست بلدا بل شركة يديرها بنفسه. نيجروبونتي يهدف إلى تغيير طبيعة العلاقة بين العسكر في باكستان والولايات المتحدة من علاقة يفترض أنها بين جيشين متكافئين في السيادة إلى علاقة بين جيش ومحموعة من العسكر – هم الجيش الباكستاني – التابعين لهذا الجيش والذين لا يخططون بل ينفذون الإملاءات وحسب. مسؤول أمني باكستاني صرح بان عمليات التدريب هذه قد بدأت فعلا وأنها سوف تستمر على نطاق واسع بهدف إيجاد قوة باكستانية قادرة على الإسهام بشكل قوي في الحرب ضد الإرهاب. وفق برامج التدريب هذه سوف يأتي إلى باكستان ضباط عسكريون أمريكيون ويقيمون روابط مع ضباط الجيش الباكستاني ذوي الرتب الوسطى، بمن فيهم ضباط برتبة ميجور وكولونيل وبريجادير. وسيتم بعدها اختيار بعض الضباط لأخذهم إلى الولايات المتحدة حيث يتلقون التدريبات هناك على طرق مكافحة "المتمردين" وتنفيذ العمليات الخاصة في هذا المجال. يبدو أن العسكرية الأمريكية قد وجدت – متأخرة كعادتها - أن الطرق التقليدية في مواجهة المقاتلين الرافضين لتواجدها بالمنطقة لم تعد تجدي نفعا، مثل حشد أعداد كبيرة من القوات الباكستانية بمناطق القبائل واستعداء سكانها، ولهذا تقرر وضع ذلك جانبا والعمل على إرسال فرق مدربة بطرق خاصة وراء من تلاحقهم واشنطون وهم يفلتون منها وهي ليست قادرة على كسر شوكتهم بالطرق التقليدية السابقة، وفي الوقت ذاته تقوم الحكومة المنتخبة في إسلام أباد بزعامة حزب الشعب المتفقة ضمنا مع الأمريكان بالتفاوض معهم من اجل حل المشكلة "سلميا" – أي ملاحقة بطرق خاصة ومجرد حديث حول السلام. وستحصل باكستان في إطار مخطط "التدريب" الجديد على "مهام" أخرى جديدة لضباط الجيش الباكستاني غير تلك المناطة بهم وهي حماية مصالح بلدهم؛ ستحصل على مجموعة دعم جديدة من المعدات والأموال لكي تتناسب مع طريقة "مكافحة الإرهاب" الجديدة. ومكافئة لحكومة باكستان فإن الكونجرس الأمريكي سيبحث إمكانيات رفع الدعم غير العسكري لها إلى 7 بليون دولار! تدريب القوات الخاصة الباكستانية قائم على مبادرات مباشرة من جون نيجروبونتي وهي مثل تلك التي عمل على تنفيذها في كل من نيكاراغوا والفلبين والتي تم فيها تكوين فرق عسكرية محلية لتنفيذ معارك نيابة عن الولايات المتحدة. وكانت في حالة الفلبين موجهة ضد مقاتلي ابو سياف الذين تصمهم الولايات المتحدة بالإرهابيين وضد ما يسمى بالانفصاليين في جزيرة منديناو. وكانت الولايات المتحدة تعد مثل هؤلاء المقاتلين المحليين في نيكاراغوا لمقاتلة حكومة ساندينستا الثورية في الثمانينات. وهناك سببين للتغيير الذي طرأ على التكتيك العسكري الأمريكي في باكستان. الأول يتناول مسألة عدم وجود قدرات تدريبية مناسبة لدى الجيش الباكستاني على مكافحة حركات التمرد وخصوصا بالأجزاء الغربية الوعرة من باكستان ذلك أن التركيز الاستراتيجي في مجالات التدريب بالجيش الباكستاني ظل منصبا لأعوام طويلة على تغذية حملة التمرد الكشميرية ضد القوات الهندية المحتلة وهي السياسة والاستراتيجيات التي تخلى عنها مشرف كما تخلى عن سياسة البعد الاستراتيجي لباكستان في أفغانستان. والثاني هو أن الولايات المتحدة تجد انه من الضروري أن تقرب بين العسكر لديها وفي باكستان وان تقيم علاقات شخصية بينهما. قائد الجيش الباكستاني الحالي الجنرال إشفاق برفيز كياني شارك في ثلاث دورات مكثفة بالولايات المتحدة طور خلالها اتصالات واسعة مع المسؤولين الأمريكان. وعلى الرغم من أن أمريكا قدمت لباكستان قرابة 10 بليون دولار من الدعم العسكري على مدى السنوات السبع الماضية إلا أن أنشطة حركة طالبان المعادية للاحتلال الأمريكي في أفغانستان تزداد قوة بمرور الوقت ووجدت لنفسها ملجئا منيعا في مناطق القبائل الباكستانية. لهذا فان المسئولين الأمريكيين يشكون بان باكستان استخدمت أموال الدعم لبناء قدراتها العسكرية التقليدية من اجل استخدامها في أي مواجهات عسكرية محتملة مع الهند بدلا من تستخدمها لمكافحة ما يسمى بالإرهاب. ولذلك فإن أي أموال دعم إضافية مستقبلية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب سوف تذهب إلى جيوب ضباط الرتب الوسطى من العسكر نظير ما سيقدمونه من خدمات للولايات المتحدة في ملاحقة "الإرهابيين". مثل هؤلاء العسكر سيكونوا في قلب فرق العمليات الخاصة التي ستناط بهم بناء على التوجيهات الأمريكية. كانت الأموال في السابق ينتهي بها المطاف إلى الخزانة الباكستانية بدلا من أن تذهب إلى جيوب العملاء الذين يكشفون عن أماكن اختباء المقاتلين أو إلى جيوب الضباط الذين يخططون لقتلهم باستخدام الأسلحة الأمريكية الفتاكة.