أنت هنا

المسكوت عنه في تفجير السفارات؟
29 جمادى الأول 1429

فجأة ومن دون مقدمات،هوجمت سفارة الدانمرك في العاصمة الباكستانية إسلام أباد،في سابقة هي الأولى من نوعها وبخاصة عقب تجدد البذاءة الدانمركية المدعومة غربياً ضد نبي الرحمة المهداة محمد _صلى الله عليه وسلم_.فالهجوم على السفارة الدانمركية في بيروت قبل عامين-مثلاً-لم يكن نتيجة تخطيط مسبق ولم تقم به جماعة معينة بل حصل من قبل جموع غاضبة كانت تتظاهر لاستنكار الرسوم المنحطة حينئذ. وقد تعود الناس عندنا على جدل حاد وانقسام صارخ حول العلاقات الملتبسة مع الغرب منذ الحملة الصليبية الجديدة التي بدأت مع دخول جورج دبليو بوش البيت الأبيض قبل ما يقرب من ثماني سنوات.فهنالك متغربون تخصصوا في هجاء الأمة والافتراء على ثوابتها،وفي تقديس الغرب إلى حدود يأباها كثير من العقلاء والمنصفين في الغرب نفسه،وفي المقابل ابتليت أمة الإسلام برهط من الغلاة المتوترين انفعالياً ومحدودي القدرات العلمية الشرعية،فراحوا يكفرون من خالفهم كيفما اتفق بعيداً عن الضوابط الشرعية الدقيقة. وفي ظل هذا الاستقطاب الحاد الذي يصر على رفض الاتزان والعدل،ضاعت أصوات أهل العلم الأصلاء أو كادت،بعد أن تحولت القضايا الكبرى إلى سيوف إيديولوجية لا تُري الناس إلا ما ترى،وقد ساعدت الضغوط الخارجية الفظيعة في ابتزاز المواقف الرسمية،الأمر الذي زاد الطين بلة،وضاعف عمق الاستقطاب الموتور،وحجب بذلك صوت الحكمة والاعتدال الشرعي المؤكد لا السياسي المطلوب لخدمة أهداف خاصة محددة سلفاً. كما ضاقت مساحات التدبر المستقل والقراءة الموضوعية،رهبة أو رغبة،وخمدت كل محاولة حازمة لتفسير أي ظاهرة حيث باتت التهمة لصاحبها جاهزة وهي أنه يبرر "الإرهاب"!!مع علم الجميع بالبون الشاسع الذي يفصل التفسير عن التبرير،فتحليل العوامل المشجعة على تفشي الرشوة مثلاً في بلد ما،لا يعني عند العقلاء والمنصفين قبولاً بهذا المسلك المنحرف والمرفوض شرعاً رفضاً قاطعاً. فلنتأمل الحادث الأخير من زواياه المختلفة،لكي نوضح حجم الخلل في المعايير المتبعة في الحكم على كل تصرف يتصل بالعلاقة بين المسلمين والغرب. إن السفارات –حتى بالقانون الدولي الوضعي-ليست كيانات نهائية فيمكن إقفالها أو سحب السفراء أو طردهم .....بحسب المعطيات،إذا تجاوزت السفارة طبيعة عملها.فإذا كان من المحظور على المسلمين أفراداً وجماعات المساس بأمن السفارات غير الإسلامية أو العاملين فيها،فإن الشرع الحنيف يُلزم الحكومات المسلمة أن تتصدى بحزم لعدوان الدول الأخرى على أي مسلم،فكيف إذا استهدف التطاول الحقير سيد ولد آدم _صلى الله عليه وسلم_؟ فلو أن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي عمدت إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع الدانمرك منذ تفجر الرسوم البذيئة ورفض كوبنهاجن الاستجابة إلى نداءات المسلمين الرسمية والشعبية لوضع حد لثقافة الكراهية هذه،لما وجد الغلاة سبيلاً إلى تنفيذ رؤاهم الفردية الشاذة. وما ندعو إليه ليس بدعاً حتى في الأعراف السائدة وهي غربية المنشأ والولادة،فأمريكا تمارس المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية وفقاً لمصالحها،من دون أن يتطاول البلد المقاطَع على رمز من رموزها السياسية !!بل إن أكثر حكومات العالم الإسلامي نفسها تلجأ إلى تصرفات شديدة القسوة إذا اعتدى أجنبي على حاكمها بكلمة سيئة،فما لها لا تقيم لرسولها الكريم اعتباراً كهذا –وذلك أضعف الإيمان-؟! إن علينا أن نكون صرحاء في مواجهة أنفسنا،بدلاً من مواصلة السياسة الحالية،التي تزيد الأوضاع السيئة سوءاً،وتؤجج الضغائن وتتيح للمتهورين والجانحين والمتنطعين فرصة كبرى لتوجيه المشاعر في اتجاهات سلبية تهدم ولا تبني .