أنت هنا

هل ينتهي الزواج السوري الإيراني؟
27 جمادى الأول 1429

بعد استعصاء مديد-بحسب الظاهر!!-أخذ المشهد الإقليمي يتبدل بصورة كلية ترسم ألف علامة استفهام، وتثير شكوكاً تقرب من الجزم بأن ترتيب الأوضاع المستجد لم يكن وليد اللحظة ولا ثمرة مصادفة،بل إنه جرى وفق مسار مرسوم مسبقاً.
"فجأة"أصبحت دويلة البغي والغصب تقبل التخلي عن هضبة الجولان السورية التي يحتلها اليهود منذ كارثة 1967م،والتي أعلنت ضمها رسمياً عام1981م!!و"فجأة"باتت دولة آيات قم الداعية على لسان رئيسها لإزالة الكيان الصهيوني جذرياً باتت ترى في المفاوضات السرية بين دمشق وتل أبيب نضالاً مشرّفاً!!و"فجأة"ثالثة لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تصرّ على عزل النظام السوري لتأديبه!!و"فجأة"أخرى يقرر نائب وزير الدفاع الأمريكي أن بلاده سوف تتعامل مع وزراء "حزب الله" في الحكومة اللبنانية المقبلة باحترام على اعتبار أنهم وصلوا إلى مواقعهم نتيجة انتخابات حرة (بالطبع لم يأنِ لعاقل أن ينسى نقيض ذلك تماماً في الموقف الغربي كله من حركة حماس من قبل ومن بعد!!).
فكيف يتسنى للمرء فهم هذه المتغيرات التي يراد لها أن تبدو مجرد مصادفات لا رابط بينها؟
هنالك تفسير يشير إلى أن نقطة الخلاف اليتيمة بين واشنطن وتل أبيب من جانب وطهران من جانب آخر-أي الملف النووي الإيراني-وصلت إلى طريق مسدود، الأمر الذي يفتح احتمالات شتى، ويجعل من تحجيم النفوذ الإيراني أولوية مطلقة، وهو تحجيم يستحيل بلوغه ما دام التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران قائماً،فدمشق هي بوابة النظام الصفوي الوحيدة للتسلل إلى المنطقة العربية، وهي الشريان التاجي لنقل إمدادات الولي الفقيه إلى جنوده في لبنان المنضوين تحت اسم "حزب الله".
واليهود أكدوا للوسيط التركي أن إنهاء الحلف السوري مع إيران شرط لازم لنجاح المفاوضات على مصير الجولان، في حين يتمسك المسؤولون السوريون –علانية على الأقل-بثبات هذا الحلف وبأنه خارج نطاق الصفقة التي يجري طبخها بعيداً عن الأضواء،وإن كان هنالك مؤشرات على العكس عملياً.
وثمة من يقرأ الأحداث المتسارعة في لبنان مؤخراً في هذا الإطار،وبخاصة منذ اجتياح "حزب الله" بيروت الغربية المعقل السني الكبير وإغلاقه مطار بيروت الدولي والمرفأ الرئيسي للبلد،وصولاً إلى اتفاق الدوحة؛ فبعض المراقبين يعتبرون الغزوة الرافضية البيروتية رسالة استباقية من الآيات في قم إلى شريكهم السوري لتحذيره من المغامرة وتذكيره بأن طهران هي التي تمسك بالمقود، وهي رسالة أخرى إلى الحليف الأكبر في واشنطن مفادها أن دق إسفين بين دمشق وطهران لا يقطع الشريان الحيوي مع أزلام ولاية الفقيه في لبنان، فالبديل الجاهز هو مطار بيروت نفسه الذي يمكن تحويله إلى جسر مباشر عبر انتزاعه من السلطة اللبنانية الضعيفة!!
وبحسب هذه القراءة فإن اتفاق الدوحة تم بضوء إيراني أخضر لحزب نصر الله وهو ضوء كان شبه علني، ولاسيما بالنسبة إلى الوسيط القطري والمفاوضين اللبنانيين هناك.
ويقال: إن بوادر الشقاق السوري الإيراني لاحت في الأفق منذ الاغتيال المريب لعماد مغنية القيادي الرئيسي في "حزب الله" والذي تمت تصفيته بعبوة ناسفة في معقله "الآمن"في العاصمة السورية!! ويدعم هذه النظرية نبرة نصر الله الحادة في خطابه الاستفزازي قبل أسبوع، ورده العدائي على خطاب الرئيس اللبناني الجديد ميشيل سليمان بفارق 24 ساعة فقط!! غير أن المُضِيّ في هذا السيناريو إلى النهاية مشروط باستمرار المفاوضات بين السوريين والكيان الصهيوني و"نجاحها"فعلياً. فهنالك رهان إيراني قوي على انتكاس هذه المفاوضات تأسيساً على مأزق أولمرت المتهم بالفساد، الأمر الذي يجعل الثمن الذي تسدده إيران يقتصر على التناقض المطلق بين خطابها المناوئ لوجود الدويلة الصهيونية ومنحها"بَرَكة"نظام الملالي لمفاوضات دمشق مع الكيان المراد محوه عن الخريطة بالخطب البلاغية الكاذبة!!وهذه الثمن مقبول جداً عند قومٍ يعد النفاق تسعة أعشار دينهم!!