أنت هنا

التسوية اللبنانية وسط الحريق..ما وراء نجاح المفاوضات؟
17 جمادى الأول 1429

بعد عامين من التناحر الحاد بين فريقَيْ الموالاة والمعارضة في لبنان،"تَوّجَتْهما"غزوة "حزب الله" لبيروت في محاولة لإنهاء التيار السنيّ الأكبر، فوجئ العالم –واللبنانيون أنفسهم- بإنجاز اتفاق بين جانبي الأزمة خلال بضعة أيام من الحوار في الدوحة برعاية قطرية ومتابعة من اللجنة الوزارية العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وبصرف النظر عن بنود الاتفاق ومدى التنازلات التي قدمها هذا الطرف أو ذاك؛ فإن من المفيد أن يتأمل المرء في الظروف والمعطيات التي أتاحت للقطريين النجاح في ما فشل فيه لاعبون كبار كفرنسا ذات الصلة التقليدية القوية بلبنان ولاسيما أن الموارنة يعتبرونها- تاريخيا – الأم الحنون لهم!!
وربما كانت قراءة الأحداث معكوسة- من الآخر إلى الأول - أوضح دلالة عما جرى في العواصم البعيدة المؤثرة في كواليس المفاوضات بين الفريقين المتصارعين. فالأمريكيون الذين يعتبرون أن حزب نصر الله منظمة إرهابية وهو ما يفترض أن يعترضوا معه بقوة على اتفاق سياسي معه يكفل له: تعويما"كبيرا محليا وإقليميا عقب احتراق أوراقه المزورة عن المقاومة وتجارة العداء المطلق والأوحد للكيان الصهيوني، هؤلاء الأمريكيون كانوا في طليعة المرحبين باتفاق الدوحة فور إعلانه، ناهيك عن تأييدهم الأكيد الذي كان شرطا ضروريا لنجاح قطر في وساطتها.
والمفارقة التي تثير الاهتمام أن الموقف الإيراني من الاتفاق يطابق الموقف الرسمي المعلن لـ"الشيطان الأكبر"!! ولا يختلف اثنان في أن حزب نصر الله هو فرع فعلي للحرس الثوري الإيراني فتبعيته لطهران لا تقتصر على الجانب العقدي (الغلو الرافضي على منهج ولاية الفقيه) بل تشمل التمويل والتسليح والقرار الاستراتيجي؛ فكيف التقت هذه المتناقضات كلها على رؤية موحدة؟ ويصبح الجواب عن السؤال أكثر تعقيدا في ظل تسريبات معينة تزعم أن الصفقة التي تمت كان وراءها هدف أمريكي خفيّ يتمثل في تزامن الإعلان عن اتفاق طرفَيْ الأزمة في لبنان مع الكشف عن بدء مفاوضات غير مباشرة بين دمشق وتل أبيب برعاية حكومة رجب طيب أردوغان التركية. وذلك الربط - لو صح - يعني واحدا من ثلاثة احتمالات، أولها: موافقة نظام قم على تسوية سياسية في الجولان بين حليفها العربي الوحيد و"الدولة اليهودية" التي يدّعي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على أنه سوف يزيلها من الوجود، الأمر الذي يفضح مجددا حجم نفاق نظام التقية والبون الرهيب بين شعاراته التجارية وسلوكه العملي، ويؤكد أنه من الممكن جداً إيجاد تفهم بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية!! أما الاحتمال الثاني فهو أن حسن نصر الله يمضي في خطة معادية لإيران؟! وهذا أيضاً أمر مستبعد وإن لم يكن مستحيلاً، ويبقى الاحتمال الثالث وهو أن الاتفاق هو نوع من حرق الوقت باتجاه الوصول إلى برنامج عسكري نووي كامل يمكن الإيرانيين من لعب دور أكبر في المنطقة وهو أمر غير مستبعد الحصول على كل حال.
ومهما كانت الدوافع والمجريات الخفية بين المتلاعبين الأساسيين بمستقبل لبنان والمنطقة،فإنه لا يلغي الجهد المكثف الذي بذلتْه قطر،ولا من ذكائها الدبلوماسي الذي استثمرتْه في اقتناص اللحظة الملائمة إقليميا ودوليا لتحقيق إنجاز كبير سياسيا، يساعدها في ذلك صلتها الوطيدة بجميع نقائض المشهد: واشنطن-طهران-دمشق-تل أبيب بالإضافة إلى علاقاتها الخليجية التي نجحت في إعادة ترميمها، وهو ما جعلها حاضرة أكثر من أي وقت مضى في تاريخها بغض النظر عن وجهة النظر التي تتخذها النخبة والشعوب حيال هذا الدور ومدى اتفاقها أو اختلافها معه.