أنت هنا

السودان في مرمى الاستهداف
8 جمادى الأول 1429

الذي حدث في السودان على مدى اليومين الماضين يدعو بكل اعتبار إلى القلق والانزعاج على مصير عاصمة إسلامية وعربية غالية على قلوبنا جميعاً، وبأي حال يحتاج إلى حساب شديد القسوة من قبل الحكومة السودانية للمتسببين في تلك الوقائع المؤسفة، والتحقيق في أسباب هذا التراخي من قبل البعض في التصدي للهجوم الذي قامت به حركة متمردة قادمة من دارفور إلى مدينة أم درمان المتاخمة للعاصمة السودانية الخرطوم.
إنه، وبعيداً عن التفسير التآمري للأحداث، لا يمكن الفكاك من تناول الأخطاء الفادحة التي وقعت بها الأجهزة المعنية في رصد هذا الهجوم الذي، وفشلها في تقدير الحجم الحقيقي لهم, حتى فوجئت بميليشيا حركة العدل والمساواة في شوارع أم درمان والخرطوم.
فالسودان اليوم، هو سودان الاستثمار الواعد، وهو سلة الغذاء العربية المأمولة في ظل غلاء يضرب بأطنابه من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وتكتوي بناره جميع الشعوب العربية التي باتت في أمس الحاجة إلى تفعيل دور الاستثمارات العربية ليس في السودان المستقر فحسب، بل حتى في دارفور ذاتها التي تعد مشكلتها اقتصادية بالأساس، وحلها يسير لو نظر إليها بقدر من الإخلاص العربي والرغبة في الحل، بل لن نبالغ إن قلنا إن حل قضية دارفور ربما يكون في رغبة مستثمر عربي واحد من أولئك الحالين على قائمة فوربس، والتأييد العربي المعنوي له.
ونحن إذ لا ننظر إلى السودان بهذه النظرة "البراجماتية" الجافة التي لا تأخذ باعتبارها الأخوة الإسلامية وأواصر الدم وغيرهما؛ فإننا لا نهمل أهمية الاهتمام العربي بما جرى في السودان في الأيام الماضيات لاستخلاص العبر منه، فما يخص السودان يخصنا جميعاً، وما قصد به تبيان هشاشة استقراره إنما استهدف جميع المستثمرين العرب الطامحين في مستقبل زراعي وثروة حيوانية زاهرين في السودان.
وليس من قبيل المصادفة أن تتعدد البرامج التليفزيونية التشجيعية على الاستثمار في السودان على الشاشات العربية الأسابيع الماضية، ثم تأتي هذه النكسة بعدها، لتقول لرأس المال الجبان ارحل عن السودان.. وبدلاً من الاستثمار فيه عليك باستيراد السمن من هولندا ومنتجات الألبان من الدنمارك!!
إن السودان على الدوام مستهدف، غير أن من الواجب ألا يرتكن المسؤولون السودانيون ولا نحن إلى هذه المسلّمة، لاعتبارها مبرراً يحول دون التدقيق جيداً والتحقيق في أسباب ما جرى للحؤول دون تكراره؛ فمصائر الشعوب وأمن بلادنا العربية والإسلامية ليس مجالاً لأي "مزحة سخيفة"! وإذا جرى هذا من حركة متمردة ضعيفة نهبت الأرض باتجاه العاصمة فماذا إذن يُعد لدولة غازية كأمريكا أو فرنسا؟!!
وجميع السودانيين قد يدفعون ثمن ما جرى من اقتصادهم وأمنهم من دون أن تفي هذه المغامرة المريبة بأي ثمن لفاعليها سواء أكانوا يسعون إلى هدف نبيل ـ كما يزعمون ـ (العدل والمساواة) أو لا، فهي مغامرة تفتقر إلى كل مقومات الإصلاح ولو تذرعت به أو ولو وضعت على رأسها اسم زعيم "إسلامي" على أحسن الفروض الظنية بها، ولو أسمت عبثها بالدم السوداني في الأيام الماضية "غزوة"!!