دماء الطريق الجديدة السنية.. فاتورة "سيد الفوضى"
7 جمادى الأول 1429
المسلم

لم تعد "خارطة الطريق" ورقة يحتكرها الرئيس الأمريكي جورج بوش، كما لم تبق "الفوضى الخلاقة" ملكية فكرية خالصة لوزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس؛ فالفوضى هي التكتيك الجديد الذي بات يعتمده الأمين العام لـ"حزب الله" في مسعاه للاستيلاء على السياسة اللبنانية بعد اختطاف المقاومة واحتكارها، و"المقاومة" ما عادت تملك خرائطها باتجاه الحدود مع فلسطين، وإنما ارتكست إلى طرابلس وبيروت الغربية والجبل.
وإذا كانت طرابلس ذات وجود سني كثيف، وغالبية واضحة؛ فإن بيروت هي مدينة كل الطوائف، للتوضيح؛ فإن معظم ضحايا الفوضى الميليشياوية الشيعية هي في جانب السنة، والتي وقعت خارج حدود القتال (كالذي جرى في الجبل بين الشيعة والدروز)، وهو الذي يُعد عملاً مجرماً بكل ما تعنيه الكلمة ولو لم يسفل إلى حد ارتكاب المجازر كثيرة العدد لحد الآن.
بين الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية، وحي اللجا الذي يقطنه غالبية من منظمة "أمل"، وبيروت الشرقية ذات الغالبية المسيحية، تبدو الطريق الجديدة التي يبلغ سكانها نحو ربع مليون شخص يمثلون ربع سكان العاصمة تقريبا كعنوان أظهر للمسلمين السنة الذين لا يقطنون في هذه المنطقة فقط وإنما ينتشرون في مناطق أخرى أقل كثافة.
الطريق الجديدة/الخاصرة الرخوة في بيروت فهي الوحيدة ككتلة سكانية كبيرة من بين الطوائف والأديان في بيروت التي لا تتمتع بحماية عسكرية، وتكون تنفرد بالافتقار إلى التسليح والتدريب كجزيرة وسط طوائف تتمتع جميعها بالغطاء الأمني من منظومات الميليشيات الطائفية.
السبت الماضي شهدت الطريق الجديدة ـ أو طريق الجديدة كما يطلق عليها بشكل رسمي ـ جريمة إطلاق نار على موكب تشييع لأحد من استشهاد محمد شماعة ليلة الخميس على أيدي ميليشيات شيعية، ما أدى إلى استشهاد ستة علاوة على سقوط نحو اثني عشر جريحاً، ما زاد الاحتقان في المنطقة، وقد روي أن حسن الصباغ الناشط الشيعي قد ارتكب هذه المجزرة متلمساً طريق حسن الصباح سفاح الحشاشين المعروف، و"المقرف ـ بحسب أم ماهر التي صرحت لجريدة الشرق الأوسط ـ أن من أطلق النار عليهم كان يحظى بثقتهم. كلهم كانوا يشترون من محله ما يلزمهم" (ما لم تستوعبه أم ماهر يعرفه من يدقق قليلاً في نظرة هذه الطائفة التي لا تبادل أحداً حباً بحب ولا وفاء بما يناسبه.)
على الفور ورغم خيبة أمل تلك النفوس المكلومة ورغبتها في الثأر، عمد الأهالي إلى تحييد المنطقة عن الصراع القائم ودخل إليها الجيش اللبناني وتمركز عند كافة مداخل المنطقة.
لم يكن ثمة سلاح ظاهر لسكان منطقة تعد أكبر دائرة انتخابية في لبنان كله، حيث تضم نحو 85 ألف صوت انتخابي، ومع ذلك ظلت وادعة إلى أن فاجأها العدوان الميلشياوي الذي انطلق مع إشارة حسن نصر الله في خطابه إلى اللبنانيين، والذي معه بدأت ساعة الصفر للفوضى التي تضرب لبنان حتى كتابة هذا التقرير، وهو الآن مدعو لأن ينضج وسيلة للمقاومة في حال تكرار العدوان أو اندلاع حرب طائفية.
وبرغم المجازر التي ارتكبتها "إسرائيل" في حرب يوليو وعدم التفاتها إلى المناشير التي ألقتها فوق الضاحية الجنوبية تحذر الأهالي أحياناً؛ فإن الطريق الجديدة لم تنعم يوماً بمثل هذه المناشير؛ إذ توالى القصف الجوي عليها دون سابق إنذار، حتى دمرت منطقتهم في العام 1982، وصارت مدينة كميل شمعون الرياضية والملعب البلدي والفاكهاني وصبرا كومة من الرماد، يقول شاكر البرجاوي ورئيس "حزب التيار العربي" من المنطقة: "نحن قبل حزب الله في المقاومة، نحن قاومنا الاجتياح الإسرائيلي، وأسقطنا اتفاق 17 أيار، ووقفنا في مواجهة استباحة منطقتنا، وساعدنا أهلنا في المخيمات على الصمود، وإن كل فتنة في الداخل اليوم هي خدمة خالصة للمشروع الإسرائيلي".
وحيث المقاومة في بيروت كانت تعني على الدوام :الطريق الجديدة، كانت صاحبة القسط الأوفر من القصف والعدوان والشهداء في ذلك العام إلى أن تم إسكاتها من بعد عن طريق منظمة "أمل" وما يُسمى بأفواج المقاومة اللبنانية، التي لم تعرف من مقاومة العدو الصهيوني إلا سكان وأهالي هذه المنطقة الأبية، ففرضت سطوتها عليهم، وأذاقت المنطقة الأمرين بعدما فرضت هيمنتها على مساجد وشوارع المنطقة ما بين عامي 1985 و1986، واللذين شهدا أكبر مجازر تنفذها منظمة "أمل" ضد الفلسطينيين المقاومين في صبرا وشاتيلا وغيرهما من المخيمات الفلسطينية برضا كامل وفي غمار سعادة كبيرة من جنرالات الكيان الصهيوني، الذين سرهم أيضاً إسكات الصوت المقاوم في الطريق الجديدة الحاضن الطبيعي والقاعدة الخلفية للمقاومة الفلسطينية.
وإن كانت المنطقة قد تخلصت قليلاً من السيطرة الشيعية الإمامية؛ فإنها لم تسلم من السيطرة النصيرية (العلوية) على أيدي الاستخبارات السورية في العام 1987 التي لم تفتأ تلاحق النشطاء والنبلاء في المنطقة؛ فتوالت الاعتقالات والاستجوابات والمداهمات والملاحقات.
لم تتوقف التحرشات الطائفية بالمنطقة؛ فالعام الماضي شهد بدوره بلطجة واضحة من الطلاب المنتمين إلى منظمة "أمل" في العام 2007 بعدما طالبوا بتسليم طالبة سنية تجرأت وانتقدت الطائفيين في قناة تلفزيونية محلية.
وقبل الأحداث الأخيرة بأيام قليلة، كانت الطريق الجديدة غصة في حلق الانقلابيين عندما تجاهلت الإضراب الذي دعت إليه المعارضة، وأفشلته في ربع العاصمة التي لم تحن جبهتها للطائفية؛ فصارت في مرمى نيران الطائفيين بعد يومين اثنين فقط من تجاهلها للإضراب وفشله من ثَم.. وهي الآن مرشحة لتتحمل الفاتورة الأفدح لانفلات نصر الله وانسياب ميليشياته في الأزقة.