أنت هنا

الصحافة في يوم"حريتها"!!
29 ربيع الثاني 1429

هل كان دهاقنة البيت الأبيض جهلة أو ذوي ذاكرة مثقوبة،لكي يطلقوا سراح مصور قناة الجزيرة سامي الحاج من "معسكر الحرية"في جوانتانمو عشية اليوم العالمي للصحافة،الذي يفترض أنه مناسبة لتثبيت حرية الإعلام،وترسيخ لأمانة الكلمة،وتعزيز لشرف رسالة الحرف، في خدمة الخير والذود عن الحقيقة؟.
ما تفيده التجربة المديدة المريرة أن الجماعة تعمدوا الإفراج عن هذا الإعلامي السوداني المختَطَف في هذه المناسبة عن سابق عمد وتصميم،ظنّاً منهم بأن قرارهم يمكن أن يغطي على جرائمهم في قمع الحريات حول العالم،من خلال خطوة فردية –دون التقليل من ضرورة إطلاق الحاج وجميع الأبرياء المختَطَفين في المعتقلات الأمريكية الأصيلة والوكيلة!!-.وإلا فإن من حق كل إنسان يحترم نفسه أن يعيد القضية إلى جوهرها،ألا وهو سؤال جنود البغي عمّن خوّلهم استعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟
والمسألة –إذاً-أعمق من سطحها الخارجي المفتعل،الذي يريدون الإيحاء عبره بأنها تخص فرداً أو أفراداً،بل هي تمس كرامة البشر التي منحهم رب العالمين إياها،وتطعن العدالة في قلبها،لأن من بدهياتها عدم احتجاز أي إنسان خارج دائرة الاتهام الرسمي من سلطة قضائية عادية،على أن تتاح للمتهم فرصة كاملة للدفاع عن نفسه في نطاق من الشفافية والعلنية.
لقد كان اختطاف الحاج وأمثاله عملاً همجيا، يشبه أفعال العصابات الإجرامية لا الدول التي تلتزم حدّاً أدنى من السلوك الراقي،بدءاً بالإجراءات السليمة،وانتهاء بالمحاكمة العادلة،في حين سيق الرجل إلى معسكر العار الأمريكي،لمجرد أنه مسلم وعربي ولديه "سلاح"فتاك يتمثل في كاميرته التي "تتطفل"على عرس الديموقراطية الآتية بوساطة قاذفات بي52 والإف16 ومروحيات أباتشي،التي نثرت الرعب والدمار في أكثر من بلد مسلم.
وما يدل على النية الإجرامية المتأصلة أكثر من سجن سامي الحاج نحو سبع سنوات عجاف،ناهيكم عما مارسه جلادو الحضارة الغربية في حقه وحق زملائه من حقارة سادية بدنيا ونفسيا،وقد بلغت ذروة انحطاطها في الاعتداء المتكرر على المصحف الشريف،أمام أناس عزل لا سلاح في أيديهم يدفعون به أذى الوحوش الحاقدة.
إن المسافة بين شعارات الغرب-وأمريكا في مقدمته- في ما يتصل بحقوق الإنسان وحرية الإعلام،وبين واقعه يقاس بالسنين الضوئية حقيقةً لا مجازاً.فبالإضافة إلى دعم واشنطن المستمر للنظم الاستبدادية الشرسة التي تبطش بكل من لا يشاطرها "تأليه"الحاكم الطاغية،فإنها عمدت في أحول مختلفة إلى القتل والخطف والتعذيب ضد كل إعلامي خالفها الرأي،أو سعى إلى كشف فظائعها في هذا البلد أو ذاك.
حدث ذلك –وما زال يحدث-في العراق وفي أفغانستان ومن قبل في فيتنام وفي أنحاء شتى من قارة أمريكا الجنوبية،وهو النهج المنافق ذاته الذي تتبعه دولة الحقد والغدر في فلسطين المحتلة،بتواطؤ أمريكي/غربي مطلق،وصل إلى حد اغتيال إعلاميين وناشطين غربيين في مجال حقوق الإنسان.
إن معضلة الولايات المتحدة-وهي تلخص بكثافة مأساة الازدواجية الغربية العريقة-تكمن في رؤيتها للعالم من خلال الكبر والغطرسة الموروثَيْن عن الرومان والإغريق وصولاً إلى الإسبان والهولنديين ثم الإنجليز والفرنسيين والألمان،تأسيساً على نرجسية غربية لا تكاد تتوقف،وخلاصتها أن البشر درجات،وأن العرق الأبيض هو الذي يمثل الإنسان،وأن الأعراق والألوان والثقافات الأخرى "منحطة"وبدائية،ولذلك ينبغي استرقاقها لخدمة الجنس السيد!!
أجل فهؤلاء –في الفكر كما في الواقع-يضعون حيواناتهم في مكانة أعلى كثيرا عن سائر البشر.ويستوي في ذلك من يعلن قناعاته العنصرية التافهة(من أمثال هتلر وموسوليني ولوبن ...)ومن يغلّف تلك البذاءات بقفازات مخاتلة،لزوم الدبلوماسية والضحك على الآخرين باعتبارهم ساذجين لا عقول لديهم!!فالفرق الوحيد بين الصنفين يتلخص في أن الصنف الوقح أكثر"صدقاً"مع نفسه وأقل خبثاً ومكراً .