الهند وجهود السيطرة على البحار
26 ربيع الثاني 1429
علي مطر

استضافت الهند ندوة رئيسية لقيادات الأسلحة البحرية بمنطقة المحيط الهندي في شهر فبراير الماضي بعنوان" ندوة المحيط الهندي" مع هدف معلن لها يرمي إلى ما وصفته الهند بأنه "ضمان الفوائد والمنفعة المتبادلة لجميع الدول الشاطئية المطلة على المحيط الهندي تحت عناوين الأمن البحري والاستقرار والسلامة وما سيتبع ذلك من ازدهار جماعي لهذه الدول ".

وجاءت السمـة الرئيسية للنـدوة لتدور حول التحديات القومية المعاصـرة المتعلقة بالروابط البحرية الدولية المتنوعة القائمة في المحيط الهندي. وضـم المدعوون للنـدوة ممثلون عـن استراليا واندونيسيا وجنوب أفريقيا والسعودية وسريلانكا وبنجلاديش وماليزيا وتايلند وسنغافورة. وبهذا فانه تم استبعاد القوى البحرية العالمية الرئيسية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين عن الندوة بحجة أنها ليست دولة شاطئية على المحيط الهندي في حين أن دولاً إقليمية أخرى بارزة مثل باكستان وإيران لم تشارك في الندوة. إلا أن سفير باكستان في نيودلهي شارك بالندوة وبرفقته الملحق البحري بالسفارة.

لكن هذه الندوة فقدت أهميتها المميـزة بغياب القوى البحريـة العظمى وغياب لاعبين إقليميين هامين مثل باكستان وإيران. وعلق قائد البحرية الهندي الأدميرال سوريش مهتا مبررا تغييب البلدين بأنه ربما نجم عـن
" أسباب قاهرة " ولكن عضويتهما محفوظة، وقال أنه يتطلع إلى تفاعل أكبر بيني بين الدول المشاركة مع ضرورة الانقطاع التام عن الماضي. وبعد يومين مـن انعقاد النـدوة اتفق قادة أسلحة البحرية المشاركين على زيادة التعاون الهادف إلى تحسين الأمن البحري في منطقة المحيط الهندي. وصرح الأدميرال ميهتا بأنه تقرر عقد اجتماع كل عامين لقادة الأسلحة البحرية على أن تدور رئاسة وسكرتارية الندوة بصورة متبادلة بين الأعضاء. وتدعيماً للمزيد من التعاون بين الأسلحة البحرية المشاركة، فقد تقرر عقد ندوات منتظمة تضم ضباط بحريين تابعين لها ولكن على المستويات الصغيرة والوسطى، وذلك من أجل بناء الثقة ودعم قابلية تبادل المعدات والمكونات المختلفة بين الدول الأعضاء في سكرتارية الندوة.

ورفض المشاركون مقولة أن الندوة بصفتها الحالية سوف تبرز مجموعة الدول الأعضاء على أنها تكتل لقوة بحرية وقال الإدميرال ميهتا أن الهدف من هذا التجمع هو دعم السلام والاستقرار. وقال إن التشكيل الرسمي للسكرتارية ولآلية التفاعل فيما بين أعضائها سوف " يقلل من التهديدات في منطقة المحيط الهندي ولن يسمح للإرهاب بالتصعيد ".

وبالنظر إلى هذا الحدث من مختلف جوانبه فان هذه الندوة تعكس رغبة لدى الهند في فرض سيطرتها وهيمنتها على منطقة المحيط الهندي. حيث يفيد المحللون بأنه في الوقت الذي تم فيه ترك لاعبين هامين خارج إطار الندوة، فإن الهدف الحقيقي من عقدها وتشكيل سكرتاريتها هو العمل على إيقاف النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة الآسيو ـ إفريقية. وقد اتضحت الأهداف الهندية من عقد الندوة في حديث وزير الدفاع الهندي السيد أي. كي. أنتوني الذي حذر الدول الشاطئية المشاركة من خلال قوله " ... يجب حث جميع الدول الأعضاء حالياً وتلك التي ستنضم في المستقبل الى سكرتارية الندوة على مقاومة أي محاولة للتزويد بمجموعة بسيطة من الأجوبة على بعض المشاكل أو التحديات. إنني أحذر الدول الأعضاء في الندوة من الإقدام على استيراد قوالب من خارج هذه المنطقة ".

ويرى خبراء الدفاع أنه تم تشكيل هذه الندوة على غرار الندوة البحرية لمنطقة غرب المحيط الهادي والتي تقودها الولايات المتحدة والتي تتشكل من أسلحة بحرية تابعة لدول غرب المحيط الهادي، وإن ندوة المحيط الهندي قد تم تشكيلها بناء على توجيهات من الولايات المتحدة لمواجهة ما يسمى "بسلسلة إستراتيجيات السلام الصينية" (التي وضعتها الولايات المتحدة) والتي توجه الاتهام إلى سلاح البحرية الصيني بأنه يحاول إيجاد موطأ قدم له في المحيط الهندي من خلال قواعد بحرية في جوادر بباكستان وفي مانيمار وفيتنام. في حين أن الهند تؤكد على أن هذه الندوة ليست طلقة في صدر الصين، فإن غيرها من الدول الإقليمية مثل استراليا قد ظلت قلقة من التجمعات متعددة الأطراف مثل هذه الندوة خشية من أن يؤدي ذلك إلى الإساءة للصين.

وتجدر الإشارة إلى أن منطقة المحيط الهندي مليئة بالنزاعات السياسية. لقد اعترف قائد البحرية الهندية نفسه بذلك في كلمته الافتتاحية في الندوة عندما قال:- " تعيش دول منطقة المحيط الهندي في جوار هش وتحيط بها مجموعة متنوعة من المشاكل والأزمات، مثل التهديد بعـدم اتخاذ الحكومات لأي إجراءات حيال أي طارئ وغيرها من التهديدات الأمنية المشابهة". والمفارقة هي أن الهند هي المركز الأساسي لجميع النزاعات السياسية في منطقة جنوب آسيا تماما مثل كونها واقعة في المركز الجغرافي لهذه المنطقة. جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي لدول جنوب آسيا لديها خلافات رئيسية مع الهند، سواء كانت تلك الخلافات حول الأرض أو بشأن المشاركة في مياه الأنهار أو لقيام الهند بتقديم الدعم المكثف للحركات الانفصالية في تلك الدول.

المحيط الهندي يمتد من البحر الأحمر والشاطئ الإفريقي في الغرب إلى مضيق مالاكة في الشرق، ومن المنطقة المتجمدة الجنوبية إلى منطقة غرب آسيا في الشمال. وتبلغ مساحته 28 مليون كيلومتر مربع وفيه 65 بالمائة من موارد الطاقة في العالم والتي تضمها منطقة الخليج، وينقل على مياهه 40 بالمائة من التدفق النقطي، وفيه نقطتي اختناق هما مضيق هرمز في الشرق ومضيق مالاكة في الغرب. ومضيق مالاكة هو أضيق نقاطه إذ لا يزيد عرضه عن ميلين. وتمر في هذا المضيق حوالي 16،000 ناقلة رئيسية وغيرها من الناقلات الأخرى في كل عام. إن للهند رغبة كبيرة في استخدام سلاح البحرية لديها لعرض عضلاتها وقوتها في مياه هذا المحيط ولإنجاز التقدم المطلوب تحقيقه في أهدافها الرامية إلى فرض الهيمنة الإقليمية في منطقة بهذا القدر الكبير من الحساسية، وهي رغبة بحاجة لمن يضع حداً لها.