أنت هنا

محاولة اغتيال قرضاي
25 ربيع الثاني 1429

في أوج الإحساس بالنشوة، وخلال استعراض عسكري شابه في مشهده الاحتفال الذي غيب الموت خلاله الرئيس المصري أنور السادات في العام 1981، انطلقت قذائف صاروخية وطلقات مدافع من على بعد مئات الأمتار باتجاه المنصة التي كان يخطب بها الرئيس الأفغاني المعين من قبل الاحتلال الأمريكي حامد قرضاي؛ لتنسف آمال الحلف الاحتلالي في أفغانستان، وتحيي أخرى في جهة المقاومة الأفغانية بشأن هز كراسي القادمين على ظهر الدبابات الأمريكية.
محاولة اغتيال قد تحدث في أي مكان في العالم ـ وإن لم تكن بهذه الجرأة ـ لكنها الأبعد مغزى ومعنى من أي من مثيلاتها في قارة آسيا؛ إذ الرصاص موجه على نحو معنوي إلى الرئيس الأمريكي الذي يحزم حقائبه استعداداًَ للرحيل من البيت الأبيض الشتاء القادم، وتصل بعض شظاياه إلى المرشح الجمهوري جون ماكين الذي يبدي تعاطفاً كبيراً مع فكرة احتلال أفغانستان، ويعد مشروعه امتداداً لمشروع بوش في هذه الخصوصية بالذات، وثَم؛ فقد أوقعت تلك العملية المفاجئة الحلفاء على جانبي الأطلسي في ارتباك، ودعتهم إلى إعادة حساباتهم في التعامل مع الملف الأفغاني.
من نافلة القول، بل من المهم جداً أن نقول إن قرضاي في حس من سودوه في منصب الرئاسة ليس إلا دمية لا يُبكى عليها إن سقطت يوماً مضرجة بالدماء، ولابد أن مطلقي النار عليه يدركون قيمته المتواضعة لدى الأمريكيين من الناحية العملية، لكنه مع ذلك يظل رمزاً يتوجب على الأمريكيين الحفاظ على سلامته، لاسيما وجل حراسته من الأمريكيين أنفسهم، واغتياله بهذه الطريقة أو بأخرى مدعاة للتشكيك في قدرة الولايات المتحدة على حماية "حلفائها"، بل ربما يمتد التشكيك إلى قدرتها على حماية عملائها في الصعيد المحلى في برنامج حماية الشهود الذي يتعلق في شقه الجنائي بقضايا مدنية وشديدة الخصوصية والمحلية.
على أن الأخطر في المسألة، هي في كون هذا التراجع الأمني حواليّ المنصة، يؤشر بجلاء إلى اهتزاز الاستقرار في سائر بلدان أفغانستان أين منه العاصمة ذاتها، ومن باب أولى مناطق نفوذ طالبان بالجنوب الأفغاني، وفي معقل قومية الباشتون المتاخم للحدود الباكستانية.
وهذا بدوره يختزل سنوات الرئيس الأمريكي جورج بوش في جهد عبثي لم تجنِ منه الولايات المتحدة ما يعوضها عن خسارتها الاقتصادية سوى أنها أسقطت نظام طالبان من دون أن تدعي أنها تمكنت من تنصيب غيره بشكل مستقر.
إن على الرئيس الأمريكي وهو يغادر البيت الأبيض أن يتذكر الأيام التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001، حين كان يزهو بقدرة بلاده العسكرية، ويتحدث عن جهود "إعمار" أفغانستان، وإقامة ديمقراطية حقيقية وتمثيل متكافئ لأطياف الشعب الأفغاني؛ إذ لم يفلح بوش في غير تجييش الشعب الأفغاني ضده وضد حلفائه الأفغان إلى الحد الذي غاب معه أمانهم الشخصي، فضلاً عن أمان شعبهم.
لقد خسرت طالبان الحرب حتى الآن، وعليها الاعتراف بأنه بعد 7 سنوات من مفاجأة سبتمبر، لم تحصد منها إلا غياباً عن الحكم الأفغاني الذي لم يزل قرضاي مستمسكاً بمنصبه الممنوح له على خلفية تلك الأحداث، وإن ظلت حاضرة بقوة في المشهد السياسي في البلاد، لكن الولايات المتحدة لم تربحها، ولا يمكنها أبداً أن تدعي أنها نجحت في لجم أنشطة الرافضين لها في وسط آسيا، وعلى الرئيس الأمريكي أن يتذكر جيداً أنه يغادر البيت الأبيض وحليفه الموعود بالأمن والاستقرار، يلوذ بالفرار الآن بالفرار أمام زخات رصاص شعبه الغاضب من هذا العدوان على حقوقه وإرادته ودينه من قبل.