أنت هنا

حل الميلشيات في العراق.. بين الشعار المتأخر والتطبيق المستحيل!!
3 ربيع الثاني 1429

بعد الهزيمة النكراء التي تلقاها "جيش" الحكومة العراقية مؤخرا على أيدي عصابات مقتدى الصدر بمدينة البصرة،عمدت القوى السياسية المُمْسكة بخناق العراقيين إلى ستر إخفاقها بدعوة ما يسمى"المكتب السياسي"لمجلس الأمن القومي،الذي انتهى إلى دعوة الأحزاب في البلاد إلى حل ميليشياتها،معتبرا ذلك شرطا مسبقا لدخول تلك الأحزاب في أي انتخابات مقبلة.
قبل أن يقرأ المراقب الموضوعي هذه الدعوة بحثا عن أهدافها ووصولا إلى تقويم مدى جديتها،يجدر به ألا ينسى جملة من المعطيات الأساسية التي يسعى الاحتلال الأمريكي وأدواته المحلية إلى القفز فوقها أو السكوت عنها.فلماذا صمتت سلطات المحتل ووكلاؤها العراقيون عن استشراء الميليشيات حتى باتت أقوى عسكريا مما تملكه"الدولة"؟وهو سؤال ساذج لأن هؤلاء لم يمارسوا الصمت والتغاضي عن نشوء هذه الطفيليات واستفحال أنيابها،لأنها ببساطة هي القوة الفعلية التي سلّمها الغزاة جميع شؤون العراق لتنفيذ مشروعه التدميري.وأصحابها الذين قَدِموا تحت حراب الأمريكان والإنجليز هم الذين ينهبون ما يفيض عن حصة الغاصب الأجنبي،ويتقاسمون النفوذ السياسي بأسلوب عصابات المافيا.
ومن أبجديات قيام الدول ولا سيما في العصر الحاضر،أنها هي التي تحتكر حق العنف النظامي "القانوني" في وجه الخارجين على النظام أو الذين يحملون السلاح لتغيير السلطة بالقوة ،الأمر الذي يجعل من الميليشيات-بالضرورة-معول هدم يقوّض أركان الدولة،ولذلك لا توجد دولة فعلية-محترمة أو غير جديرة بالاحترام-تسمح بأن تشاطرها أي قوة غير رسمية مهمات حفظ الأمن والنظام.
فهل الأمريكيون جادّون حقا في التوجه نحو استئصال الميليشيات التي عاثت في الأرض فسادا ومارست جرائم حرب لا نظير لها وأثخنت جسد العراق النازف بمزيد من الجروح الغائرة؟
بالطبع نحن نسأل عن الموقف الأمريكي،لأن الوكلاء ليسوا أصحاب قرار أصلا لكي يبحث المرء عن نصيب ادعاءاتهم وتصريحاتهم من الصحة،حتى لو كان التلويح بحل الميليشيات جديدا على مستوى الطرح اللفظي.ولو كان لهم من الأمر شيء فإنه يتعذر على عاقل أن يحمل دعوتهم على محمل الجد،لأنها –ببساطة- تتناقض مع وجودهم ذاته.فهل المجلس الأعلى وحزب الدعوة –مثلا-مستعدان لإلغاء فرق الموت التي تعد شريان الحياة لهما؟ناهيكم عن الأكراد الذين تجاوزوا المسألة كليا من خلال تحويل قواتهم الحزبية "جيشا نظاميا"خاصا بالمنطقة الكردية ويمنعون دخول أي قوة عراقية رسمية على مستوى الجيش أو الشرطة من ولوج مقاطعتهم شبه المنفصلة!!كما أن حكومة الميليشيات عاجزة عن حظرها بالقوة حتى لو أرادت،فلا جيش حقيقيا لديها بحسب خطط المحتل طويلة الأمد،وقد أثبتت موقعة البصرة هذا العجز،بالرغم من المؤازرة الأمريكية الجوية الاضطرارية لحملة المالكي على الأرض.

قد يكون التوجه إلى حل الميليشيات –إذا تبين صدق التصريحات العراقية الأخيرة، تسريبات أمريكية غير مباشرة لجس النبض،تمهيدا لإنهاء الذراع العسكرية لمقتدى الصدر،بحيث يخرج من دائرة تقاسم النهب المنظم لثروات العراق وجنوبه الغني بالنفط والزراعة وموارد المياه الغزيرة،وهو أمر يعود بحصة أكبر لبقية الناهبين من تجار الموت كالمجلس الأعلى وحزب الدعوة،ولا يسوء الأمريكان لأنه يخلصهم من الصدر الذي لا يخرج عن الكلام في معاداتهم لكن الآخرين المجربين من قبل يكفونهم مؤونة التأكد من صدق ولائه!
وطهران التي تتفاهم على توهين العراق مع "الشيطان الأكبر"منذ الغزو،ليست حريصة على مستقبل الصدر الذي لم يلجأ إليها إلا متأخرا ومضطرا،عندما أفلس ارتداؤه ثوب مقاومة مستعارا،لكن النظام الإيراني قد يُبْقي على الصدريين كقوة سياسية احتياطية ضد الأتباع الرافضيين الموثوق بهم،ولكن قد يضطرهم أي خلاف حقيقي بين واشنطن وآيات قم،إلى تأييد البيت الأبيض وفقا لحسابات مصالحهم.