هل نجحت حماس في تجاوز أزمة اغتيال القادة؟
3 ربيع الثاني 1429
عدنان أبو عامر

تبنى الصهاينة مسألة اغتيال قيادة حركة حماس السياسية منذ أواسط انتفاضة الأقصى، بدعوى أنها الرأس المدبر للعديد من العمليات الفدائية التي أودت بحياة المئات منهم، ولم تكن هذه الاتهامات اعتباطية، بل إنهم حملوها المسؤولية المباشرة عن موتهم، من خلال إرسالهم شخصياً للاستشهاديين، ورغم أن هذه الاتهامات تعتريها الكثير من المغالطات الأمنية والسياسية، إلا أن الإعلام الصهيوني مضى في هذا المنهج إلى حين وقوع حوادث الاغتيال ذاتها.
*تهيئة الرأي العام لاغتيال قيادة حماس
ارتفعت حدة التهديدات حين تمكنت حركة حماس من تنفيذ عدد من العمليات الفدائية والاستشهادية الناجحة، وجاء على لسان زئيف بويم، نائب وزير الحرب: إن الشيخ ياسين والرنتيسي يستحقان الموت، وأنصحهما بالاختفاء، لقد تم إدراجهما ضمن قائمة المستهدفين بالقتل، والأفضل لهما أن يختبئان تحت الأرض، حيث لا يستطيعان التفريق بين النهار والليل.. سنعثر عليهما في سراديبهما ونصفيهما".
وربما شكلت عملية ميناء أسدود بداية العد التنازلي لتوقيت الاغتيال، وهي العملية التي نفذها شابان من قطاع غزة ينتميان لكتائب القسام، وأودت بحياة عشرة صهاينة وجرح عشرين آخرين، واستشهاد المنفذين، حيث أجمعت الصحف على تحميل قيادات حماس مسئولية تنفيذ العملية، التي وصفتها بـ"الضربة الإستراتيجية والعملية النوعية"، وتمثل تحولا استراتيجيا في عمليات فصائل المقاومة المسلحة، وتكشف عن اختراق وتقصير أمنيين كبيرين.
وبعيد الاغتيال علق شاؤول موفاز وزير الحرب قائلا: تدير إسرائيل حربا ضد "الإرهاب" على كل المستويات الممكنة، النشطاء، الأموال، التحريض، وكان أحمد ياسين قائدا قام بإرسال مئات المسلحين، وأصبح بن لادن الفلسطيني، أنا أعتقد أن المس بقياديي الإرهاب هو واجب وحق الحكومة الإسرائيلية.
وكان بإمكان كل متابع للإعلام المرئي في ذلك اليوم، مشاهدة العناوين الرئيسة التي بثتها القنوات التلفزيونية والصحف الرئيسة التي تركزت في العبارات التالية: التصفية والتأهب، 60 % من الإسرائيليين يؤيدون التصفية، نهاية ملك الإرهاب، تحطمت الأواني، الكرسي الشاغر، ليس ذلك فقط، بل إن شريط الأخبار الذي يبث طوال الوقت على شاشات التلفاز لم تكن تقدم أخبارا بالمعنى المهني، بقدر ما كان يبث مزاعم الحكومة ضد الشيخ ياسين، وهكذا كان واضحا حجم الاصطفاف الإعلامي خلف المؤسسة العسكرية والأمنية، ليس ذلك فحسب، بل وحجم التحريض الذي مارسه هذا الإعلام لتنفيذ المزيد من عمليات الاغتيال.
ولقيت عملية اغتيال الشيخ ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي حالة من الجدل والخلاف سواء من ناحية أخلاقية أو ناحية سياسية داخل المجتمع الصهيوني، وتمحور هذا الجدل في عدد من المواقف: تصاعد الخوف لما قد يجره الاغتيال من عزلة على الكيان، خلفت تهديدات حماس وباقي قوى المقاومة حالة غير مسبوقة من الرعب، خاصة مع تعود الإسرائيليين أن تبر الفصائل المقاومة بقسمها بالانتقام لقادتها، وكان يكفي في السابق أن يقتل قائد ميداني هنا أو هناك حتى تنتشر العمليات في المدن، فماذا لو كان الاغتيال استهدف قائدا بمكانة الشيخ ياسين والرنتيسي ستتبارى كل الأجنحة المسلحة الانتقام لدمهما؟
ومع هذا الاختلاف، إلا أن الصهاينة عموما، إعلاميين وباحثين وساسة، صفقوا من خلال العناوين الرئيسة والتعليقات والتحليلات لعملية الاغتيال، سواء من خلال استخدام العديد من المصطلحات الفاقعة، كوصفها بـ"التصفية الإيجابية"، والبدء في "تطهير قطاع غزة من قادة حماس قبل إخلائه"، وقد برز الترويج الواضح للاغتيالين من خلال التغطية التي حظي بها، صحيح أن مواقفهم تراوحت بين مرحب بالاغتيال، ومتحفظ، ومعارض، إلا أن الكفة مالت لصالح المؤيدين، وربما أفضل عنوان يصلح لتوصيف هذه الحالة هو: إجماع على شرعية الاغتيال، لكن الخلاف حول التوقيت!
وقد ساهم الإعلام الإسرائيلي بمختلف صحفه وإذاعاته وقنواته التلفزيونية، على استضافة المؤيدين للاغتيال، بل والمحرضين عليها منذ زمن، وإعادتها في برامج تلفزيونية.
لماذا قرار اغتيال قيادة حماس؟
بعد أن أعلنت الحكومة الصهيونية تبنيها الصريح لسياسة اغتيال قيادة حماس، بدأت وسائل الإعلام مهمة التسويغ الإعلامي لهذه السياسة عبر عدة مراحل :
- أشارت وسائل الإعلام إلى أن مصير زعامة حماس تقرر في 20 آب 2003، بعد العملية الفدائية التي نفذتها حركة حماس في باص إيغد رقم 2 ، في القدس، وقتل فيها 22 صهيونيا، في أعقاب العملية عقد رئيس الوزراء نقاشا دراماتيكيا، " الدم كان يغلي في العروق، اقتراحات حادة جدا للرد انطلقت في الغرفة، رؤساء جهاز الأمن خرجوا من الجلسة بإحساس واضح: القيادة السياسية أعطت الضوء الأخضر للعمل بكل الوسائل ضد قادة حماس، علما بأن هذه القيادة السياسية أعلنت في الكثير من الحالات عدم صلتها بالعمل العسكري، مفندين بذلك المزاعم الإسرائيلية التي اتهمتها بإعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ العمليات.
- ذكرت بعض التحليلات التي نشرت عقب الاغتيال أن " حركة حماس لا يمكن التمييز فيها بين المستويين السياسي والعسكري، كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس خرجت لقتل إسرائيليين بمباركة زعمائها، وعلى رأسهم ياسين، ياسين لم يمنح حصانة لأي مواطن في إسرائيل، من القدس ونتانيا، تل أبيب وأسدود، لم يكن لديه أي حق أخلاقي بحصانة كهذه من مس إسرائيلي ، ياسين لم يوفر مبررات قوية لإعفائه من الموت ، وبذلك فإن اغتياله كان مبررا، بقدر لا يقل عن الاغتيالات الأمريكية - التي لم تنجح بعد - بحق أسامة بن لادن ومساعديه!!
- حرص الإعلام الإسرائيلي في سعيه لتبرير الاغتيال إلى انتقاء مصطلحات ذات وقع أخف على القارئ من مصطلح الاغتيال ، ومن ذلك:( القتل المستهدف ، الدفاع الإيجابي ، التصفية الموضعية، ضربات مختارة ) ، ولعل ذلك كان مدار جدل كبير بين الحكومة الإسرائيلية وعدد من الإذاعات الغربية ، لاسيما إذاعة البي بي سي، التي أوصتها بعدم استخدام كلمة ( يغتال ) لوصف قتل الإسرائيليين للفلسطينيين ، بحجة أن الفعل يستخدم لوصف عمليات اغتيال شخصيات سياسية مهمة ، وأوصتها باستخدام عبارة القتل المستهدف ، وطالما برر الإعلام الإسرائيلي سياسة الاغتيالات تحت حجة أن رد الفعل الإسرائيلي يندرج ضمن السياسة القاضية بإحباط وملاحقة مخططي العمليات "الفدائية".
- برر الإعلام الإسرائيلي سياسة الاغتيالات ، وعمليات القتل والتصفية باعتبارها شرعية وفق قاعدة " من يرد قتلك اقتله " ، لأن القياديين الفلسطينيين الذين قتلوا في عمليات الاغتيال مسئولون عن مقتل عشرات الإسرائيليين ، ويخططون لعمليات أخرى ، لذا فليس هناك أكثر شرعية من قتلهم وتصفيتهم جسديا ، لأن ذلك عمل محق وحكيم ، ويعتبر بمثابة تنفيذ حكومة لحكم الإعدام بحقهم ، ويحبط عمليات فدائية مستقبلية كانوا يخططون للقيام بها .
- جرت العادة لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية ، أن تلصق فور الإعلان عن اغتيال ناشط فلسطيني جميع التهم الملفقة المعهودة ، مثل : وضع عبوات ناسفة ، المسؤولية عن قتل عشرات الإسرائيليين ، التنسيق بين المنظمات الفلسطينية ، كان يعد لعملية استشهادية في القدس ، الأمر الذي يشير أن قوائم التهم معدة سلفا ، وهذه الوسائل بانتظار الضحية القادمة ليس إلا ! ولعل أبرز مثال على ذلك ، ما أوردته في أعقاب اغتيال الشيخ أحمد ياسين ، حيث أعدت وسائل الإعلام قوائم جاهزة عن العمليات التي خطط لها وأمر بتنفيذها الشيخ أحمد ياسين ، وصورت أن مقتله كان حماية لأرواح المئات من الإسرائيليين !
- اتبعت وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوب التهويل من قوة أجهزة الأمن في تنفيذ حوادث الاغتيال ، حيث لجأت إلى أسلوب الحرب النفسية المقننة المبرمجة ، في ضوء صراعها الفكري والعسكري مع الشعب الفلسطيني بشكل خاص ، وتبين ذلك من خلال رسم السيناريوهات الأمنية حول إلقاء القبض واغتيال نشطاء خلايا المقاومة .
وقد قام المراسلون العسكريون بالحديث عن عملية اغتيال الشيخ ياسين ، وكأنها واحدة من "بطولات" الجيش الإسرائيلي ، وقدرته على الوصول إلى كل فلسطيني مطلوب ، كما يصفها جنرالات الجيش أنفسهم ، بل إن وسائل الإعلام الإسرائيلية سردت عددا من المصطلحات البوليسية ( الدرامية) لتوصيف اغتيال الشيخ أحمد ياسين ، مثل : التصويت الدراماتيكي، الفرصة المفوتة ، الانتظار المتوتر !! وكأن الحديث يدور عن مطلوب يتخفى بين الأدغال ، وينتقل من نفق لآخر !!
فشل الاغتيال في استئصال حماس
برغم الأجواء المحرضة والمعبئة على قيادة حماس، والحث والتشجيع على اغتيالها وتصفيتها، فقد حفلت الساحة السياسية بآراء "معتدلة" نظرت لسياسة الاغتيال نظرة إستراتيجية على المدى البعيد، ومدى أثرها في التقليل من جهود المقاومة، فضلا عن القضاء عليها، واستئصالها نهائيا، ومن هذه الآراء:
- زعيم حزب العمل السابق عضو الكنيست "عمرام متسناع" قال: استيقظنا اليوم على شرق أوسط حزين، أمننا جميعا سيكون في حالة أسوأ، أنا لا أبكي على الشيخ ياسين، ولكن كان على الحكومة أن تسأل نفسها إلى أين سيؤدي كل هذا، لن نقلل من عمليات حماس، من دن ذراع سياسية فإن أي حرب على الإرهاب محكوم عليها بالفشل..هذا صباح تعيس!
- رئيس الموساد السابق، أفرايم هاليفي، أعلن أن الاغتيال خطأ فاحش للسياسة وللمصالح الإسرائيلية، فهو أحد القادة المعتدلين جدا للحركة، وبفضله امتنعت عن تنفيذ عمليات ضد أهداف يهودية في الخارج.
- المستشرق "د.غاي باخور"، كتب مقالا انتقد فيه الاغتيال لأسباب إسرائيلية، ومما قاله: مع التصفية انغمرت غزة برمتها في حماس، ومن سعى إلى تقزيم الحركة، منحها الآن أبعادا وطنية، دينية وتاريخية هائلة، لقد حول الاغتيال قطاع غزة برمته لصالح حركة حماس، ومعاديا يتطلع إلى الثأر".
وهكذا تجلى موقف إسرائيل بمختلف مسمياته، الرسمي والسياسي والإعلامي، بين مرحب بالاغتيال، ومتحفظ، ومعارض، مع أن الكفة مالت في النهاية لصالح المؤيدين، فيما تبقى الخوف سيد الموقف، الخوف الذي تمثل في إلغاء الإجازات والدورات في جهاز الشرطة، وفي حالة التهيؤ القصوى في الجيش والقيادة الداخلية، والمطافئ وخدمات الإنقاذ، وفرض الطوق على المناطق المحتلة، وما زالت الدولة العبرية تعاني بعد مرور أربعة أعوام على الاغتيال تحصد ثمار ما قامت به، فقد أصبحت حماس تنظيما عصيا على الاستئصال، ولم تعد حركة سياسية بين نظيراتها من قوى المقاومة كما تركها الشهداء المؤسسون، بل غدت الحركة نظاما سياسيا حاكما تستجديه أطراف إقليمية ودولية لمهادنة الكيان التي تئن تحت ضربات المقاومة.
وقد أجمعت الأحداث السياسية التي واكبتها حركة حماس، وتلت حوادث اغتيال قادتها المؤسسين، أنها استطاعت أن تتعدى أزمة اغتيال قياداتها من الصف الأول، وأنها لازالت قوية ومتماسكة، رغم أن اغتيال هؤلاء القادة مثل ضربة صعبة وقاسية للحركة التي مثل لها الشيخ ياسين على سبيل المثال فضلا عن موقع التأسيس، الزعامة الروحية التي استمدت منها الحركة العزيمة والإلهام والقدرة على مواجهة الأمور.
وإن شئتم أكثر من ذلك، فقد شكل وجود الشيخ التفافا منقطع النظير من مختلف القيادات والقواعد بجميع مستوياتها التنظيمية، الأمر الذي قد لا تستطيع بالضرورة القيادات التي أتت بعده تحقيق ذات الالتفاف والاصطفاف التنظيمي.
ومع ذلك، نجحت حركة حماس في تجاوز الأزمة عقب اغتيال قيادتها التأسيسية، من خلال المؤسسات التنظيمية والشورية التي أفرزت قيادة جديدة، كما تمكنت من فرز قيادة جماهيرية تحظى بشعبية كبيرة وفائقة في الداخل والخارج، ممن ساروا على منهج القادة، وباتوا يكررون شعاراتهم ومبادئهم التي استشهد من أجلها.
علما بأن تأثير اغتيال القادة على عملهم في تنظيم حماس؛ يتضح من خلال انعكاسات التهديدات التي يتعرض لها قادة الحركة على تواجدهم بين الجماهير بصورة دائمة، الأمر الذي تفوقت فيه حماس على سواها من التنظيمات الأخرى.
ومع ذلك، فلا يخفى أن يؤدي الغياب بسبب التخوف من الاغتيال إلى حدوث نوع من الفجوة التنظيمية بين القيادة والقاعدة، ومع ذلك تغلبت حركة حماس على هذه المصاعب من خلال قدرتها على إفراز قيادات ميدانية من الصف الثاني والثالث من قيادة الحركة، التي تجتهد قدر الإمكان في أن تحل محل القيادة السياسية".
وهكذا أثبتت الوقائع الميدانية أن اغتيال قيادة حماس التي تنتهجها دولة الاحتلال سياسة أثبتت فشلها، فالقائد الذي يتم اغتياله يأتي من بعده قائداً أكثراً تشدداً، الأمر الذي يدلل على فشل هذه السياسية الصهيونية.
وفي حين كان للشيخ ياسين وباقي القيادة التأسيسية لحركة حماس موقع متقدم، لكن ذلك لا يغفل حقيقة أن قيادة حماس قيادة جماعية، حيث لم يكن هؤلاء أصحاب اتخاذ قرارات، بل هناك مجالس شورية مؤسساتية تسدي النصح وتوصي بالقرارات".