أنت هنا

5 سنوات عجاف.. جحيم "العم سام" في العراق!!
18 ربيع الأول 1429

ظلت حرب فيتنام(1956-1973م) كابوسا رهيبا للساسة والعسكريين الأمريكيين،وذكرى أليمة لملايين المواطنين،لما أسفرت عنه من خسائر ضخمة بشريا وماديا،وبخاصة أنها انتهت بهزيمة نكراء على أيدي عصابات الفيتكونج.
لكن "انتصار"أمريكا السهل على عراق صدام حسين(عام1991م)،حرّر الأمريكيين من عقدة فيتنام،واغتروا بقوتهم العسكرية الغاشمة، ولاسيما بعد زوال الخصم الكبير(الاتحاد السوفياتي) وتوابعه في حلف وارسو.
أما اليوم-في الذكرى الخامسة لاحتلالهم العراق-فإن الأكثرية الساحقة من الأمريكان، باتت ترى حرب فيتنام نزهة بالقياس إلى كارثة غزوهم لبلاد الرافدين، فقد أفاقوا من أكاذيب إدارة جورج دبليو بوش، الذي أصبح متفردا في حديثه المثير للسخرية عن نصر حاسم حققه في العراق، لأنه نصر لا وجود له إلا في مخيلته وعلى ألسنة حفنة من بقايا المحافظين الجدد، الذين زيّنوا له "رحلة" اجتياح العراق، مدفوعين بحقد صليبي، وجشع للنفط الرخيص، وقد ضحك عليهم عملاؤهم من أمثال أحمد الجلبي وفؤاد عجمي ولوبي إيران، الذين أكدوا لهم أن العراقيين سوف يستقبلون جنود الاحتلال بالزهور والرياحين!!
فالخسائر المادية –وفقا للتقديرات الأمريكية الرسمية-تجاوزت 600 مليار دولار، في حين يصرّ جوزف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد على أنها تربو على ثلاثة تريليونات من الدولارات!!ناهيكم عن ألوف القتلى من الجنود الذين يتكتم البنتاجون على أعدادهم تكتما شديدا،ونحو مئة ألف جريح ومعوق.
أما على الصعيد المعنوي فالكارثة على العم سام أشد وأدهى،فقد أثبت غزو العراق مدى احتقار الولايات المتحدة الأمريكية للقانون الدولي الذي تلعب دورا رئيسيا في صوغه،وللأمم المتحدة التي تكاد تغدو فرعا لوزارة الخارجية الأمريكية. كما أسقط الغزو اللعين أكذوبة تصدير الديموقراطية ورعاية حقوق الإنسان،وبخاصة بعد فضائح سجن أبو غريب، ومعتقل جوانتنمو.
بل إن الحرب العدوانية ذاتها، عرّت واشنطن من دثار سيادة القانون داخل الأراضي الأمريكية، فأصبحت الحقوق لمواطنيها درجات، تتباين بحسب الدين واللون والعرق الأصلي، وسادت حالة تشبه قوانين الطوارئ في بلدان العالم الثالث التي طالما سخر منها الأمريكيون وعدّوها نظما همجية ، ما دامت لا ترضخ لإملاءات أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
أما العراق الذي زعموا أنهم سيجعلون منه نموذجا للديموقراطية، فقد خسر نحو ربع سكانه من خلال القتل والاعتقال التعسفي والتشريد في الداخل والخارج، فضلا عن انتشار فرق الموت الطائفية الفظيعة.
ويكفي ها هنا استعادة تصريحات جلال طالباني – رئيس العراق وأحد أبرز مهندسي الغزو - إذ رحّب في الذكرى الخامسة للاحتلال الأمريكي لبلاده، بإنهاء نظام صدام حسين!!، لكنه أقرّ بأن الغزو جلب معه العنف والإرهاب واستشراء الفساد!!-واللهم لا شماتة-.
وها هو سعد الدين إبراهيم - أكبر المروّجين لأسطورة الفردوس الأرضي الأمريكي - يعترف بأنه (مهما كانت خطايا نظام صدام حسين، وهي كانت عظيمة وفادحة للعراق والأمة العربية، فإن خطايا الغزو الأمريكي للعراق كانت أعظم وأفدح).
وفي المنظار الاستراتيجي، قدّم بوش الابن العراق وأفغانستان هدية مجانية لنظام الملالي في طهران، وهو أعدى نظام سياسي له - حسب أبواق الجانبين -!!فقد ساعدها بوش في تحقيق حلم كان أقرب إلى الخيال،فأصبحت قادرة على تصدير ثورتها المسمومة إلى 5 ساحات، كما تحدث بدقة وزير الثقافة اللبناني الأسبق غسان سلامة.
وهو ما أوجزه رئيس الحكومة الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان- وكان وزيرا لخارجية فرنسا عشية الغزو الغاشم- فوصف إيران بأنها المنتصر الأكبر في الحرب الأمريكية على العراق.
تلك الخطوط العريضة للحصاد المُرّ الذي جناه – وما زال يجنيه - بوش من غزو العراق، تفسر للقارئ غير المتابع حرص المرشحين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة الأمريكية، على اجتذاب الناخبين بورقة الفرار من الجحيم العراقي،وإن كان السؤال الصعب الذي يتهربون منه-بحكم طريقة التهريج التقليدية في الحملات الانتخابية-هو:كيف؟.وأنى لهم أن يجيبوا عن سؤال عسير كهذا،فمهما كانت الإجابة فإن لها ثمنا باهظا يتعين دفعه.