أنت هنا

أزمة الأمة.. بين إفراط الغلاة وتفريط الجُفاة
17 ربيع الأول 1429

هو مأزق يؤلم كل مسلم متوازن يعلم يقينا ويؤمن إيمانا جازما، أن الإسلام دين الوسطية الحقة،مثلما يتبين من النصوص القطعية في كتاب الله العزيز وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وكما يتجلى في تطبيقاته العملية في سيرة نبينا الكريم ثم في عصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان،ولا سيما في القرون الثلاثة المفضلة.
وهو نهج ظلت معالمه واضحة ما دامت نصوص الوحيَيْن محفوظة بحفظ الله تبارك وتعالى،ولم تندرس تلك المعالم عمليا ولو في نطاق شرائح قليلة الحجم في عصور التراجع وأزمنة التقهقر،ثم راحت الأمة تستعيده في واقعها رويدا رويدا،خلال عشرات السنين المنصرمة، بالرغم من القيود والعوائق الداخلية والخارجية.
غير أن النجاحات غير المتوقعة لمسيرة العودة إلى المنابع الصافية النقية الأصيلة،استفزت الأعداء الذين زينت لهم شياطينهم وتفوقهم المادي،أنهم تخلصوا من الإسلام وأحالوه إلى التقاعد إلا من عبادات محضة يؤديها أفراد على تخوم الشيخوخة،وباستثناء انحرافات عن الجادة نحو الخرافة والشعوذة المخدرة!!
فإذا أضفنا إلى ما سلف إخفاقات التنصير والاستشراق والاحتلال المباشر،ندرك سر إقدام العدو اللدود على تبديل وسائله إلى توظيف عملاء في زي مفكرين مصنوعين على عينه كأدوات لهدم الدين من الداخل،واستغلال عميان البصيرة من المفتونين بتقدم الغرب تقنيا وصناعيا،وتوهمهم أنه لا سبيل أمام المسلمين للنهوض من كبوتهم سوى تقليد الغرب "بخيره وشره"-كما قال طه حسين وشايعه آخرون!!
لكن الأذيال فشلت أكثر مما فشل سادتها،بالرغم من السيطرة بالقوة الحديدية على السلطة والمال والتعليم والإعلام،فإذا بردة فعل الأكثرية الساحقة أن تصحو من غفلتها وتؤوب إلى دينها الذي تمكنت معه ذات يوم من صنع حضارة ليس لها نظير في تاريخ البشرية جمعاء.
وفي خضم القهر المسلط على الدعاة والشباب،حيث التعذيب الوحشي والانتهاك المزري بكرامة الإنسان الذي كرّمه ربه سبحانه،نما فكر متطرف يخلط الأحكام ويعمم الصور بلا دراية،وبخاصة مع التضييق الشديد على العلماء المخلصين،الأمر الذي جعل غير المتفقهين يتصدون للمهمة بلا مؤهلات،فجرّوا على الأمة مزيدا من الويلات.
هذه الصورة القاتمة التي مرت بها معظم بلاد المسلمين،نجّى الله عز وجل بلادنا منها،بما أنها لم تتلوث بأقدام الغزاة الصليبيين،وقامت منذ تأسيسها على الإسلام عقيدة وشريعة،تحت راية :لا إله إلا الله محمد رسول الله،وامتازت بتلاحم بين ولاة أمورها ورعيتهم،وبمكانة متميزة لأهل العلم الشرعي،يفّقهون ويعظون ويسددون ويوجهون،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وليس خافيا أن هذا النموذج يثير حنق أعداء الإسلام،ومن طالع مشروعاتهم-مثل مؤسسة راند وأمريكان إنتربرايز....-لا يبقى لديه أدنى شك في ما نقول.
من هنا تتضح خطورة الدور الذي تقوم به أقلام مشبوهة لبث الشبهات والتطاول على ثوابت الإسلام،بما يحقق أهداف السادة المناوئين للملكة ورسالتها ودورها الريادي في العالم،من تمزيق أواصر المجتمع السعودي،وتوهين روابطه السياسية والاجتماعية،لكي يصبح-لا قدّر الله- لقمة سائغة للموتورين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ،والله متمّ نوره ولو كره المشركون.
فهل يود هؤلاء-عن وعي منهم أو جهل-أن تمر المملكة العربية السعودية بالمآسي التي مرت بها أكثر بلاد المسلمين من فتن وطوام؟
إن دورهم هدام حتى بمقاييس الوطنية المجردة،فأي مكانة للمملكة أسمى من التشرف بخدمة الحرمين الشريفين وقيادة مليار ونصف مليار من المسلمين على دروب الخير والعزة بإذن الله،من خلال نموذجها الإسلامي المتميز والذي يستحق التأسي به؟
إن أمة محمد صلى الله عليه وسلم نضجت بعد التجارب المريرة،ولم تعد تنخدع بأكاذيب العلمانيين،وهي تأبى في الوقت نفسه الاستجابة إلى دعاوى الغلاة التكفيريين،بعد أن عانت من أذى المُفْرطين والمفرّطين.