أنت هنا

الذين أغضبتهم فتاوى العلماء
15 ربيع الأول 1429

وحدهم أهل التوسط الذين يلقون عنتاً وحرباً مزدوجة من نقيضين، يجمعهما الغلو، ويفرقهما اللسان؛ فلا يسلموا من هؤلاء ولا أولئك.
يجافيهم من يتحجر واسعاً فيرى كلمة التوحيد ثقب إبرة، يقف على سَمّها فلا يُنفِذ منها إلا من يريد، ومن يشبهه في سماته وصفاته المريضة، أو تستحيل في نظره ثقباً فضائياً يبتلع كل أصحاب الديانات والأفكار والمذاهب الأرضية، فلا يبقى في الكون إلا مؤمن صدوق!
كلا الطرفين يبغضهم، وكلاهما يناصبهم العداء، سواء حين تصيبه شحنة من تيار غالٍ في فكره ومعتقده، وفقهه للحياة، والدين وأحكامه، والفقه وأصوله، والشريعة ومقاصدها؛ فيسرع به المؤشر إلى أن يشاد الدين؛ فيصل معه إلى منتهى درجات العداد، أو حين يغلبه الدين؛ فتنهار مقاومته؛ فيسكن المؤشر في الجهة المقابلة عند خانة الأصفار.
إنها حالة مرضية تحول به دوماً بينه وبين التوسط في رؤية الأحداث؛ فيتردد ما بين التشرنق والانزواء ومجافاة المجتمع واحتقار العلماء والحكماء، أو الانفتاح لحد الذوبان والانهيار وفقدان الهوية ونسيان التاريخ ومعاداة الحضارة؛ ولتشفين تلك الوساوس بما يعالجها من بيان للناس، وفاء لله بميثاق أخذه الله على العلماء، حين قال: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ"؛ إذ البيان حيث يريد البعض مزج أفكارهم المستوردة بالمحكمات والقواطع والثوابت، وقراءة الدين بعدسة غربية سوداء، لازم محتوم.. والصمت عندما تعامل النصوص كسلع تباع وتشترى وأوراق لعب في سوق الضمير الغائب والمستتر بالتنوير لتسول المكاسب واستجداء الشهرة، هو انكسار عن أداء الواجب لحق دين عظيم.
وهؤلاء الذين شنوا هجماتهم الإرهابية الفكرية على العلماء ساعة وقفوا منافحين عن صواب الفتوى التي تضع الأمور في أنصبتها الصحيحة، وتقوّم القضية في منظورها الشرعي البعيد عن الأهواء والآراء السقيمة المعوجة، إنما دفعتهم عصبيتهم لكل فكرة جاءت بها الريح الغربية ولو صدمت أركان الدين وثوابته.
إننا حين نشهد عفوية قيام العلماء دفاعاً عن الإسلام وكلمة التوحيد ومفهوم الإيمان ونقيضه، نلمح تجييشاً مريباً لصناديد الليبرالية ودهاقنتها خلف من يقودون الحملة التغريبية الواضحة تحت لافتة الإبداع والتنوير والثقافة، ولصقهم كل مشين بثلة من كبار علماء هذه البلاد، ووصمهم زوراً بـ"علماء التكفير"، خلافاً لواقع مشهود يعلمه الجميع عن أولئك الذين عبروا من حيز غلو التكفير الديني المجاني على شعبهم وعلمائه إلى منطقة احتكار الحق "الفردي" في إبداء الآراء حول قضاياهم؛ فإذا هم بالليبرالية التي يدّعون كافرين!
لقد قال العلماء كلمتهم، وصدحوا بحق يؤمنون به، لم يشهروا سيفاً أو يحملوا مدفعاً مثلما فعل بعض الليبراليين في سالف عهدهم الأول؛ فممَ يفرق المبطلون؟! أيريدون أن يكون فضاء البلاد صدى صوتهم ولا سواه يسمعون؟! أيظنون الواجب على الجميع أن تخشع أصواتهم حين يعبث أنصاف المثقفين ومبدعي الزيف بأقدس النصوص؟!
إن هذا الشعب المسلم لم يقاطع منتجات المسيئين المادية لتصله أفكارهم ومنتجاتهم المعنوية عبر قلة ارتضت أن تكون بوقاً لكل فكرة وافدة شاردة ثبت بطلانها إلا للمنبهرين بها.. ولهذا كانت الفتاوى التي صدرت، والتأييد الذي حشر المخاصمين لشعوبهم وقيمهم النبيلة الراسخة، كانت، وستستمر الوقفة ضد كل عابث بإذن الله، وسيتصدى العلماء لتلك الآراء الباطلة، وسيقف كل حر غيور على دينه ضد التسويق لها عبر منابر الشعب الإعلامية، لئلا تعطب الفاكهة المريضة جارتها السليمة، ولكيلا تنقض عرى الإسلام.