أنت هنا

الظهور المكشوفة للكوسوفيين
11 ربيع الأول 1429

عندما "تدافع" الدول الأوروبية عن "استقلال" كوسوفا؛ فإن هذا يدعو للحذر والانتباه؛ فلأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية في الواقع مصلحة في دعم هذا "الاستقلال" عن صربيا لأهداف استراتيجية لا تتعلق بمساندة الحريات ولا دعم استقلال الدول الصغيرة، ومن ثَم كان الوجود الأمني المحدود هناك معبراً عن هذه الرغبة، وليس لأي غرض آخر قد يتعلق بسلامة الشعب الكوسوفي المسلم.
بسهولة هاجم الصرب مقر المحكمة في مدينة ميتروفيتشا المقسمة بين الصرب والألبان في شمال كوسوفا واستولوا عليه، وبفاصل زمني جاوز اليومين تعززت فيه القوة الصربية، هاجمت شرطة الأمم المتحدة المقر ولاقت مقاومة فانسحبت، ثم عادت الشرطة بعد ساعات مدعومة من قوة حلف الأطلسي لحفظ السلام (كفور)؛ فنجحت بعد إصابة العشرات من الجانبين في السيطرة على المقر واعتقال العشرات من الصرب، الذين ينتظر الإفراج عنهم في أي وقت.
المهاجمون لم ولن يكونوا "إرهابيين" ماداموا صرباً، وقوات الحلف ستظل رحيمة بالمعتقلين، والشرطة ستؤثر الانسحاب ما دام الخصم صربياً لا مسلماً، والكيل بمعيارين سيظل سمة التعامل الغربي مع المشكلات الدينية والعرقية؛ فالصرب ليسوا كأهل دارفور ولا أهل العراق.
القوة الأممية تضمن وجود 16 ألف جندي من قوات حلف الناتو داخل كوسوفا منذ 1999م، وقد تشكلت قوة (كفور) والشرطة الأممية بالترافق مع الاستقلال أوائل هذا العام لتزيد من حجم التدخل الأجنبي المساند ظاهرياً لـ"الاستقلال"، لكن هذه الآلاف التي تدرك يقيناً تمركز معظم الصرب في الأجزاء الشمالية وتمتعهم بدعم قد يكون عسكرياً مع تطورات الموقف العسكري في أي وقت، وبدعم لوجيستي إن اقتضى الأمر عبر الحدود مع جمهورية الصرب لم يفعل ما هو مناسب وحجم التهديد الصربي الداخلي للحد الذي جعل الإرهابيين يلهون بمدرعات الحلف وشرطة الأمم المتحدة.

هذا كله أمر طبيعي، ولكن هل يدرك الألبان مرارة الالتجاء إلى "جنة" الغرب هروباً من "جحيم" الشرق، وهل يعوون أن حقوقهم لن تؤخذ من الغاصبين إلا غلاباً؛ فالتفاوض قد أدى إلى الحصول على قدر من الاستقلال، لكنه لا يضمن الحفاظ على تلك المكتسبات على قلتها، واستعداد الألبان في كوسوفا للدفاع عن أنفسهم هو واجب الوقت من دون أن يستفزوا الصرب أو يفسحوا المجال لاتهامهم بالاستعداد لشن الحرب.
إن القادم مجهول وضبابي في كوسوفا لكن هل وضع هاشم تقي رئيس الوزراء في جمهورية كوسوفا احتمال حدوث الاضطرابات بقوة إلى حد التمرد أو الحرب من الشمال الذي يشاطر الصرب الألبان أراضيه ونسبة سكانه؟ إن الحذر واجب قد لا يغيب عن رئيس الوزراء الكوسوفي ـ ولو لم يكن يحمل فكراً إسلامياً واعياً ـ وهو النائب السابق لرئيس جيش تحرير كوسوفا في حرب عامي 1998 و1999م، وأحد أعضاء الوفد الألباني الذي فاوض الصرب على وقف الحرب في رامبويه بفرنسا عام 1999م.