4 ربيع الأول 1429

السؤال

حققت طموحي بدخول كلية الطب إلا أن بعض الأخوات المستقيمات يلححن عليّ بحضور مناشطهن الدينية على حساب محاضرات الكلية بحجة أن العلم الشرعي فرض عين وغيره فرض كفاية.
فهل أطيعهن وأقصر في دراستي.. أم أترك العلم الشرعي لخارج الجامعة؟!
أفيدوني جزاكم الله خيرا.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

الأخت الفاضلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ذكرت أنك التحقت بكلية الطب لستر عورات المسلمات، وهذه نية صالحة تؤجرين عليها إن شاء الله، وقد يكون ما أنت فيه من جملة فروض الكفايات وإذا كان كذلك فحياطة هذه العمل عن ما يحبطه ويبطله قد تكون واجبة. وما دمت قد قررت سد هذه الثغرة فيجب عليك التهيؤ لذلك بإتقان ما يجب عليك إتقانه، واعلمي أن هذه أمانة، والتفريط فيها يعد نوعاً من الخيانة، وقد يكون عدم إتقان هذا العلم سبباً لآثار سلبية سيئة كانصراف النساء عن الطبيبات الملتزمات إلى الرجال بحجة أنهن أقل علماً وخبرة كما تشيع بعض النساء.

فاستحضري أختي الكريمة النية الصالحة وأنك تقومين بواجب، وأن فرض الكفاية إذا تلبس به المرء فقد يقترن به ما يجعله واجباً عليه عيناً. ثم إن كلام هؤلاء الأخوات ليس له وجه، وأنت لست بحاجة للاعتذار عن عدم مجاراتك لهن بما تمرين به من ظروف، أو بتضخيم قدراتهن والتصغير من شأنك كما لمست في بعض حديثك.
بل عليك أن تنصحيهن ليُحسنَّ علم الطب، وذكريهن بأن الله تعالى يحب إذا عمل عبده عملاً أن يتقنه، والإتقان لا يكون بغير مثابرة في التعلم، وعناية بالعلم.

أما زميلتك التي تأمرك بترك المحاضرات لتدارسك بعض دروس العقيدة بشرط أن تكون في وقت المحاضرات والعملي فلا تلزمك طاعتها، بل ينبغي الإنكار عليها. فليس لها أصلاً أن تأمرك لأنها ترى أنها شيختك بترك درس أو معمل، وعلى هذه الأخت أن تفهم أنها زميلة لك تتدارسين معها وتستفيدين منها بعض الفوائد، ولايعني ذلك أنها صارت في مقام العلماء يجب لها ما يجب لهم! وحتى لو افترضنا أنها علمتك كل ما يجب عليك معرفته من علوم الشريعة، فليس لها أن تعاملك بشيء من التسلط، فما هذا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صالحي علماء هذه الأمة.

إن تعلم العقيدة مطلوب، لكن ليس من فرض العين ألا تدرسيها إلا في وقت معين، عند شخص محدد إن فرض أن هذه الأخت تدرسك من مسائل علم الاعتقاد ما تجب عليك معرفته عيناً.
وأما القدر الواجب عليك من فاحرصي على تعلمه بأن تقسمي وقتك وتعط كل علم حقه.
كما فعل كان يفعل سلف هذه الأمة رضوان الله عليهم، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم رغم أنهم كانوا يدركون أنهم مكلفون بتعلم دينهم من نبيهم، وتبليغه للأمة من بعده ما كانوا يلازمون النبي صلى الله عليه وسلم طول الوقت، بل ربما كانت تفوتهم بعض مجالس العلم لانشغالهم بتدبير معاشهم، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه خير هذه الأمة بعد نبيها وخليفته كان يتناوب مع فتى من الأنصار في حضور مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فات أحدهم شيئاً بلغه به صاحبه. والصحابيات رضوان الله تعالى عليهن قلن للنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري وغيره: قد غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا من نفسك يوماً. فكن يتعلمن في هذا اليوم، ويشهدن الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتفرغن للقيام بمهامهن.
وكل فرض لم تقيده الشريعة بوقت محدد فليس لأحد من الناس كائناً من كان أن يقيده بزمن معين ويلزم الناس به.

أما تحجج بعضهن بالتوكل، وأن من أدى فرض العين أعانه الله على فرض الكفاية، فليس على هذا الوجه وإن فرض أن ما تقومين به فرض كفاية وأن المسائل التي تطرحها الأخت فرض عين تعلمها، إذ ليس ثمة تعارض بين الأمرين. وهل يلزم لكي أتعلم العلم الواجب أن أدع السنن الرواتب مثلاً، أو أن يكون طلب العلم في وقتها؟!

ثم كيف يكون التوكل توكلاً شرعياً صحيحاً والأسباب التي جاءت الشريعة بأخذها معطلة؟ من فعل هذا لايكون صحيح التوكل، بل فعله كما قال علماؤنا نقص في العقل والشرع، نعم من توكل على الله فهو حسبه، لكن لابد للمسلم أن يعقلها أولاً ثم يتوكل، وإلاّ فما توكل توكلاً شرعياً من ترك الأخذ بالأسباب. وهل ستقبل منك زميلتك هذه أن تطلبي منها ألا تحضر الاختبار وتؤدي في وقته بعض الطاعات ثم تنتظر أن تنجح؟ هذا نفس المنطق الذي تتكلم به لتصرفك عن درسك في وقته إلى طلب علم لم يقيده الشرع بذلك الزمن الذي قيدته به زميلتك.

إن مثل هذا الفكر فيه تعطيل لمصالح العباد، ولايمكن أن تحتج لك به في كثير من أمورها الدنيوية، وليس هذا هدي سلف هذه الأمة في شيء.
كما أن العلم الشرعي تيسرت سبله، فبإمكانك حضور دروس كبار المشايخ في الإنترنت، وسؤالهم والتعلم منهم مباشرة، كما يمكنك الاستفادة من موادهم المسجلة في الأشرطة والأقراص المضغوطة، والاستفادة من مواقعهم، بل يمكنك الانضمام إلى بعض الأكاديميات الموثوقة، إلى غير ذلك من سبل طلب العلم التي هيئتها محدثات العصر. فلست بحاجة للتقيد بزميلة محددة لتأخذي منها العقيدة في زمن معين، بل لا أنصحك بأخذ العقيدة وغيرها من علوم الشريعة إلاّ على العلماء الراسخين المشهود لهم بالعلم والتقوى.

فاحرصي على اقتناء كتبهم وأشرطتهم ومعرفة المواقع التي تبث موادهم وأرقام هواتفهم وليكن طلبك للعلم منهم وسؤالك لهم فالله تعالى أمر بالرد إليهم، فخصصي لتعلم دينك منهم بعض زمنك على ما يلائمك، وثقي أنك ستجدين عند هؤلاء من التحقيق الشيء الكثير.
وأخيراً وصيتي إليك بأن تنصحي هؤلاء الأخوات وترفقي بهن، فكم من مريد للخير يخطئ الطريق إليه.
وفقك الله، وعلمك ما ينفعك، ونفع بك.