أنت هنا

صواريخ القسام.. تُطلق أم لا؟
4 ربيع الأول 1429

في أوج الأزمة، وعلى شط نهر الدم يدور الحديث بقوة في الأوساط العربية عن فائدة صواريخ القسام وجدوى إطلاقها، وما إذا كانت بالفعل تقدم مسوغاً للمحتل ليلقي بحممه التي لا تتكافأ والصواريخ الفلسطينية.
الصواريخ في عرف البعض ليست أكثر من ألعاب نارية، ولا تنكأ عدواً ولا تقتل معتدياً، وجل ما تفعله إثارة ضجيج في محيطها وإثارة هلع الصهاينة في مقابل دماء زكية من أطفال ونساء وشباب ورجال من حبات القلوب وحماة العقيدة وحارسي الخيار الإسلامي الشعبي في غزة.
"يكفي غزة ما تلقاه الآن مما نستشعر العجز في منعه؛ فلا حاجة لمزيد من الدماء" في نظر بعض المخلصين، ولنقطع حجتهم بإيقاف هجمتنا الصاروخية المزعجة عليهم.. هكذا يقول بعض المسلمين الآن ذلك بدرجات متفاوتة من الإخلاص والوعي.
المقاومون لديهم منطق آخر، ويتلخص في أنهم في خندق الدفاع وليسوا هم من أشعل الموقف، ومن واجبهم أن يدفعوا بأي شكل كان وبأي سلاح توفر.
ولهفنا على هذي الدماء لن يجعلنا نحمل للمقاومة ما ينقل التبعة لها من دون المجرمين في تل أبيب، وتاريخ الصراع لن يمكننا من اختزال المشهد كما اختزله الكذاب الأشر بان كي مون في ردة فعل من "جيش الدفاع الإسرائيلي" على صواريخ "الإرهابيين"؛ فالصراع رسمت ملامحه "إسرائيل" بحروف من دم، لم ينضب منذ زرعتها القوى العالمية، ولم تكن في وارد حرف فوهات بنادقها يوماً عن صدور أطفالنا الرضع وغيرهم قبل أن تتوافر للمقاومة حتى طلقة رصاصة. ولو كانت المقاومة أخطأت ـ جدلاً ـ فهي اليوم تدفع ظلماً لا يدفعه الكتاب والمحللون والقراء والمشاهدون، وقبلهم قادة الرأي، فضلاً عن الأنظمة العربية العرجاء.

إن الدم الفلسطيني المسلم عزيز، لكن هل سيحقنه وقف الصواريخ؟ وهل استخدمت المقاومة هذا السلاح إلا بعدما خرقت "إسرائيل" الهدنة تلو الأخرى، وعاثت في سماء غزة وأرضها فساداً، وذبحت على هياكل معبدها الآلاف من المسلمين الآمنين؟
وللبعض أن يبدي انزعاجه من رد الفعل الفلسطيني المقاوم، ويمنح نفسه الحق في نقد تجربة المقاومة في لحظة المجزرة، ولا غرو، ولكن أليس من حق المقاومة في المقابل أن تنتقي من تسمع إليهم من "الناصحين" اليوم؛ فدروب "الناصحين" مختلفة؛ فمنهم من يطلب من المقاومة أن تحاذيه وتماثله في عمالته وتحريضه على تصفية الحكومة المنتخبة في غزة، ومنهم من يندد بلسانه وقلبه يلعن أهل غزة وخيارهم الشعبي، ويهمس في سره "أرحنا بها يا أولمرت"!!
هؤلاء لن يقال لهم إلا أن للمقاومة ضريبتها ولو كانت فادحة، وأن نمو المقاومة لا يحدث إلا في زمان الحرب، مثلما تقضي بذاك العلوم العسكرية، وتطوير سبل المقاومة لن يكون إلا في مناورات أو حروب فعلية، وأن للصبر والمصابرة والمرابطة نتيجة لا تخطئها العين.. "لعلكم تفلحون"، وأن صواريخ المقاومة تبدي كل يوم ما يبشر في رحم المأساة بقدر من القدرة على الثبات لا ينبغي لنا أن نلمزه وأن نعين على كُماته وحُماته، ومن يبلغه إصابة رئيس بلدة سيديروت والآخرين جراء إطلاق الصواريخ يدرك أن ثمة ما يمكن سوقه كبشرى للمرابطين وأشياعهم.

أما الناصحون المخلصون حقيقة؛ فلابد من مراجعة أطروحاتهم بدقة للإفادة منها لأن الحكمة هي ضالة المؤمن، وعلامة الإخلاص تكمن في اطراح التعصب للرأي وإعادة النظر كل لحظة في إمكاناتنا وإمكانات العدو.. ثم ليكن من بعد ما يتقرر بعيداً عن "عواصم الممانعة" من جهة ولامزي المطوعين من جهة أخرى ممن يغضوا الطرف عن المأساة لتصفية حساباتهم مع حماس وخيار المقاومة، وبقناعة ميدانية داخلية تبنى على حدود المتاح وجدوى رد الفعل وحساب كلفة الحرب.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".