<font color="#ff0000">الناشط عبد الرحيم مهتاد (رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين بالمغرب) هو أحد العاملين بقوة في مجال الدفاع عن حقوق الإسلاميين المعتقلين في سجون المغرب, التقاه موقع المسلم لاستكشاف طبيعة هذه الجمعية والوقوف على أوضاع المعتقلين السياسيين في المغرب والتعرف على أوجه ونطاق عمل الجمعية, فكان هذا اللقاء: </font><BR><BR><font color="#0000ff">- أولاً وقبل كل شيء، ما هي جمعية النصير، ومتى تأسست؟</font><BR>- تأسست جمعية النصير في شهر ديسمبر 2004م. كنا قد طرقنا جميع الأبواب لدى الهيئات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، بحكم عضويتي في فرع منتدى الحقيقة والإنصاف بالدار البيضاء، وخبرتي مع جمعيات حقوقية مغربية. كنت دائماً أضع أمام الحقوقيين مشكلة المعتقلين الإسلاميين، وظاهرة الاعتقال الإسلامي، فمنهم من كان يتنكر بصفة قطعية قائلاً: إنهم يستحقون الاعتقال، ومنهم من كان يقول: إن الموضوع ما يزال غير ناضج. ثم مضيت لأفتح معهم حواراً في الموضوع حتى وصل إلى هيئة الإنصاف والمصالحة على أمل أن يتبنوا الملف أو يدافعوا عنه، أو على الأقل يقولوا كلمة في صالح المعتقلين الإسلاميين. فعلنا هذا قبل تأسيس الجمعية.<BR><BR><font color="#0000ff">- من كنتم حين بدأتم التفكير في تأسيس هذه الجمعية؟</font><BR>- في بداية الأمر كنا نخبة من المعتقلين الإسلاميين السابقين باتفاق مع المعتقلين من "السلفية الجهادية" داخل السجون، وبحضور مجموعة من عائلاتهم. وهذا بدأ منذ شرعت الجهات الأمنية في عمليات الاعتقال، إذ كنا نتابع تطورات القضية وننسق بين الناشطين في مجال حقوق الإنسان والإخوة المعتقلين والعائلات. لما أخذت الفكرة تختمر، بدأنا نبحث لها عن الإطار القانوني الذي يحتضنها ويمكننا من الاشتغال. الإطارات القانونية التي كانت موجودة رفضت تبني الملف وكلما طرقنا بابها لم يفتح لنا، فصرنا أمام الباب المسدود، وأمام خيارين: إما أن تؤسس بشكل مستقل، وإما أن تذهب لحال سبيلك. هذا هو السؤال الذي طرحناه أخيرا في الاجتماعات السابقة للتأسيس. اتجهت الإرادة في النهاية إلى تأسيس إطار قانوني خاص يدافع عن المعتقلين حتى النهاية. <BR><BR><font color="#0000ff">- طيب، أنت أيضاً معتقل إسلامي سياسي سابق، أليس هذا </font>صحيحاً؟<BR>- أجل، أنا معتقل إسلامي سياسي سابق ضمن مجموعة الشبيبة الإسلامية المغربية بزعامة عبد الكريم مطيع. أمضيت عشر سنوات في الخارج ما بين فرنسا التي كانت مستقراً لي ودول أخرى كثيرة. شاركت في جميع المراحل الإعدادية والبرامج التربوية، وحتى العسكرية منها، بل كنت على رأس القيادة العسكرية لتنظيم الشبيبة الإسلامية. اعتقلت سنة 1990، وحوكمت حضورياً بعدما كان قد صدر في حقي حكمان غيابيان بالإعدام، وكان الحكم بالمؤبد، قضيت منه خمس سنوات إلى أن جاء قرار العفو الملكي للملك الراحل الحسن الثاني في 1994، فخرج في ليلة واحدة 426 معتقلاً من إسلاميين ويساريين، ومنذ خروجي من السجن لم أنخرط في أي اتجاه سياسي، واخترت العمل في مجال حقوق الإنسان، لأنني أدركت طيلة السجن قيمة أن تدعم إنسانا من وراء القضبان وأن تمد له يد النصرة ولو بكلمة من أجل رفع الظلم والجور. انضممت إلى المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وأصدقك القول أيضا، إنني عانيت مع هذا المنتدى؛ لأن الأعضاء القائمين عليه لا يفسحون لك المجال للاشتغال الحر، بل يريدون أن تشتغل تحت وصايتهم وعلى طريقتهم، بل يصل بهم الأمر إلى حد تزوير الانتخابات ضدك حتى لا تكون مجرد عضو في المجلس الوطني.<BR><BR><font color="#0000ff">- لماذا في نظرك؟</font><BR>- لأنهم كانوا يعتبروننا إسلاميين، وكأن حقوق الإنسان سوق يتبضع منه حسب الاتجاه الإيديولوجي والفكري، مع أن حقوق الإنسان عالمية ليس لها إيديولوجيا ولا فكر وتهم الإنسان في ذاته وليس في معتقده، والسجن لا يفرق بين هذا الاتجاه وهذا الاتجاه. لا يتعاملون مع الحقوق من الوجهة الإنسانية الصرفة، بل يهمهم الوجهة السياسية والفكرية والدينية للمعتقل والمظلوم، فإذا كان على غير إيديولوجيتهم لم يأبهوا له ولا به، وهذا خطأ جسيم، وهو الذي يفسر الهجمة الكبيرة على المعتقلين الإسلاميين دون أن يجدوا من يدافع عنهم، وغياب من يقول لا. بطبيعة الحال، وقع ما وقع في تفجيرات الدار البيضاء، وهي أحداث نستنكرها ونمجها ونرفضها وندين من قام بها. كلنا متفقون على هذا، ولكن أن تتحالف جميع الظروف والمكونات، بما فيها الأمن والدولة والقضاء والمجتمع المدني كله من أجل النيل من شريحة من المجتمع المغربي؛ لأن له لحية أو لباساً معيناً، فهذا هو الجنون بعينه، نعم إني أعد هذا هو الجنون.<BR><BR><font color="#0000ff">-كيف تعد هذا جنوناً وقد وقع ما وقع؟</font><BR>- اسمع، أنا أتفهم تصرف الدولة ورد فعلها العنيف نظرا لهول الصدمة لأنها لم تفهم ما وقع، ونظراً لأن هذه هي التجربة الأولى، لكن أن ينساق المجتمع المدني للتصفيق على تصفية شريحة من أبناء المجتمع المغربي حتى كدنا نفقد أحزابا ذات اتجاه إسلامي كانت قانونية وقائمة. لماذا هذا؟ كان من اللازم أن يتدخل أصحاب الأمن للقيام بدورهم، في رفقة أصحاب الفكر ليقوموا بدورهم وأصحاب السياسة ليؤدوا واجبهم، لماذا اختلط كل شيء حتى لم نعد نميز بين السياسة والفكر والأمن، مما أدى إلى إدخال جيش عرمرم من المعتقلين خلفوا وراءهم جيشا عرمرما من الضعفاء والمستضعفين من آباء وأمهات، وبنين وبنات، وأقارب وزوجات.. مآسي والله، إنها مآسي أراها كل يوم. بالأمس فقط كانت معنا أخت معتقل ترك لها سبعة أطفال كلهم صغار.. مآسي يومية.. امرأة أخرى راسلتنا تشتكي من تصرف أخرق لمدير مدرسة طرد ابنها من المدرسة؛ لأنه لم يدفع المبلغ المالي المخصص للتأمين على هزالته.. هذا معناه أن هذه الاعتقالات جرت من ورائها ويلات، وهذه الويلات هي حجتنا التي نعتمد عليها ونقول للمسؤولين: إذا كنتم قد قمتم بإجراءات وقائية واعتقلتم من اعتقلتم من أجل سد الباب حتى لا يتكرر ما وقع في الدار البيضاء، فإنكم لم تفكروا إطلاقا. إنكم خلفتم وراء المعتقلين آباء وأمهات وأطفالا، هؤلاء الأطفال سيتساءلون غدا أو بعد غد؟ فما مصيرهم؟ الشارع أو التطرف؟ من الطرائف التي وقعت لي في وقفة أمام السجن المركزي بالقنيطرة، فاعتقلت وأخذوني لوكيل الملك ليحقق معي مدة أربع ساعات. فيم كان يحقق معي؟ في لا شيء. ولما أطلت معه النقاش قلت له: إذا لم تفكر الدولة في المعتقلين داخل السجون فلتفكر على الأقل في من تبقى خارج السجون من أبناء وزوجات وأمهات، وعلى الخصوص الأطفال البالغين ست سنوات وآباؤهم محكوم عليهم بعشرين أو ثلاثين عاماً، ما مصيرهم بعد ست سنوات أو سبع سنوات أخرى؟ فقال لي: الدولة تحمي الأبناء من الآباء، فقلت له: نعم، لكن في أوروبا، عندما يعتقلون الأب تقوم جمعيات المجتمع المدني، وتقوم مؤسسات الدولة الاجتماعية بواجبها فتتكفل بهم، أما هنا في المغرب فالأولاد عرضة للضياع. <BR><BR><font color="#0000ff">-فلماذا جاءت إذن جمعية النصير؟ وهل تفعل شيئاً للمعتقلين وأهليهم؟ وهل لديها الإمكانيات والحرية لذلك؟</font><BR>- جمعية النصير من أجل أن تقول لا في قضية قال فيها الجميع نعم. وتشتغل كأي جمعية حقوقية داخل السجون على قضايا الإخوان المعتقلين وتظلماتهم واقتراحاتهم ومراسلاتهم، وإذا تعذر شيء سواء على المعتقل أو على عائلته فالجمعية تتكفل بذلك. تصنع جوا من التواصل بين عائلات المعتقلين، والتواصل ومع وسائل الإعلام. أحسن شيء فعلناه في الجمعية بكل صدق وفخر أننا ساهمنا في بناء مناخ من التكافل والتضامن والتعاون بين العائلات المتضررة من الاعتقال وبين المعتقلين الذين وجدوا في "النصير" متنفسا ومحل ثقة لأننا ندافع عن جميع المعتقلين الإسلاميين دون أي استثناء.<BR><BR><font color="#0000ff">- هل ساهمتم في إطلاق سراح بعض المعتقلين؟</font><BR>- نعم والحمد لله وفضله. خضنا أشكالاً متعددة من النضال، منها وقفات أمام سجن الدار البيضاء وسجن أوطيطة بسيدي قاسم، هذا السجن الذي لم يستطع أحد أن يخرق جدار الصمت حوله، فجاءت النصير وخرقت جدار الصمت. وساعدنا في ذلك الإعلام، خاصة التلفزيوني العربي والأجنبي إذ لولا ذلك ما كان لأحد أن يعرفنا ويعرف وجودنا وقضيتنا.<BR><BR><font color="#0000ff">- قلت إنكم في جمعية النصير تدافعون عن جميع المعتقلين الإسلاميين من دون استثناء، هل هناك أصناف من هؤلاء المعتقلين؟</font><BR>- نعم، هناك ثلاثة أصناف: هناك الفئة التي اعتقلت من أجل آرائها، كالموقف من الديمقراطية، أو لأنه يلبس لباسا معينا أو غير ذلك وهؤلاء نطالب بإطلاق سراحهم فورا. الفئة الثانية وهي الكبرى، الذين اعتقلوا لمجرد الشبهة، وفيهم من اعتقلوا قبل 16 مايو، وفيهم من اعتقل بعد 16 مايو، ولكنهم جميعاً حوكموا بتهمة تفجيرات 16 مايو، وهناك نماذج أشد فظاعة مثل الذين اعتقلوا قبل 16 مايو ثم أفرج عنهم، ثم أعيد اعتقالهم ضمن معتقلي تفجيرات الدار البيضاء، وكان المفروض أن يتم التحقيق معهم بشكل قانوني حتى يتم التبين. ما قولك مثلا فيمن اعتقل لمجرد أن رقم هاتفه المحمول كان ضمن لائحة الهواتف المسجلة في ذاكرة الهاتف؟ وما قولك فيمن اعتقل لمجرد حضوره يوما ما في حفل تكلم فيه المتهم الفلاني. وكل هؤلاء حوكموا بتهمة تكوين عصابات إجرامية، والغريب أن السلطات كانت تضيف متهمين إلى متهمين لتكوين العصابة المرغوبة. وهذه الفئة نطالب بإعادة إنصافها ومحاكمتها في ظروف عادلة لأنهم حوكموا في ظرف مشحون. أما الثالثة، قليلة العدد محسوبة، على رؤوس الأصابع، وهي فئة المتورطين مباشرة في أحداث التفجيرات، وفيهم أفراد اتهموا بأعمال مخلة بالقانون واعترفوا بذلك، وهذه الفئة صدرت في حقها أحكام قاسية، ونطالب أيضا أن تعاد محاكمتهم في ظروف عادية حسنة. <BR><BR><br>