الحلم المكبوت هل يتحقق؟ قراءة في قصة كوسوفا
3 ذو الحجه 1428

"سيتم إعلان الاستقلال في وقت أبكر بكثير من الموعد الذي كان متوقعاً لهذه الخطوة، ولن يتعدى ذلك مايو المقبل"، قال الناطق باسم حكومة كوسوفو اسكندر حسيني، وزاد للصحافيين في العاصمة بريشتينا في الحادي عشر من الشهر الجاري: إن"أمر الاستقلال بات حسوماً، ولكن القضية هي موعد إعلانه، الذي سيتم إقراره من خلال المحادثات التي ستبدأ مع الدول الغربية المؤيدة له، والتي ستتناول الخطوات المؤدية إليه والاعتراف الدولي به". في الحقيقة، كان يوم الأربعاء 28 نوفمبر نهاية الأمل في توصل كل من بلغراد وبريشتينا لاتفاق حول مستقبل كوسوفا قبل رفع الترويكة الدولية، تقريرها للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون،في العاشر من ديسمبر،مستدلة بذلك الستار على مسرح البلقان، ومؤذنة ببدء مرحلة جديدة ومشهد جديد من دراما لا تنتهي فصولها،كما يبدو من تاريخ المنطقة وشقائها بنفسها . <BR><font color="#0000FF">البدايات لا تنسى: </font><BR>بدأت مشكلة كوسوفا في القرن الثاني عشر عندما نجح الصرب في إخضاع أهالي كوسوفا لسلطانهم بعد تمكنهم من إلحاق الهزيمة بالدولة البيزنطية التي كانت تسيطر على كوسوفا وأجزاء أخرى من منطقة البلقان،وهذا هو سر التعبير الأيديولوجي " أرض الأمجاد الصربية " أو" مهد الحضارة الصربية " حيث لم يكن الصرب سوى نازحين للمنطقة التي وصلوا إليها في القرن التاسع وبدأوا يتمددون في المنطقة محققين انتصارات كبيرة على القوى المختلفة وفي سنة 1346 م أعلن الملك الصربي لأزار نفسه قيصرا، لكن الأمجاد الصربية لم تدم طويلا، فقد ظهرت قوة قاهرة أخرى على أنقاض بيزنطة اسمها "الخلافة العثمانية "لم تلبث أن اصطدمت مع الامبرطورية الصربية الناشئة وعلى أرض كوسوفا التي أفتكها الصرب من بيزنطة السابقة والتي عادت بثوب جديد واسم جديد وايديولوجية جديدة . وكانت معركة كوسوفا عام 1389 م نهاية الحلم الصربي ووقف زحفه في المنطقة حتى حروب البلقان 1912 / 1913 م. لقد تمخض عن ذلك المعاهدة الشهيرة المعروفة بمعاهدة لندن سنة 1913 م والتي تم بموجبها تقسيم الألبان بين كوسوفا تابعة للملكة الصربية ( قبل تحويلها في الثلاثينات إلى مملكة يوغسلافيا ) ودولة ألبانيا الأم . وفي سنة 1974 م منح الرئيس اليوغسلافي الأسبق جوزيف بروز تيتو كوسوفا حكما ذاتيا، وفي سنة 1978 م وضعت الأكاديمية الصربية خطة للإلغاء الحكم الذاتي لكوسوفو وإقامة صربيا الكبرى لكن ذلك جوبه بعقبات كبيرة انزاحت جميعا بموت تيتو وصعود الرئيس الصربي الأسبق سلوبودان ميلوسيفيتش لسدة الحكم، وفي سنة 1989 م وبمناسبة مرور 600 عام على هزيمة الصرب أمام العثمانيين ألغى ميلوسيفيتش الحكم الذاتي لكوسوفا مما أثار مخاوف القوميات الأخرى وساهم في انهيار يوغسلافيا، وزياد حدة المصادمات في كوسوفا حتى وصلت الذروة سنتي 1998 و1999 م حيث تدخل حلف شمال الأطلسي وطرد الشرطة والجيش الصربيين من كوسوفا بعد اتهامهما بارتكاب جرائم إبادة ضد الألبان . كما أصدر مجلس الأمن في نفس السنة قراره رقم 1422 الذي يضع كوسوفا تحت اشراف الأمم المتحدة مع بقاء تبعيتها لصربيا . لكن ذلك لم يكن آخر المطاف، وهو ما كان يدركه جميع الأطراف . <BR><font color="#0000FF">محدثات مكانك سر: </font><BR> وفي العام الماضي بدأت محادثات الوضع النهائي لكوسوفا، تحت إشراف لجنة الاتصال الدولية المكونة من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا، واستبعدت الصين،وكان الاعتقاد السائد لدى الكثير من الساسة والمحللين والسكان المحليين أن نهاية 2006 م ستشهد ميلاد الدولة 193، لكن ذلك لم يتم بسبب الموقف الروسي المؤيد لصربيا والمصر على مواصلة المفاوضات،والتي تواصلت على مدى العام الجاري كان معظمها في فيينا كما شهدت نيويورك ولندن بعض تلك الاجتماعات التي لم تتمخض عن أي نجاح يذكر سوى التأكيد على عبثية الحلقة المفرغة التي تدور فيها؛ فصربيا، مكانك سر، ويمكن تلخيص موقفها في نقاط هي، الحكم الذاتي،ولا تفريط في أي سنتمتر من " الأراضي الصربية " ولا قبول لأي قرار حول كوسوفا لا يكون صادرا من مجلس الأمن حسب تعبير رئيس الوزراء فويسلاف كوشتونيتسا .<BR> وتعول صربيا كثيرا على الفيتو الروسي، كما هددت صربيا بقطع العلاقات مع الدول التي تعترف باستقلال كوسوفا .وتطالب صربيا بمواصلة المفاوضات حتى التوصل إلى حل،وهو ما لم يحصل خلال 24 شهرا ماضية . في المقابل يتمحور الموقف الألباني حول مطلب الاستقلال وعدة لاءات من أهمها،لا للحكم الذاتي الذي يمكن إلغاؤه في أي وقت كما حصل سابقا، لا للعودة للماضي، ولا لتحكم صربيا في مصير كوسوفا،أو بتعبير زعيم،الحزب الديمقراطي الألباني، هاشم تاتشي" لا يمكن لكوسوفا أن يكون أسير الرافضين لاستقلاله "، وهدد الألبان بإعلان الاستقلال بعد العاشر من ديسمبر موعد تقديم التروكية الدولية المكونة من المبعوثين الأوروبي والأميركي والروسي، فولفغانغ ايشينغر، وفرنك فيزنر، و أليكسندر بوكن هرتشينكو، تقريرها للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون لكن ذلك لم يحدث بسبب التدخل الروسي وتردد الاتحاد الأوروبي. <BR>ويتمترس كل من الصرب والألبان وراء دواعي الاستقرار فصربيا تعلل طرحها الحكم الذاتي "من أجل الاستقرار "والألبان يبررون حرصهم على الاستقلال بدوافع " الاستقرار الدائم في البلقان " .<BR>وقال هاشم تاتشي أثناء محادثات فيينا الأخيرة " أي حل لكوسوفا غير الاستقلال،سيبقي منطقة البلقان مصدرا لعدم الاستقرار في أوربا ". وقال المبعوث الأوروبي فولفغانغ ايشينغر إنه لا يتوقع استمرار المحادثات بين بلغراد وبريشتينا بعد 10 ديسمبر، موعد تسليم الترويكة الدولية تقريرها للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون . وكان ايشينغر قد ذكر في وقت سابق أن الحل يكمن في ما هو أكثر مما تعرضه بلغراد،وأقل مما يطالب به الألبان، في إشارة لتولي الاتحاد الأوروبي مسؤولية الإشراف على الإقليم نهاية العام الجاري وبداية العام القادم خلفا للأمم المتحدة، وهو ما يجري الترتيب له علانية .<BR> بيد أن الخلاف يكمن في سعي الاتحاد الأوروبي لفصل كوسوفا عن صربيا، الأمر الذي ترفضه بلغراد بشدة، وجعل الألبان وحلفاءهم يدفعون باتجاه استقلال الإقليم استقلالا تاما، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي جورج بوش في زيارته الماضية إلى ألبانيا . وكان رئيس وزراء كوسوفا المنتهية ولايته أجيم تشيكو قد أكد في وقت سابق على أن حكومته لن تنتظر كثيرا بعد 10 ديسمبر لإعلان الاستقلال . وقال تشيكو " فريق المفاوضات الالباني سيتعاون مع الترويكة الدولية (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا) حتى 10 ديسمبر وسيحترم أجندتها، والبحث معها على نقاط لقاء تمكن الصرب من التعاون معنا كدولتين مستقلتين " .ويحظى استقلال كوسوفا باتفاق منقطع النظير بين مختلف الأحزاب السياسية الألبانية، كما أن الشعب في كوسوفا عبر أكثر من مرة عن رأيه وأنه لن يرضى بأقل من الاستقلال . ويرى الصرب أن "أي محادثات يجب أن تكون في إطار قرار مجلس الأمن السابق رقم 1244 " بينما أكد الطرف الألباني على أن "الاستقلال هو النتيجة الطبيعية للمحادثات التي استغرقت نحو عامين " <BR><font color="#0000FF">السيناريو الأكثر واقعية: </font><BR>تؤيد واشنطن استقلال كوسوفا،وجدد نائب سكرتير البيت الأبيض للشؤون السياسية نيكولاس بيرنس، وفق ما ذكرته إذاعة صوت أميركا باللغة الألبانية،في وقت سابق من هذا الشهر أن "واشنطن ستدعم استقلال كوسوفا إذا لم يتوصل الصرب والألبان لاتفاق ثنائي ". حول ذلك قال جيمس ليون من مجموعة الأزمات الدولية، "بلغراد ترغب في استئناف المحادثات حول مستقبل كوسوفا،فيما يشبه حرب أعصاب مع الغرب، وهذا ما لا يقبل به الألبان " وتابع " هناك إمكانية لمواصلة المحادثات، لمدة شهرين أو ستة أشهر، ولكن حتى الآن لا توجد مؤشرات على ذلك من قبل الدول الأوروبية "وعن الموقف الروسي قال "ينتظر أن تطلب موسكو من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إعادة قضية كوسوفا إلى مجلس الأمن "وحول الرد المتوقع لواشنطن وبروكسل أكد على أنه "حتى الآن تعمل واشنطن وبروكسل على حل قضية استقلال كوسوفا خارج مجلس الأمن لتجنب الفيتو الروسي،ولكن لا نعرف كيف سيكون ذلك ".وعن موعد استقلال كوسوفا بناء على المعطيات المتوفرة أفاد " سيتم الاعتراف باستقلال كوسوفا من معظم الدول الأوروبية، أما دول البلقان فستختلف مواعيد اعترافها باستقلال كوسوفا "وتابع "من بين جميع دول الاتحاد الأوروبي، سيكون هناك 23 أو 24 دولة لن تتردد في الاعتراف باستقلال كوسوفا في مقدمتها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا " وعن دول يوغسلافيا السابقة ذكر بأنه " بعد 6 أشهر ستعترف البوسنة باستقلال كوسوفا، ولا أعتقد بأن الجبل الأسود ستعترف فورا باستقلال كوسوفا وإنما ستفعل ذلك كروتيا، وقد تتأخر مقدونيا " وعن إمكانية قيام حرب جديدة أكد على إنه " سيكون هناك دخان ولكن لن تندلع النيران "وعن إمكانية خنق كوسوفا أجاب " كوسوفا له حدود مع ألبانيا ومقدونيا والجبل الأسود ولن يختنق". <BR>ــــــــــ<BR>* كاتب عربي مقيم في سراييفو <BR><BR><BR><br>